في افتتاح الموسم الثقافي لفرع اتحاد كتاب المغرب بالناظور

«المغَيَّب في الأنساق المُحرِّكة للثقافة المغربية»

افتتح فرع اتحاد كتاب المغرب بالناظور موسمه الثقافي مساء السبت12 يناير2019 بمؤسسة الأعمال الاجتماعية للتعليم، بمحاضرة قيمة في موضوع :»المُغيَّب في الأنساق المحرِّكة للثقافة المغربية» التي ألقاها الأستاذ د. عبد القادر محمدي.

استهلت الفعالية الثقافية بكلمة مقتضبة للكاتب العام للفرع الأستاذ جمال أزراغيد التي رحب فيها بالحضور النوعي المهتم، شاكرا له تلبية دعوة الاتحاد لمشاركته هذا الافتتاح، ومذكّرا ببعض الأنشطة الثقافية التي ميزت الموسم الفارط ، ليعلن عن البرنامج المقترح الغني بمواده الثقافية والفكرية والإبداعية، أهمها الملتقى الخامس للإبداع النسائي، آملا أن يساهم هذا في إغناء المشهد الثقافي بالإقليم واجتثاث حالات الجمود والركود. كما هنأ الحضور بالسنة الأمازيغية 2969 راجيا للمثقفين والمبدعين سنة حافلة بالعطاء والخير. ولم يفته التنويه بشراكات الاتحاد مع مؤسسات ثقافية واجتماعية وبالأخص «سيكوديل» ما سيخلق دينامية ثقافية جديرة بالمتابعة والدعم والتشجيع. وعلى هدي الإبداع والأمل في النجاح وتحقيق المبتغى أعلن عن انطلاق أنشطة فرع الاتحاد. ثم تناول الكلمة مسير الجلسة د.امحمد أمحور ليقدم نبذة عن الأستاذ المحاضر عبد القادر محمدي الذي يعمل أستاذا جامعيا بكلية الآداب فاس ـ سايس ، جامعة سيدي محمد بن عبد الله بفاس، رئيس شعبة علم الاجتماع والأنتربولوجيا، حاصل على دكتوراه في الأدب وأخرى في سوسيولوجيا التربية، صدر له كتاب:» أنتروبولوجيا الجسد الأسطوري» ، شارك في مجموعة من الكتب الجماعية، ونشر عدة مقالات في مجلات محكمة وطنية ودولية.
وقد عبر المحاضر الدكتور عبد القادر محمدي عن ابتهاجه عن هذه الثقة التي وضعها فرع الاتحاد فيه ليفتتح موسمه الثقافي وهو يعلم تاريخ هذه المؤسسة الثقافية العتيدة التي عاشت فيها الكثير من الشخصيات المؤثرة في الحقل الثقافي والفكري والسياسي المغربي.. ثم أبرز في محاضرته» المغيب في الأنساق المحركة للثقافة المغربية» أن مفهوم الثقافة تعددت تعاريفه حيث تربو على 160 تعريفا ولذا لا حاجة للتورط في إعطاء تعريف أو تبني مفهوم محدد. وأكد على تجدد الوعي بأهمية سؤال الثقافة في مشهد يومياتنا المغربية الذي ارتبط بسياق عالمي مرسوم بتحولات وأزمات ذات مستويات فكرية وسياسية واجتماعية ومالية وثقافية ومجالية وبيئية، وعلى أهمية الشأن الثقافي لكونه مدخلا رئيسيا لتحقيق التنمية المستدامة ، وإشاعة قيم العدالة والمساواة ، وترسيخ الأمن والاستقرار في مواجهة أشكال الصراع والتطرف..ومن هنا، فقد تجذر الوعي في كثير من البلدان النامية بقيمة الثقافة كحاملة للهوية والمعنى. ما يستلزم تشجيع الصناعة الثقافية والاستثمار في مكونات الثقافة التي تحفل بها الأنساق السيميائية المحركة للثقافة المغربية، سواء في شقها العالمي أو الشعبي، المشهود لها باتساع مجالات تحققها وارتحال علاماتها بين أنساق مختلفة، وأزمنة متباينة وجغرافيات متنائية… ورأى أن لا مشروع ثقافي أو سياسي يمكنه أن يستغني عن بناء علاقة معينة بين الثقافة العالمة والثقافة التي يعيش عليها وبها الناس في المجتمع الحي المتحرك. ثم واكب الأستاذ المُغيَّب في الأنساق السيميائية المحرِّكة للثقافة المغربية من قبيل حق الاختلاف والمثقف والسلطة والوضع الاعتباري للجسد الثقافي والأدوات المنهجية المواكبة لقراءة الثقافة وانفتاح مدبري الشأن الثقافي في بلادنا … إلخ..وبعد نقاش مستفيض انتقل المحاضر إلى تحديد المحورين اللذين ستنصب عليهما مداخلته ، وهما:
1 ـ الإثنوغرافيا الجديدة: نحو مقاربة الثقافة كأداة تواصل:
استهل المحور بعتبة في إثنوغرافيا التواصل والثقافة ، قارب فيها انخراط الكائن في عملية التواصل ، سواء مع الآخر أو مع موضوعات العالم، وما يتطلبه ذلك من انصهار وتفاعل للذات مع تجارب اليومي انطلاقا من عملية تواصل ليست دائما لفظية وصريحة، فقد تكون حركية أو إيمائية، وقد تكون وجدانية داخلية، تتمظهر أحيانا في بعض المشاعر أو السلوكات أو من خلال لعبة الأشكال والألوان والأنغام…وأكد أن مظاهر التواصل غير اللفظي إلى جانب اللغة قد شكلت قناة تتداول رسائلها من مجتمع لآخر، ما تبلورت عليه ولادة فرع معرفي يدعى «إثنوغرافيا التواصل» الذي وقف عنده مليا قصد تعريفه وتقريب هدفه ومجال اشتغاله من المتلقي. وأبرز أن التواصل أصبح جسرا ، تعبره كل العلوم الإنسانية والدقيقة، وسوقا معرفية مشتركة ، تنخرط فيها كل مظاهر الوجود الساكنة والمتحركة. ورأى المحاضر أن إثنوغرافيا التواصل نحتت مفاهيمها وتصوراتها، مثل : التواصل الاجتماعي الذي توقف فيه عند مجموعة من العناصر أهمها: تعريفه بنشاط اجتماعي ـ المشاركة في التواصل ـ القصدية ـ نظام توليد داخلي ـ داخل النظام أو النسق ـ صورة الأوركسترا ـ نظام التفاعل الاجتماعي والثقافي..) شارحا ومحللا كل هذه العناصر.
2ـ التواصل غير اللفظي: نحو بعد تواصلي للثقافة
يذهب «إدوارد هال» الى أن السلوك الصامت هو الأصل في حياة الإنسان لأنه يشكل 90 % في عالم التواصل ، ومن هنا ، فمظاهر التواصل غير اللفظي تشمل مجموع ما ينتمي إلى التجربة التي تستوطن الذات (الإيماءات واللباس وطريقة الجلوس واستقبال الضيف…).. مؤكدا أن هذا التواصل شكل جوهر الأبحاث الأكاديمية والعلمية منذ فجر الخمسينيات. وبعدئذ، انتقل الأستاذ إلى الحديث عن وظائف هذا التواصل ـ حسب اقتراح بيترسون ـ 🙁 نقل الأخبار ـ تنظيم وضبط التفاعل ـ التعبير عن الحميمية ـ التعبير عن الرقابة الاجتماعية ـ تيسير المصلحة المهنية )، مع التركيز على وظائف أخرى لدى باحثين آخرين. كما توقف عند الدور التواصلي الذي تضطلع به لغة الجسد والتي خصص لها الباحث “بيردويستيل” دراسة مستقلة، وعند “إدوارد هال” الذي استلهم مبادئ اللسانيات والتحليل النفسي، في إنتاج دراسات تتعلق ببعد آخر من أبعاد التواصل غير اللفظي، أطلق عليه مصطلح “الثقافة التحتية”.وبعده تناول الفضاء الشمي حيث تثير الروائح عمق الذكريات، أكثر مما تثيرها الصورة والصوت، وتلعب أدوارا ووظائف متعددة من بينها: التمييز بين الأفراد والتعرف على حالاتهم العاطفية ـ مساعدة الحيوانات على تحديد أماكن القوت ـ توظيفها في إثارة الغريزة الجنسية ـ التمكين من خداع حضور العدو..وغيرها. ولذا تختلف الشعوب في استثمار الروائح ودلالاتها.
وقد أشار الباحث إلى أنه قد استحضر في هذه المحاضرة المقاربة الإثنوغرافية المتخذة من الثقافة أداة تواصل ، منتصرا للميكرو على حساب الماكرو، لأنها تلامس جوهر القضايا التي تثيرها مجتمعاتنا المحلية بصفة خاصة والمجتمعات الإنسانية بصفة عامة.
وبعده توقف مجددا عند الجسد الثقافي ولغاته باعتباره علامة دالة وعنوان حضور في الوجود ومبدعا أصيلا لجوهر القيم. هذا الجسد الذي يبدع ميكانيزمات ووسائط غير لفظية لبث رسائله لمن يهمه الأمر كما هو حال لسان الجسد الراقص واستدل على ذلك بأمثلة دالة.
وعلى سبيل الختم والاستشراف أقر بشساعة الموضوع الذي يتطلب كثيرا من الجهد واستثمار النتائج التي حققتها المقاربة الأنتروبو ـ سيميائية التطبيقية، معلنا عن أمله في مساهمة مثل هذه اللقاءات الثقافية والعلمية في بلورة صيغة مشاريع وخطاطات عمل مستقبلية، تنقلنا من وضعية الموضوع إلى وضعية الفاعل الباحث والمنتج لأجوبة جادة عن سؤال الوضع الاعتباري للدراسات الأنتروبولوجية والثقافية في بلادنا.


الكاتب : تغطية: جمال أزراغيد

  

بتاريخ : 16/01/2019