القانون الاطار لم يحسم في تحديد سياسة لغوية واضحة ولم يقدم مصطلحات دقيقة لتحديد المسؤوليات

إن تاريخ التعليم في المغرب هو تاريخ إصلاحات متعاقبة منذ مطلع الاستقلال إلى حين صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين والبرنامج الاستعجالي لإصلاح التعليم(2009/2012) الذي كان يهدف إلى تدارك اختلالات تطبيق الميثاق الوطني للتربية والتكوين، وتسريع وتيرة الإصلاح، وانتهاء بالرؤية الاستراتيجية للإصلاح (2015-2030).
والملاحظ أن التعليم والتكوين بالمغرب، ارتبط بمصطلح الإصلاح بدل التغيير منذ بداية الاستقلال لتصبح هذه اللازمة الجزء الأساس في كل مشروع جديد مما قاد إلى سلسلة من الإصلاحات لم تستطع إنقاذ التعليم من أزمته البنيوية المزمنة التي يعترف الجميع بخطورتها وتفاقم أبعادها.
وتعبر مختلف البرامج الإصلاحية، التي اقتُرنت بوزراء للتعليم سابقين عن فشل السياسة التربوية المتبعة، لأن لكل وزير برنامج عمل لإصلاح المنظومة التربوية المغربية بعيدا عن سياسة تعليمية واضحة المبادئ والأهداف نابعة من مشروع مجتمعي شامل وبديل يعتمد منظومة التربية و التكوين لتنمية مستديمة تحرر الطاقات الكامنة في الأجيال الصاعدة، وتفتح الآفاق أمامها لإقامة مجتمع متقدم، علميا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا قادر على مسايرة التحولات العالمية وحاجات الاقتصاد، وترسيخ مجتمع الحداثة والمعرفة.

إن ما تعانيه المنظومة التعليمية اليوم ، من إخفاقات على جميع المستويات لاسيما على مستوى تجسير العلاقة بين المشروع المجتمعي والمشروع التربوي، نتج عنه عجز المدرسة عن إنجاز وظائفها باعتبارها بنية مناسبة لتحقيق التنمية البشرية وزرع قيم الحداثة والعقلانية والمواطنة،و إن فشل مسلسل إصلاح التعليم في المغرب يعود في اعتقادي إلى أن السياسة الإصلاحية التي كانت متبعة، لم تكن سياسة واضحة ومستمرة بل كانت عبارة عن برامج إصلاحية ظرفية وضعتها لجان تقنية حسب توجه كل وزير، بالإضافة إلى محدودية الإصلاحات التي تمس الجوانب المرتبطة بالسياسة التربوية وغياب الإرادة السياسية الحقيقية للإصلاح.
ولكن بعد صدور الميثاق الوطني للتربية والتكوين يمكن الحديث عن سياسة تعليمية هادفة تجعل من التعليم أولوية بعد الوحدة الترابية، إلا أن ملف التربية والتكوين الذي تم التوافق حوله من خلال الميثاق الوطني للتربية والتكوين، والذي تم اختزاله في البرنامج الاستعجالي، لم يحظ بمنزلة الصدارة في جدول أعمال القطاعات الحكومية والأحزاب والنقابات والجمعيات المهنية باعتباره أولوية وطنية وباعتبار قضايا المدرسة قضايا مجتمعية تهم جميع مكونات المجتمع ، كما ورد في الميثاق . وبالرغم من ارتفاع الإنفاق المالي في التربية خلال تنفيذ البرنامج الاستعجالي، لم تتمكن المنظومة من تحقيق النتائج المتوخاة سواء بالنسبة للفرد أو للمجتمع ،ولم يتمكن مسلسل الإصلاحات التعليمية في المغرب من المساهمة بالقدر الكافي في تحقيق مكتسبات تستجيب لانتظارات المغرب، ورهانات المجتمع رغم ما تم تخصيصه من إمكانات مادية و لوجيستيكية وبشرية لتحقيق أهداف الإصلاح،وقد خلص تقرير المجلس الأعلى للحسابات إلى أن «المخطط الاستعجالي لم يحقق جميع أهدافه، ولم يكن له التأثير الإيجابي المتوقع على منظومة التربية الوطنية على اعتبار أن الوزارة المعنية لم تعتمد بشكل كاف بعض المرتكزات اللازمة لإنجاح أي سياسة عمومية عند مراحل التخطيط والبرمجة والتنفيذ والحكامة».
ولتدارك الاختلالات البنيوية لنظامنا التربوي والتعليمي، أعد المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين( 2015 /2030) التي تنتظر اليوم التنفيذ والتطبيق انطلاقا من القانون الإطار.
وقد جاء مشروع القانون الإطار المتعلق بالمنظومة الوطنية للتربية والتكوين والبحث العلمي المنبثق عن الرؤية الاستراتيجية للإصلاح التربوي والتعليمي 2015 /2030 تنفيذا للتعليمات الملكية الموجهة للحكومة في 20 ماي 2015 من أجل: «صياغة الإصلاح في إطار تعاقدي وطني ملزم، من خلال اعتماد قانون-إطار يحدد الرؤية على المدى البعيد».والذي تمت المصادقة عليه في مجلس وزاري بتاريخ 20 غشت 2018 ويأخذ اليوم مساره التشريعي في أفق إقراره قانونا ملزما لمباشرة الإصلاحات التربوية والتعليمية في المدى الزمني المخصص له في منأى عن إكراهات الزمن السياسي، والتناوب الحكومي كما ينأى بالإصلاح عن التوافقات باعتماد التشريع من خلال قانون إطار يجسد تعاقدا وطنيا يلزم الجميع ويلتزم الجميع بتفعيل مقتضياته لكونه مشروعا يهم مستقبل أمة ويهم قضية وطنية محورية، ولأن جوهر هذا التعاقد هو إرساء مدرسة جديدة مفتوحة أمام الجميع، تهدف إلى تأهيل الرأسمال البشري، وتستند على ركيزتَي المساواة وتكافؤ الفرص من جهة، والجودة للجميع من جهة أخرى، بغية الارتقاء بالفرد وتقدم المجتمع
إن مشروع القانون-الإِطار يأتي لِيَضَعَ أولوية إِصلاحِ منظومةِ التربية والتكوين في صدارة الأولويات الوطنية، كما هو منصوص على ذلك في الديباجة ،متطلعا إلى التقاءِ إِراداتِ مُخْتَلَف مكونات المغرب ، دولة ومجتمعا، وتجاوُز الاختلالات التي تعاني منها المنظومة إِرساء لمدرسة مغربية جديدة، مفتوحة أمام الجميع، ومنفتحة على العصر الحديث ومنجزاته العلمية والتقنية، ومستَوْعِبة للثقافة الإنسانية وروح الابتكار والإِبداع.
ويستند القانون الإطار إلى أحكام الفصلين (31 و71من دستور 2011 ) الذي ينص على أن الدولة والمؤسسات العمومية والجماعات الترابية ملزمة بتعبئة كل الوسائل المتاحة، لتيسير أسباب استفادة المواطنين والمواطنات، على قدم المساواة، من الحق في الحصول على تعليم عصري ميسر الولوج وذي جودة ،و التنشئة على التشبث بالهوية المغربية، والثوابت الوطنية الراسخة  ، وكذا الاستفادة من التكوين المهني و من التربية البدنية والفنية ،كما ينص على أن القانون ملزم بتحديد التوجهات والتنظيم العام لميادين التعليم والبحث العلمي والتكوين المهني.
وكما ورد في المادة الأولى من مشروع القانون ،فان المشروع يعتمد أحكام الفصلين السابقين من الدستور لتحديد المبادئ التي ترتكز عليها منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي والأهداف الأساسية لسياسة الدولة واختياراتها الاستراتيجية من اجل إصلاح هذه المنظومة وكذا آليات تحقيق هذه الأهداف لاسيما ما يتعلق منها بمكونات المنظومة وهيكلتها وقواعد تنظيمها وسبل الولوج إليها والاستفادة من خدماتها ومبادئ تدبيرها ومصادر وآليات تمويلها.
القانون الإطار : الأهداف والمرتكزات
يحدد مشروع القانون الإطار لمنظومة التربية والتكوين والبحث العلمي مجموعة من الأهداف الأساسية الملزم تحقيقها ، من بينها ترسيخ الثوابت الدستورية للبلاد المنصوص عليها في الدستور، واعتبارها مرجعا أساسا في النموذج البيداغوجي المعتمد في منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، من أجل جعل المتعلم متشبثا بروح الانتماء للوطن ومعتزا برموزه، ومتشبعا بقيم المواطنة ومتحليا بروح المبادرة، وكذا إكساب المتعلم المهارات والكفايات اللازمة، التي تمكنه من الانفتاح والاندماج في الحياة العملية والمشاركة الفاعلة في الأوراش التنموية للبلاد، بما يحقق تقدم المجتمع والإسهام في وتطوره.
ومن بين أهداف المنظومة ،تعميم التعليم وفرض إلزاميته بالنسبة لجميع الأطفال في سن التمدرس باعتباره حقا للطفل وواجبا على الدولة والأسرة.
