بوعبيد: السياسة كاِلتزام وجودي!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

 

في مثل هذا اليوم
منذ جيل
أي في يوم 9 يناير، كان اليوم الأول في تاريخ ما بعد عبد الرحيم بوعبيد، أوالسي عبد الرحيم، كما اِعتاد الاِتحاديون والاِتحاديات مناداته…
هل يمكن تعويض بوعبيد؟
تساءلنا:
كلا!
لكن ، لا بد من خلافته..
بناءً على ما تركه هو من خصال، وما راكم من تجارب، وما ورثته عنه أجيال الاِتحاديات والاِتحاديين..
بعد 27 سنة من الغياب، مازالت الحاجة إلى نموذجيته قائمة،
وما زالت الأفكار التي آمن بها، والأسلوب المعتمد في الدفاع عنها، وفي الإقناع بها، قائمين
وما زال لاسمه سحر خاص
ولأدبياته السياسية والإنسانية والثقافية رنين خاص،
ما زلنا نقرأ في كفه الأبدي، طالِعنا
ونرسم، سيرة قيادته للسفينة حجم العاصفة
وحجم الرعود التي قطعها بنا..
عبد الرحيم
كان يفكر من صميم الشعب
لهذا كان يستعصي على الدولة
وكان يفكر من داخل الدولة
لهذا كان يستعصي على الشعبويين…
ما زال قادرا على توحيد الرايات تحت ظله
وعلى خطواته.. نقرأ سيرته
ونقرأ مذكراته، التي صاغها من قلب العواصف
والعواصم..
وفي محطات شاهقة المغامرة
وبإنسانية شيقة..
نقرأ حواراته مع المستعمرين
وتفاوضه، وهو يقرأ في الوقت ذاته تربية البلاد وسياستها
نقرأ نقاشاته مع القادة، من أمثال المهدي حول المؤسسات، وحول الملكية، وحول الممكن من مستحيل الديمقراطية..
ونعرف زاويته في الواقعية..ثم نندهش وهو يحاور الملك، كيف يتبنى رأي الأغلبية من القادة
وكيف أنه بعد أن عبر عن رأي مختلف، كما في قضية المجلس التأسيسي، يدافع عن سلطاته في أول لقاء مع الملك بعد التنصيب.
نقرأ حواراته مع الملك الراحل
ونفهم ثباته على الحق، وحريته في الاِختلاف معه
ونعجب بهذا الرجل الدمث الفياض الهادئ ، وهو يجدف بجدارة القادة بدون ارتباك في أقوى قضايا الدولة وأعتاها: التوازن بين السلطات!
ننسى أنه رحل…
وننتظره.
ننسى أنه مضى
ونراه
قادما..
قد يهش على التباس المرحلة ..
و قد يسعفنا في توجعات الاِستعصاء الحالي….
فيه الشاهد
وفيه الفاعل…
وفيه المنظر
والممارس
والوطني
والكوني…
يعرف عبد الرحيم النضال بعد تحرير الوطن
والاِرادة بالقدرة على وضع الأولويات:
هناك أولويات للمؤسسات
هناك أولويات للاِنتخابات
وأولويات للدولة الوطنية
وأولويات للديمقراطية والتنمية..
فاوض من أجل حرية الوطن
ثم عمل من أجل بناء دولته
خرج من دهاليز الدولة… والحكم
إلى شساعة المعارضة الوطنية:
بسبب فكرة عن الدولة
خاصم شركاء الاستقلال
بسبب خلاف عن موقع الشعب
في صناعة السياسة..
بعد ثلاث سنوات من موته، اِعترف الملك الراحل بأن الطريق الذي اِختارته البلاد ، طوال عقودها الأربعة، تؤدي إلى الهاوية
وتؤدي إلى الحقيقة..
ثلاثة عقود بعد رحيل الفقيد الكبير
نبحث عن معنى جديد للسياسة.
ومعنى جديد للسيادة الشعبية
وقد قطعت الدولة طريقا طويلا نحو ما كان يومن به هو والمهدي
هو وكل الذين صنعوا مستقبلنا
بتبصر
ومعاناة
وبقلب سليم..
لم تكن السياسة، بالنسبة إليه طريقة في الاِرتقاء الاِجتماعي، ولا في اِحترافية تحرق المراحل نحو القمم، كانت السياسة أولا وقبل كل شيء، اِلتزاما وجوديا..
لم تكن السياسة مواصلة الطموحات الاِرتقائية بوسائل أخرى، كانت تعني الاِستجابة إلى نداء عميق من الوطن..
لهذا، ربما رأى كثير من كُتاب سيرته ومحبيه، أنه عرف نوعا من العزلة الوجودية، في مراحل التموقعات الكبرى في مغرب ما بعد الاستقلال
أو مغرب المغربة السريعة للدولة ومحاسنها!
لهذا في لحظات الاستعصاءات، ما بين الماضويات المتخشبة والحداثويات المرتجلة في ساعة انحسار طارئة،تبدو الوضعية التراجيدية كما لو أنها تستدعي العقول النيرة مثله،لهذا نسقط دوما في إغراء الحنين…الذي لا يتحول إلى قدر أبدا، وذلك بما يقدمه عبد الرحيم نفسه كدليل وسلوك: دق الأجراس للمستقبل!

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 09/01/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *