تأملات خارج الذكرى: 2/1

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

يحسن بنا أن نخرج ذكرى الاستقلال كوثيقة من التوثيق التاريخي الى التحيين السياسي ونسأل: ما الذي يجعل الحقل الوطني مسكونا بالتعاقد الذي انبثق عنها…؟
كيف نقرأ تاريخ الحزبية الوطنية، والحاجة الى الثوابت les fondamentaux ، التي كانت في صلب التوقيع على الاستقلال واستعادة السيادة، في كل فترة يبرز فيها جنوح ما في الحقل السياسي؟ سواء كان بفعل تسييس الإدارة أو بفعل تسيييس الدين؟
ما الذي يجعل التاريخ شبه واقف، عندما تعوضه الإدارة؟
وماذا حصل في الثوابت عندما اختار جزء من أبناء الوطن أن يكون لله عز وجل فاعلا سياسيا؟
بعد كل هذه السنين، ما الذي تبقى من السياسة الوطنية، التي كانت صنوا للشهامة والإرادة والاستشهاد والقدرة على التحمل وصناعة الأمل؟..
كيف ننجح في التفكير في الواقع، خاما، بفطرة الوطنية، وهي تستكين الى التاريخ، الماضي، عوض التاريخ الحاضر؟
هذه الأسئلة وغيرها، على ضوء الثوابت التي تملكناها، هي التي أوحت بهذه التأملات على دفتر الذكرى… وهي تأملات قد تبدو فانطاستيكية، إذا ما قدرت بمعيار القاموس المتداول في النقاش الداخلي للسياسيين والمتتبعين..

‮ ‬-1 الثدييات السياسية؟

إذا كنت لا تملك‮ ‬ من كل أدوات السياسة سوى العقل‮ ‬ ‬والقلب،‮ ‬فأنت ولاشك في‮ ‬وضع صعب
وعلى الطريق الخطأ‮..‬
السياسي‮ ‬لكي‮ ‬يكون أكثر تطورا على لائحة الثدييات، لابد له من أعضاء أخرى‮..‬
وأحاسيس أخرى
فالعقل وحده لا‮ ‬يكفي
‮‬وإذا أضفت القلب، ستكون أبعد ما تكون عن الواقع‮ ..‬
وعليه سينقصك الأهم‮:‬
الجهاز الهضمي‮ ‬لكي‮ ‬تهضم كل الذين التهمتهم
‮‬أو الأسنان لكي‮ ‬تعض جيدا
‮‬وتترك آثارك على لحم أخيك
‮‬أو لحم رفيقك
‮‬أو لحم العابرين في‮ ‬حياتك
وستنقصك، ولا شك، حواس أخرى أكثر نجاعة‮:‬
الشم
‮‬لكي‮ ‬تلتقط اتجاه الريح قبل هبوبها
ورائحة الشواء الكبير‮ ‬في‮ ‬وقتها قبل أن تنضج بقليل
‮‬وقبل أن تسقط بقليل‮..‬
يجب أن تكون لك قدرة الأيض التي‮ ‬تجعل جسدك‮ ‬يشتغل بما‮ ‬يحترق من أجساد أخرى‮….‬
وبتوازن هرموني‮ ‬-هرموناتي‮ ‬- جيد كلما شغلت آلات النميمة‮..‬لابد لك من خلايا عصبية جيدة أمام الموائد وأمام أي‮ ‬كتف‮ ‬يوضع أمامك‮..‬

‮***‬

ما كنا نخافه‮ ‬هو‮ أن الذين‮ ‬كانوا‮ ‬يملأون الخيال‮ ‬
والهواء
والساحة‮ ..‬
والذكاء‮ ‬
سيتركون الفراغ
‮‬والذين حولوا الفراغ‮ ‬إلى‮ ‬سوق‮ ‬شغلوه بالزعيق، سيختفون مثل ثلج تحت الشمس
‮‬أو مثل‮ ‬رمل تحت الموج
بعد عقد
أو بعد ثلاثين سنة
لنا أن نسأل أم نحول‮ ‬عجزنا على أن‮ نشبههم الى ‬نفور منهم؟
‮‬ألسنا في‮ ‬طور أن‮ ‬نحول‮ ‬اشمئزازا‮ ‬يكاد‮ ‬يكون جسديا‮،‬ ‬إلى قوة روحية؟

‮***‬

تلزمنا الموهبة وتلزمنا الشراسة معها لكي‮ ‬نستطيع وصف بعض أنواع السياسة اليوم‮..‬بما‮ ‬يجب أن نصفها به،‮ ‬أي‮ ‬باعتبارها ملهاة كبيرة لشغل الناس
ولتسليتهم أحيانا،
لإشعارهم بالذنب أنهم بعيدون عنها‮..‬ثم تحويلهم إلى‮ ‬حشود‮ ‬بلا اسم، ‬ولا رأي‮ ‬ليسهل تغييبهم‮..‬
إنها ملهاة تم إفراغها من كل نقاشات جدية
فكرية حقيقية‮ ‬
ولِمَ لا‮، ‬تم إفراغها من السياسة نفسها في‮ ‬نهاية المطاف‮!‬

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 15/01/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *