محمد خيي .. المقامة السرغينية

حدثنا عيسى بن هشام، قال: في غابر الأزمان نزلت إلى جامع الفنا بمدينة سبعة رجال لتحصيل الدرس من مدرسة الواقع والسؤال، كان بمعيتي أبو الفتح الإسكندري، رجل الفصاحة، يدعوها، فتجيبه.. والبلاغة يأمرها فتطيعه..
أخبرني عن رجل فنان وصاحب مقام، له في مجال التشخيص نفاذ.. بل هو فيها أستاذ.. ويضيف أبو الفتح الإسكندري: يا قوم! لكل تشخيص رجال، ولكل تمثيل فنان، ولكل مقام مقال.
والرجل الفنان يحمل من الأسماء: محمد خيي، ويحمل من الألقاب: القايد وما أدراك ما القايد! من قلعة السراغنة، قلعة الكرم وزيت الزيتون والجبال، حط الرحال .. تخرج من مدرسة العلامة عباس إبراهيم… معه التشخيص أغنية في البال، والتجسيد أنشودة في الأذهان. يعيش بحب الوطن وحب الفن.. بالتضحية والنكران، مبدع داخل المقامات الحسان، على مرور الوقت والأزمان..
يحمل التشخيص في العقل والقلب والروح والوجدان..، وأعرف أن القايد لو لم يكن فنانا، لكان فنانا… !
زدنا علما يا أبا الفتح الإسكندري عن القايد المبدع الفنان!
أجل، إنه يلجأ للتشخيص في معرض البيان.. ويدعو الحوار، وبالقول يكون الإفتتان، له فؤاد يخدمه اللسان، ويحترمه الصغار والكبار وأّهل الميدان، وينشرح صدر السكان بما يشعرون به في استضافته من أمن وأمان…
أجل يا عيسى بن هشام، إنه صاحب الطرائف الولهان.. يساعد الشباب قدر الإمكان … فهو فاعل للخير والإحسان. ليس له لثغة في اللسان، ولا فلج في الأسنان … فهو ناطق بالفصاحة وقوة البيان، وحين يداهمه النسيان، يقول: أعوذ بالله من الشيطان.. هكذا وصفه أبو حيان…
وقال عنه أبو زيد السروجي،‮ ‬إنه‮ ‬يخاطب العينين‭ ‬والأذنين،‮ ‬حين‮ ‬يطلق لكفاءاته العنان،‮… ‬إنه الضرغام والفرس‮ ‬يتصيدان الطمأنينة والإطمئنان‮…‬
بعزيمة وإرادة وطموح،‮ ‬عبر خيوط الألوان‮.. ‬من‮ ‬‭”‬جنان الكرمة‭”‬‮ ‬إلى‮ ‬‭”‬ضيعة سميرة‭”‬‮.. ‬مرورا بـ ‭”‬أندورومان‭”‬‮..‬
وحين‮ ‬يغزو الخشبة،‮ ‬يفرح ويرقص الفستان،‮ ‬وتنضج الزهور والورود في‮ ‬حقل البستان‭…‬‮…‬
قل لنا،‮… ‬قل لنا‮ ‬يا أبا الفتح عن القايد الإنسان‮!‬
إنه الطموح،‮ ‬الحالم،‮ ‬الشامخ،‮ ‬البسيط،‮ ‬الودود البهي،‮ ‬المتواضع الهادئ،‮ ‬إنه الإنسان الفنان الذي‮ ‬يكره الذل والهوان،‮…‬
وما همه‮ ‬يوما،‮ ‬كلاب تطير بأجنحة البهتان‭..‬
ذو إحساس مرهف،‮ ‬كأحاسيس المبدع الفنان،‮… ‬بكى وتألم حين كان الفقدان،‮… ‬فقدان الصديق والأخ محمد البسطاوي،‮ ‬الخريبكي‮ ‬الأصيل،‮ ‬ذات زمان‭.‬‮… ‬كانت العلاقة بينهما‭ ‬علاقة بني‮ ‬الانسان ببني‮ ‬الإنسان‮.. ‬في‮ ‬زمن‮ ‬يغتالون فيه عمق الفنان،‮ ‬ويكبلون جوارح الإنسان‭..‬‮…‬
أخبرني‮ ‬يا أبا الفتح،‮ ‬هل راودته‮ ‬يوما فكرة الرحلة إلى البلاد العجم؟
بلى،‮ ‬أبو شيماء منذ شباب العنفوان،‮ ‬كان دوما‮ ‬يردد ما قاله الشاعر،‮ ‬صاحب القول الرنان‭:‬
بلادي‮ ‬بلادي‮ ‬وإن جارت علي‮ ‬عزيزة‮…‬‭.. ‬‮ ‬والنفي‮ ‬بين أهلي‮ ‬وإن ضنوا علي‭ ‬كرام‭ ‬‮.‬
ويضيف أبو الفتح‮: ‬إن القايد علم الشباب التشخيص،‮ ‬لا الهذيان‮: ‬علمهم ألا‮ ‬يتصرفوا كالصبيان،‮… ‬علمهم الصدق والمصداقية والإلتزام،‮ ‬لكي،‮ ‬لا‮ ‬يعرفون‮.. ‬بعد رحيل العمر‮… ‬بأنهم‭ ‬كانوا‮ ‬يطاردون خيط‭ ‬دخان‮..‬
قل لي‮ ‬يا أبا الفتح،‮ ‬كم‮ ‬‭ ‬أود لقاء هذا الإنسان الفنان‮..!‬
لك هذا،‮ ‬هنا والآن،‮… ‬سترحل في‮ ‬المكان،‮ ‬وتسافر في‮ ‬الزمان،‮ ‬وتجوب المدن والبلدان،‮ ‬لتحط‭ ‬الرحال،‮ ‬في‮ ‬أمسية أديمها ذو ألوان‮..‬
ستلقاه هناك مع الأحبة بمدينة المحبة والوفاء،‮… ‬مدينة النضال والكرم‮.. ‬مدينة طيبوبة اللسان،‮… ‬مدينة الفوسفاط‮.. ‬مدينة خريبكة،‮ ‬مدينة العمال‮.. ‬فها هناك‮.. ‬يحتفل به أهل الكرم‮.. ‬وأهل الفن،‮ ‬سيان‮.. ‬في‮ ‬إطار مهرجان‮.. ‬قبل مهرجان،‮ ‬وبعد مهرجان‮!‬
له منا كل المحبة والعرفان‮.‬
الكلمة التي‮ ‬ألقاها‭ ‬الإعلامي‭ ‬والناقد‭ ‬السينمائي‮ ‬حسن نرايس‭ ‬بمناسبة تكريم الفنان محمد خيي‮ ‬بالدورة‭ ‬الواحدة‭ ‬و‭‬العشرين‭ ‬لمهرجان‭ ‬السينما الإفريقية بخريبكة


الكاتب : حسن نرايس

  

بتاريخ : 27/12/2018