في لقاء تخليد ذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون “السياسي والنقابي في تجربة الشهيد» لخصاصي: يستعرض المشاريع النضالية والسياسية والنقابية التي كرس عمر حياته لتحقيقها

عليوة:  في وقتنا الحالي، لابد للمثقف أن يلعب دوره في الحلم  وخلق الوعي من أجل التغيير
قال محمد لخصاصي «ترك الشهيد عمر بن جلون بصمات عميقة في تاريخ الحزب خلال فترة عصيبة عرفتها البلاد والحزب أيضا، لكن مع الأسف أن هذا المناضل القائد لم يوف حقه من التعريف خاصة بالنسبة للأجيال الصاعدة، ولم يوف حقه بالنظر للدور الحاسم الذي لعبه في تاريخ الحركة الاتحادية».
وأضاف لخصاصي السفير والقيادي في حزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية خلال لقاء نظمته الكتابة الإقليمية للحزب بالرباط، تخليدا لذكرى اغتيال الشهيد عمر بنجلون، «السياسي والنقابي في تجربة الشهيد»، أن المناضل عمر بنجلون كان نموذج كفاح نضالي على المستوى النقابي أولا وكان عنوان النضال السياسي لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كان عبقرية تنظيمية في وسط الاتحاد ومنذ انخراطه في مسار النضال للاتحاد الوطني للقوات الشعبية وكانت له ثلاثة مشاريع أساسية أطرت عمله ونضاله.
وحدد لخصاصي هذه المشاريع للشهيد عمر بنجلون في ثلاثة محاور، أولها المشاريع النضالية السياسية، ثانيا الميراث النقابي والسياسي الذي خلفه أثناء حياته القصيرة الحافلة بالنضال، والمحور الثالث الجدلية في فكر عمر وممارسته حيث لم يكن هذا الأخير مناضلا نقابيا وسياسيا فحسب بل كان مفكرا ومنظرا.
وتوقف لخصاصي على المشاريع الثلاثة التي كانت في حياة الشهيد خاصة ان المغرب في تلك الظرفية عاش منذ سنة 1963 ما سمي بمؤامرة يوليوز التي ذهب ضحيتها العديد من الأطر الاتحادية، فبالنسبة للمشروع الأول لعمر بنجلون هو تطوير وتثوير وإعادة هيكلة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، باعتبار أن هذه الفترة تميزت بشرخ عميق في أوساط الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بين قيادته وجزء منها محسوب على النقابة الاتحاد المغربي للشغل وجزء آخر في القيادة السياسية برئاسة عبد الرحيم بوعبيد.
وأبرز القيادي الاتحادي أن الإرهاصات الأولى لهذا الشرخ في القيادة بدأت في سنة 1962 خلال المؤتمر ثم تعمقت الهوة في يوليوز 1963 ونتج عن هذا الشرخ اختلال في الشعارات ، فكان من يقدر أن المرحلة تقتضي دعم المكاسب المادية التي حصل عليها الاتحاد المغربي للشغل وأن يقبل من الحزب أن يخوض معارك سياسية من أجل الديمقراطية والحرية والكرامة، إلا أن عمر بنجلون يقول لخصاصي صديق الشهيد واجه هذا الشرخ ونذر نفسه ليساهم مع اخوانه في إعادة هيكلة الاتحاد الوطني للقوات الشعبية بما يتلاءم والبرنامج السياسي وكان هذا المشروع.
والمشروع الذي اشتغل عليه الشهيد عمر بنجلون ومنذ خروجه من الاعتقال السياسي الذي تعرض له، هو كيفية تحرير الطبقة العاملة من هيمنة الجهاز النقابي المهيمن في تلك الفترة على العمال، حيث كان همه هو إعادة تنظيم الطبقة العاملة على أسس نضالية وسياسية ووفق النموذج الحداثي النقابي، وشرع في ذلك من خلال نقابة البريد، حيث جاء من فرنسا يحمل ديبلوم مهندس في الاتصالات والبريد مستلهما من التجربة الفرنسية.
وكان أول رد فعل ضد هذا العمل الذي قام به الشهيد عمر، هو منعه رفقة نقابي البريد من الحضور في المؤتمر للاتحاد المغربي للشغل، وتم اختطافه وتعذيبه عذابا أليما. ويقول لخصاصي لقد حكى لي الشهيد أن العذاب الذي تعرض له من الجهاز النقابي فاق التعذيب الذي تعرض له سنة 1963 ، لكن ذلك لم يمنعه من مواصلة عمله لبنة بعد لبنة أخرى إلى أن تم تحرير عدد من القطاعات، وهو العمل الجبار الذي أثمر تأسيس نقابة جديدة الكنفدرالية الديمقراطية للشغل في 1978
