«سدرة الضوء » لصباح الدبي أو واحة الرموز والإشارات

 

صدر مؤخرا ضمن منشورات اتحاد كتاب المغرب، ديوان شعري للشاعرة صباح الدبي بعنوان “ سدرة الضوء “ المتكون من قصائد مترابطة ترابط الأدراج أو كأنها خيوط نسج لامع الرؤوس ، أعني العناوين ( معارج الارتواء ، مقام الكشف ، مشارف البياض ، شعلة في أطلس الروح ، الليلة الثانية بعد الألف ، سدرة الضوء ، هل ستعصمني منك أيها السؤال؟ ، صلوات في المهب ، لواعج المزاد ، أجنحة تعشق العتمة ، أول الضوء ..) . القصيدة في هذه المجموعة لا تمنحك نفسها ببساطة نظر، بل لا بد من الطرق وإعادة الطرق ، قصد خلق تلك المعايشة النفسية والفكرية مع أجواء النص . وإذا تحقق ، فكل نص ينبسط كخيط سفر يشق عتمة الإقامة في الوجود نصفين ، في هذه النقطة / الأرجوحة توجد الشاعرة ويتخلق أناها صورا “ نورانية “ تنهل من مرجعيات تغذي أطراف الثنائيات الضدية ( عتمة ـ ضوء ، صمت ـ انبلاج ، ريح ـ موت ، سماء ـ أرض…) . ويتعلق الأمر هنا بالمرجعية الصوفية والشعرية أيضا . هنا ، تنطرح الذات كأداة بحث محموم عن قيم النبل والسمو بواسطة كلمات ( ريح ، ماء ، ضوء…) تتحول إلى مراكب حمالة ماء مكين ، ينفجر في الشعر ويزهر ولو فوق الحديد والإسفلت .
تنطوي المجموعة على كتلة من الألم ، تطارد الذات ، فتلجأ لهذا الشعر لنسج عوالم تزخر بعناصر الحياة التي تجذر الإنسان على هذه الأرض . هنا يتحول السؤال الواقعي إلى قلق وجود يلمع في الرنين عبرخطو شعري في النفق القاتل للإنسان . نقرأ في نص “ مشارف البياض “ من مجموعة “ سدرة الضوء “ :ـ
يا الممتطي سروج صوتك الشفيف
أنا هنا على مشارف البياض
لك التماعك البديع
لك الرحيل في مدارج الدجى
بك الغمام
ينجلي..
ولي جناح مهجتي يطير بي
حيث النفوس تلتقي وترتقي
هناك بعض الإحالات التي تذهب بنا إلى المشاهد التراجيدية في الوجود العربي كوضعية العراق في نص “ الطريق إلى العراق “ ، وملمح الربيع في الشارع العربي في نص “ فتنة الربيع “…ولكن شعرية المجموعة تحرر الحدث من المعالم المكانية والزمانية ، ليبدو ممتدا في البركة العربية الآسنة . في هذه الحالة ، تحفل هذه الأضمومة بكلمات تتحول إلى رموز لها دلالات جديدة ، وفق سياقات ملائمة ( الماء ، الضوء ، الريح…) ، مع ملاحظة أن بعض الكلمات ، استعملت وفق طرق ومنظورات ، توحي بدلالات سلبية وأخرى ايجابية : الريح مثلا . تقول نفس المجموعة في نص “ نبأ من مواطن الشروق “ : ـ
قد جئتك اليوم
على صهوات همسي
تستبيح الريح أجنحتي
وتقذفني دروب الليل في كهف السماء
لا الماء أنشد ، لا التراب
و لا الهواء
لي في جناحي نفخة
في الغور تزرعني
لأخرج من جبال الملح دالية
والجدير بالإقرار أن الشاعرة صباح الدبي ، تعتني بلغتها التي غدت رشيقة في تمظهرها ومشيتها على ذاك الدرج المدغوم في الصحو المتعرق . ويعني ذلك ، البحث عن هوة أو إشراقة فوق المكابدات ، فالإحساس بالكلمات ككائنات ولو عبر سياق بصري ، د فع الشاعرة إلى أن تنثر سطورها على البياض ، بشكل مختلف عن المألوف ، تبئيرا أو تأكيدا ..لتوسيع جمالية تشكيل النص الذي اعتمد التفعيلة دون إغفال فاعلية الايقاع الداخلي . لا تفوتني اللحظة دون التذكير بأن مجموعة “ سدرة الضوء “ للشاعرة صباح دبي ،أتت بعد مجموعتها الشعرية الأولى “ حين يهب الماء “ الصادرة سنة 2007 ، فظلت وفية لشعرية العناصر في نصها ، لكنها خطت هنا ضمن مسار التكون والتكوين لتلك العناصر خطوات جمالية جديرة بالكشف والمحاورة .


الكاتب : عبد الغني فوزي

  

بتاريخ : 04/01/2019

أخبار مرتبطة

  “لا معنى لمكان دون هوية “. هكذا اختتم عبد الرحمان شكيب سيرته الروائية في رحلة امتدت عبر دروب الفضاء الضيق

  (باحثة بماستر الإعلام الجديد ، والتسويق الرقمي -جامعة ابن طفيل – القنيطرة) حدد الأستاذ عبد الإله براكسا، عميد كلية

  في إطار أنشطتها المتعلقة بضيف الشهر، تستضيف جامعة المبدعين المغاربة، الشاعر محمد بوجبيري في لقاء مفتوح حول تجربيته الشعرية،

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *