النوري: لم أعد أرغب في الاختلاط بعوالم لم أعد أفهمها، ولكن أنا متواجد فنيا من خلال عدة طرق أخرى

استمرار أم عودة ؟ هذا ما يحاول أن يوضحه لنا الفنان نور الدين الشهير بالنوري من خلال هذا الحوار.
النوري الذي لديه من المواهب الكثير، ومن الجديد أيضا. جديد سيستسهل به هاته السنة و هو يتنوع ما بين لحن لأغنية لفنانة شابة تخطو بخطوات واثقة نحو بناء مسارها الفني، إلى أغنية  يعتزم أداءها بنفسه لتنضاف إلى سجل ألبوماته ال12، مرورا بالإعلان عن انطلاق الدورة الثانية لبرنامجه الفني الخاص بالمواهب .
الفنان النوري الذي ولد مهووسا بالموسيقى، حيث عزف على القيتارة وهو في سن الثامنة وترعرع بين أحضان أغاني «البيتلز» و «داير ستريت»  و «إيلتون جون» .. كما أغاني أم كلثوم و محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش.. و أسس فرقة موسيقية في  سن الثانية عشر، قبل أن يدخل عالم الفن الاحترافي من بابه الواسع، بعد أن وقع عقدا في سن السادسة عشر مع شركة فرنسية، اكتشفته بالصدفة أثناء وجودها في إطار عمل بالمغرب، ليضطر لتوقيف دراسته الجامعية بالدارالبيضاء شعبة القانون الفرنسي، ويستقر في باريس لتقسيم وقته بين الدراسة في معهد لهندسة الصوت و العمل هناك طيلة 14 سنة.
عمل جعل منه محترفا يتنقل ما بين العديد من المدن الفرنسية ليحيي السهرات، وكذا السفر إلى المغرب ، ثم يتعاقد مع شركتين فرنسيتين أخريين، و يقوم بجولات حول أوروبا بمعية فرقته التي تتكون من 24 موسيقيا في نسختها الموسعة، و سبعة إلى ثمانية في النسخة المصغرة، و يعزف موسيقى البوب العربي، الذي هو عبارة عن موسيقى عربية مغاربية بتوزيع موسيقي أوروبي .
عن بداياته وعن ما يتردد أنه غياب، خص به هذا الفنان المتنوع منبرنا، بقلب مفتوح و بكلمات صريحة يطبعها تارة الهدوء التي تمتاز به شخصيته، وتارة التلقائية في التعبير عن تذمره من المشهد الفني المغربي الحالي.

p أين اختفى النوري؟
n بالنسبة للجمهور المغربي، ربما، مختفي بمعنى لست كثير الظهور لا بالقنوات التلفزية ولا بالحفلات. وهنا يجب أن أصرح بأنه حقيقة، بت أحس بإحباط، ومعي ثلة من الفنانين، كلما تحدث بشأن موضوع التواجد بقنواتنا، فقد بدأنا نستاء من إيضاح رأينا فيه و القول أن التلفزة تتعامل مع فئة معينة من الفنانين دون غيرها .أما في ما يخص الحفلات والسهرات والمهرجانات .. يمكن أن أقول أن ما عاينته خلال 18 سنوات الأخيرة، وأنا الآن بالمناسبة قد أطفأت في يناير الماضي شمعتي الثلاثين من العمل الاحترافي دون احتساب فترة الهواية، هو أن مجموعة من منظمي الحفلات لا يكفون عن الترديد بلسان واحد، جملة ” يجب أن نعطي فرصا للشباب”. لا أختلف معهم في ذلك، ولكن يبقى السؤال، أي نوع من الفرص هاته؟  وبأي طريقة ؟ فهل يعني ذلك أن تفتح الباب بشكل عشوائي وأن تلقي بهؤلاء المطربين الشباب في اليم دون تأطير؟ . فهم في بداية مسارهم لا يعرفون متاعب هاته المهنة ولا كيفية التصرف ولا كيفية اختيار الكلمات ولا التلحين . فكيف نقصي العديد من المحترفين الذين يمكن الإستعانة بتجاربهم القوية لينيروا طريق الشباب، بدعوى أنه يجب فتح الباب للأجيال الصاعدة؟.
حقيقة مؤسف ما نقف عليه في المشهد الفني مؤخرا، والذي ألخصه بكوننا أمام مجموعة من شباب تائه، يعتقد أن “البوز” هو إقحام شتيمة موجهة لفتاة في جملة تتردد باستمرار في الأغنية، ثم يتصل بأحد موزعي الموسيقى ليأخذ لحنا سابق التركيب يضع عليه تلك الكلمات ثم تطلق الأغنية على الشبكة العنكبوتية. و على الشبكة تتداول الأغنية بدافع حب الفضول، فترتفع نسبة المشاهدة. لا يتوقف الأمر عند هذا الحد، بل إن متعهدي الحفلات هم أيضا عندما يقررون إقامة سهرة يعتمدون في اختيارهم للفنانين على نسبة المشاهدة المرتفعة. موسيقى الراب مثلا اكتسحت الساحة بطريقة عنيفة باستعمالها لكلمات خادشة للحياء، نفس الشيء بالنسبة لباقي أنواع الموسيقى والأغاني الأخرى التي ظهرت مؤخرا إلا من بعض الوجوه الأخرى الشابة التي أستثنيها، وكانت ذكية في اختياراتها الفنية .
ولهذا السبب في اعتقادي ألت الأمور لحد أصبح المجال الفني يتدنى مستواه يوما بعد يوم، به كلمات ساقطة يندى لها الجبين تدخل للبيوتات بشكل مروع. وأغاني تكاد لا تختلف عن بعضها البعض، و ليس بها تميز، كما أننا أمام قنوات تلفزية تتعامل مع لوبي و أمام  منظمي حفلات يعتمدون على نسب المشاهدة المرتفعة في اختياراتهم للفنانين، أما الإداعات فهي وإن كانت أكثر تفتحا وتنويعا إلا أن أغلبها تعتمد نفس المعايير . فاين هو المجال هنا لذلك الفنان المحترف الذي يحب الفن الراقي . فالأمر صعب لدرجة أن هذا الاخير فضل الانسحاب من هاته الأجواء التي تعتمد هذه المعايير. و أعتقد أن هاته الأغاني لها مدة محددة وينتهي أمرها، بينما أغانينا لها جاذبيتها، نحن من اختار التأني في الاختيارات و التوضيب الجيد..

p  تقول إنك ليس بغائب عن المشهد الفني، وفي نفس الوقت تقول إنك انسحبت من هاته الأجواء التي انتقدتها للتو.. فكيف تشرح هاته المفارقة؟
n بالفعل، انسحبت ولم أعد أرغب في الاختلاط بعوالم لم أعد أفهمها، ولكن أنا متواجد فنيا من خلال عدة طرق أخرى، متواجد من خلال الإنتاج مثلا، و إنتاج فنانين أيضا، كالمطرب نور الدين مرزوق و سامية سهري… ومن خلال التلحين والتوزيع الموسيقي للعديد من المطربين، وكذا من خلال الموسيقى التصويرية للأفلام  كفيلم “علي زاوة ” للمخرج نبيل عيوش و فيلمي ” الباندية” و”عبده عند الموحدين”  لسعيد الناصري وأيضا  “خارج التغطية” لنور الدين دوكنة ثم “عقاب” لهشام عين الحياة، و أيضا عن طريق المسلسلات والسيتكومات  ك”مرحبا بصحابي” و “عائلة السي مربوح” ثم “السي بي بي ” و قناة “36”  و كل أعمال حسن الفد التي من هذا النوع .. وغير ذلك ، بالإضافة إلى موسيقى  الجينيريك و الجينغل للعديد من الأعمال. ولدي عمل قمت به مع الإتحاد الأوربي و هو بعنوان “اتحاد الأجناس والديانات” كان عبارة عن 24 أغنية قدمت لي كلماتها من طرف هاته المؤسسة و قمت بتلحينها و أحييت بها 17 سهرة بأوروبا ( فرنسا بلجيكا سويسرا.. ) و منذ سنتين أطلقت ألبوما غنائيا بالخارج، بعنوان “في البال” ويتضمن 7 مقاطع غنائية . من جهة أخرى فقد اشتغلت كمدير فني لعدة فنانين مغاربة، أذكر من بينهم سعيد الناصري، خاصة في بداية مساره و في جل سيتكوماته ومسرحياته أنذاك ، ودام ذلك إلى غاية سنة 2011. محمد الخياري أيضا اشتغلت رفقته في “الوان مان شو ” الذي كان تحت إسم “كم نحن كنتمحنو”. فهذا العمل كان من إنتاجي و بإدارتي الفنية من أوله لأخره. فضلا عن حنان الفاضلي التي أنجزت لها العديد موسيقات أعمالها الفردية،  وكذلك أنجزت موسيقى فيلم “حياة قصيرة” للمخرج المغربي الشاب عادل الفاضلي.بالنسبة للمهرجانات..، فقد سبق وشاركت في مهرجان “تيميتار” بأكادير منذ سنتين الذي تمت دعوتي إليه بعد أن شاهدوني بسهرة بباريس، و كذا مهرجان موازين منذ ست سنوات. إلى جانب هذا، سبق وقمت منذ سنوات بتكوين كل من سميرة البلوي وعزيزة العيوني اللتين تشتغلان بالقناة الثانية ، فبالإضافة إلى الإدارة الفنية أقوم كذلك بالتكوين في “طريقة التقديم”.

p هل يمكن أن نستنتج بأنك فقط، مقصر من ناحية التواصل؟
n ربما، فأنا عندما أشتغل على عمل ما أتركه يتبع مساره بطريقة أراها مناسبة، لكن لا أتتبع أثره ولا أقوم بعمل تواصلي للإعلام به، ربما هذا هو خطئي. لأنني صراحة  اعتدت في فرنسا أن تكون لدي شركة  للإنتاج تتكفل بكل شيء.

p ألا تفكر في الإستعانة بمتخصص  هنا بالمغرب؟
n صعب أن أجد مدير أعمال هنا بالمغرب،  فأغلبهم سيفضلون التعامل مع من لهم نسبة مشاهدة مرتفعة، فنحن حاليا ندور في نفس الحلقة المفرغة.

p على ذكر القنوات التلفزية فقد ألف الجمهور أن يراك كثيرا بالقناة الثانية فترة انطلاقها.
n ما كان يجمعني بهاته القناة إذاك، خاصة، اهتمامنا المشترك بالأعمال الخيرية، حيث كنت أظهر بها كثيرا في التسعينييات من القرن الماضي، مثلا، لأنها كانت تواكب الأعمال الخيرية و الحملات التحسيسية، وأنا من جهتي أحب أن ألحن الأغاني التي تهتم بهاته القضايا التوعوية والإنسانية ككل . و في هذا الصدد أذكر جيدا أنه في إحدى السهرات الخاصة بمرض السيدا والتي كانت تستضيف الفنان المزكلدي والوزير الراحل عبد الرحيم  الهاروشي، غنيت بمعية هذا الاخير، وكنا متعانقين و قد خلقت هاته اللقطة حدثا داخل البرلمان حيث تم ذكرها. ذلك أنها اعتبرت لقطة فريدة أن يغني وزيرا مغربيا في مثل هاته المناسبات وبالمباشر. وفي ما يتعلق بحبي للاعمال الخيرية وتلحين أغاني تخصها ـ مؤخرا قمت بعمل مع « Les bonnes oeuvres du coeur » مع سعيد جنان ،أغنية من تلحيني وهي بعنوان “من القلب للقلب ، ويمكن أن نقول بأنها أصبحت نوعا ما عالمية بما أنها اشتهرت أيضا خارج المغرب. وقد أديتها مع مجموعة من الفنانين المغاربة الذين أحييهم بالمناسبة، من أمثال عبد الرحيم الصويري وفؤاد الزبادي وسعيد مسكير و غاني وشميشة وسعيدة شرف وكذا مصممة الأزياء سهام الهبطي التي كتبت كلمات الأغنية. وللإشارة وفي ما يخص الأعمال الخيرية فإنني كنت عضوا مؤسسا لجمعية “بيتي”  مع نجاة مجيد التي أكن لها كل الاحترام، فهي سيدة متميزة في مجالها .
p أنت إذن مطرب و ملحن وموسيقي وموزع …
n لكن ما يمكن أن أأكده هو أنني مهندس صوت بالدرجة الأولى، فهذا هو الميدان الذي يستهويني.
وبالإضافة إلى  كل ما سبق ذكره فأنا لازلت مستمرا في مهامي كمنتج، حيث خلقت برنامجا بعنوان “ستوديو لايف ”  و عمره حاليا  سنتان. فكرته خطرت لي عندما بدأت الجامعات تدعوني في كل مرة لأكون عضوا في لجنة تحكيم مباراتها الموسيقية. ففكرت ان أنتج شخصيا برنامجا خاصا للمواهب الشابة، ولدي فريق عمل يساعدني في انجازه، يتم إرسال  الرسائل الإلكترونية لكل المعاهد والجامعات المغربية ، الذين يعلمون الطلبة الراغبين في الترشيح، بعدها  يرسلون لنا فيديوهات بأصوات هؤلاء الطلبة الراغبين في ولوج المباراة، وأقوم بعد ذلك بالإستماع لأصواتهم فأختار منها الأجمل في إطار التصفية الأولية. أحضر المرشحين الى الاستوديو المتواجد بمنزلي واقوم بتكوينهم ثم اسجل لهم فيديوهات، عبارة عن “كوفرز” نطلقها في ما بعد على الويب وتنطلق بعد ذلك عملية التصويت. وكان غرضي من ذلك أن أبين  بان الفن يكون في قلب المؤسسات التعليمية والعلمية ولأظهر بأنه لكي تكون فنانا يجب أن تكون مثقفا ومتعلما أيضا. وبالفعل فقد برزت أصوات مذهلة و من بين 790 طالب ، تم اختيار  26  في الدورة الأولى، فازت من بينهم  “جيهان ايكلوسوسي”  من مدينة الدارالبيضاء. هاته السنة اخترت من بين 2500  طالبا 30 مرشحا. وفي هذا الصدد سينظم  بتاريخ 18 يناير المقبل، لقاء صحفيا لغرض عرض الفيديوهات سيكون مفاجاة للمرشحين ايضا وسيتم الإعلان عن انطلاق المباراة وعملية التصويت التي ستدوم لمدة شهر على الانترنيت. الجميل في هذا التصويت انه سيكون بدون أداء، فقد حرصت في مشروعي هذا مع الجامعات ان يكون كل شيء مجاني.

p اذن ليس هناك اي ربح مادي من خلال هذا المشروع؟
n الربح الوحيد بالنسبة لي،هو متعة تكوين مجموعة من الشباب وكذلك امكانية اكتشاف اجمل الاصوات. ولقد تم ذلك لسنتين على التوالي.وربما أيضا لغاية فنية مستقبلية، سأعلن عليها في الوقت المناسب  (يضيف مبتسما).

p غير «ا ستوديو لايف» هل لديك مشاريع اخرى؟
n سأطلق اغنية في اواخر شهر فبراير المقبل. وهي بعنوان “ردي على السؤال”. أغنية رومانسبة ، سأغنيها رفقة الاوركسترا، هذه الاغنية بالتحديد  اخذت وقتي وتريث قبل اخراجها للوجود.، سيكتشف فيها الجمهور شكلا جديدا ومميزا من التوزيع وكلمات جيدة ،هي ل”محمد الجزار”، كلمات احسست بها منذ مدة طويلة وقررت تلحينها و تأديتها. بالنسبة لفيلمها المصور ، فهو من انتاج مختار عيش، الذي انتج سيتكوم “مرحبا بصحابي”  وسيطلق على الشبكة العنكبوتية في اواخر شهر فبراير بعد التصوير الذي سيتم خلال شهر يناير بالمغرب.
كلمات الاغنية تقول:
شكون هذا يا مراية     قبالة العين    طيف واقف في الصورة حداية   وضوح الشمس  مصاب يعيش.. يعيش معايا.

p موعد اطلاقها يتزامن مع 14 فبراير عيد الحب. أليس كذلك؟
n (ضاحكا)  بل ما بعد عيد الحب، و قد تعمدت ذلك لأكسر هذا العرف. فالحب لا يكون فقط خلال يوم واحد. من المفترض اننا اذا احببنا نحب طول الحياة.

p و ما  هو جديد عملك مع الاخرين؟
n أنا حاليا أشتغل مع الفنانة سامية سهري وهي ممثلة و ايضا صوت جميل . والمميز مع سامية انها مثابرة و مهنية تحترم اوقات العمل. و هذا بالنسبة لي جد مهم لكي يتقدم الفنان في مساره. هو عمل جميل و مختلف موسيقيا.

p أمام هذا الزخم من الأعمال والمهام المختلفة التي تقوم بها، كيف تنظم وقتك الفنان النوري؟
n ما يمكن القول في هذا الشأن هو أنني أعطي لكل مشروع أهميته ووقته وأمنحه كل طاقتي وأضعه على السكة التي يجب أن يسير عليها قبل أن أتركه يأخذ مساره ، ولدي بالطبع فريق عمل مميز يرافقني ، هذا من جهة، وكذلك بالنسبة للتلحين فيمكن أن يأتيني الإلهام على الساعة الرابعة صباحا مثلا  فأنهض من النوم لأسجله. ربما ما أتميز به هو أن لدي سرعة التنفيذ. ما درسته في مجال هندسة الصوت والموسيقى والأشياء التقنية ساعدني كثيرا في طريقة تعاملي مع الآلات الموسيقية والموسيقيين كذلك، وبالتالي هناك اشياء لا تستوجب أن يأتي أحد الموسيقيين لتسجيلها بحيث أقوم بأدائها بمفردي. وأربح بالتالي الوقت . وعندما يتطلب الأمر حضور الموسيقيين أضرب معهم موعدا  في الأستوديو بمنزلي لنسجل.


الكاتب : سهام القرشاوي

  

بتاريخ : 07/01/2019