والمشروع الثالث الذي اشغل عليه عمر بنجلون، هو كيفية تحقيق الهدف الاستراتيجي من العمل الديمقراطي نحو إقامة العدالة الاجتماعية والاشتراكية الديمقراطية كأفق للمرور إلى الديمقراطية الشعبية.
وختم لخصاصي عرضه بخلاصة حول أن الهدف من اغتيال عمر بنجلون، هو إسكات صوت مزلزل بالحق والحقيقة، وناشد للتحرير والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، معتبرا أن أن اغتيال عمر جريمة نكراء وسابقة إرهابية في المغرب، وكانت جريمة منذرة ،ومن هنا بدأ الإرهاب يطول أمن وحياة الشهيد بل والمجتمع المغربي برمته، وأمنه وسكينته فيما بعد.
ومن جانبه، قدم المناضل خالد عليوة عرضا حول نضال وتراث عمر بنجلون في علاقة بما نعيشه اليوم على المستوى الوطني، مبرزا أن أن عمر بنجلون كان بمثابة المناضل السياسي والنقابي وكذلك المثقف العضوي، الذي ينظر للمراحل المقبلة في حياة الحزب والنقابة والمجتمع ككل.
وسجل عليوة أن أن الاختلاف قيمة أساسية وقوة دافعة للفعل النضالي، مذكرا بتاريخ الاختلاف والصراع الايجابي داخل الاتحاد الذي بين ما هو سياسي ونقابي وثقافي وحتى قبلي، والذي كان ينتج عنه تقدم فكري وسياسي، وكان كل طرف ينضاف إلى الاتحاد كقوة زائدة، معتبرا في نفس الوقت أن القاسم المشترك بيننا، هو الفكر ومبادئ الاتحاد وشهداء ورموز الاتحاد.
وتساءل عليوة كيف يمكن أن نخلد ذكرى الشهيد عمر بنجلون الغائب الحاضر ، وأن يحظر في عهدنا هذا الذي أصبح عهد متغيرا، وعرف تحولات وتطورات متسارعة، وكيف أنه يمكن أن نزاوج بين أحلام عمر واحلام الاتحاديين اليوم واحلام المجتمع المغربي ككل.
ويجيب عليوة الوزير السابق في حكومة التناوب التوافقي أن أن أحسن طريقة لتخليد الذكرى واسترجاع حيوية الانسان ونضاله، هي أن لا يكون التاريخ محنطا بل قوة دافعة خاصة وأن شهيدنا، هو الذي كان يؤمن بالجدلية المادية.
وشدد عليوة على أنه حين يتراجع المثقفون في مجتمع ما، يتراجع الفكر والوعي، ويتراجع الصراع المتمايز بين الطبقات. لذلك يدعو عليوة المثقفين بالمغرب لأن يتحملوا مسؤولياتهم فالمثقف من حقه أن يحلم وهو من يساهم في خلق الوعي داخل مجموعة معينة، ولولا الأحلام لما كان التغيير في تاريخ البشرية.
واستعرض القيادي الاتحادي عددا من النماذج، من العادات والتقاليد داخل الحياة اليومية والتدبيرية للمغاربة ذات الخصوصية الوطنية، والتي تدخل في إطار الفكر الاشتراكي كالتويزة والمخازن للمواد الغذائية وتدبير الجماعة في العالم القروي، مشددا في نفس الوقت على أن العالم اليوم، له تحديات كبرى، والمجتمعات لها رهانات صعبة، وتبذل قصارى جهدها للتغلب عليها كإشكالية البيئة والتغيرات المناخية، ومشكلة البطالة… وكلها قضايا اليوم تهم الإنسان والعالم الذي أصبح معولما.
وأعقب اللقاء نقاش عميق ومستفيض من خلال تدخلات الاتحاديات والاتحاديين، مجمعين على أن تراث وتاريخ الاتحاد النضالي والسياسي، وتأطيره للعمل النقابي والحقوقي والجمعوي والثقافي، كان رائدا ومؤسسا، لذلك الضرورة ملحة لبذل الجهود التنظيمية والهيكلية من أجل استنهاض كل الطاقات والكفاءات، للمحافظة على الزخم والتراث النضالي وتطويره والتوجه به نحو المستقبل، من أجل كسب الرهانات والتحديات التي تواجه البلاد في محيط إقليمي وجهوي ودولي صعب ومحفوف بالمخاطر السياسية والاقتصادية والاجتماعية.


الكاتب : الرباط: عبد الحق الريحاني

  

بتاريخ : 31/12/2018