كما ينص مشروع القانون على دور المنظومة في تزويد المجتمع بالكفاءات والنخب من العلماء والمفكرين والمثقفين والأطر والعاملين المؤهلين للإسهام في البناء المتواصل للوطن على جميع المستويات، من خلال الإسهام في تكوينهم،وتأهيلهم ورعايتهم و التشجيع والتحفيز على قيم النبوغ والتميز والابتكار في مختلف مستويات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومكوناتها، من خلال تنمية القدرات الذاتية للمتعلمين وصقل الحس النقدي لديهم وتفعيل الذكاء وإتاحة الفرص أمامهم للإبداع والابتكار وتمكينهم من الانخراط في مجتمع المعرفة و التواصل.
وينص المشروع على احترام حرية الإبداع والفكر والعمل على نشر المعرفة والعلوم ومواكبة التحولات والمستجدات التي تعرفها مختلف ميادين العلوم والتكنولوجيا والمعرفة،داعيا إلى اعتماد هندسة لغوية منسجمة في مختلف مستويات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي ومكوناتها، وذلك بهدف تنمية قدرات المتعلم على التواصل وانفتاحه على مختلف الثقافات، وتحقيق النجاح الدراسي المطلوب.
ومن أهداف مشروع القانون أيضا،محاربة الهدر والانقطاع المدرسيين بكل الوسائل المتاحة وإعادة إدماج المتعلمين المنقطعين عن الدراسة في إحدى مكونات منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي، وإعدادهم للاندماج المهني، وتوسيع نطاق تطبق أنظمة التغطية الاجتماعية لفائدة المتعلمين من ذوي الاحتياج قصد تمكينهم من الاستفادة من خدمات اجتماعية تساعدهم وتحفزهم على متابعة دراستهم في ظروف مناسبة وملائمة.
ويعتبر مشروع القانون الإطار أن تحقيق أهداف إصلاح منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي وتجديدها المستمر أولوية وطنية ملحة، ومسؤولية مشتركة بين الدولة والأسرة وهيئات المجتمع المدني، والفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين، وغيرهم من الفاعلين في مجالات الثقافة والإعلام والاتصال، كما نص على ضرورة مساهمة الجماعات الترابية والقطاع الخاص ومختلف الهيئات العامة والخاصة الأخرى، كل في ما يخصه في تحقيق هذه الأهداف، وأن تنخرط في مسلسل تنفيذها، وتقديم مختلف أشكال الدعم من أجل بلوغها.

القانون الإطار ورهان التشريع

ينص مشروع القانون الإطار على أن الدولة ملزمة بتنزيل مضامين الإصلاح عبر مجموعة من النصوص التشريعية والتنظيمية ،واتخاذ ما يلزم من تدابير إدارية ومالية وغيرها لتحقيق أهداف منظومة التربية والتكوين المعلن عنها في القانون الإطار، وهذا في اعتقادي رهان تشريعي  سيواكب الإصلاح في جميع محطاته ويقتضي اعتماد إرادة حقيقية لتطبيق الإصلاح بإشراك كل الفاعلين في القطاع ، ومن أهم هذه النصوص التشريعية والتنظيمية :
– مرسوم واحد يصادق على الدلائل المرجعية للوظائف والكفاءات ،تعتمد لإسناد المسؤوليات التربوية والعلمية والإدارية وتقييم الأداء والترقي المهني؛
– 17 نصا تنظيميا منها نصوص تنظيمية تتعلق بتحديد ومراجعة رسوم التسجيل والدراسة والتأمين والخدمات ذات الصلة بمؤسسات التربية والتعليم والتكوين الخاصة ؛ تحديد شروط وكيفيات حركية المتعلم ؛ إحداث وتنظيم شبكات التربية والتكوين والتعليم ؛ إحداث مرصد للملاءمة بين المهن والتكوينات الجديدة وحاجات سوق الشغل؛ إحداث الآليات الخاصة بالتنسيق ؛ تأليف اللجنة الدائمة ، ومجموعات العمل المحدثة لديها؛ تحديد تطبيقات الهندسة اللغوية على صعيد كل مستوى من مستويات المنظومة (ستة نصوص بمعدل نص تنظيمي لكل مستوى) ؛ المصادقة على الإطار الوطني المرجعي للإشهاد والتصديق ؛ تحديد شروط وكيفيات إقرار رسوم التسجيل بمؤسسات التعليم العالي والتأهيلي ؛ تحديد مهام اللجان المحدثة لدى السلطات الحكومية المكلفة بالتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي والمكلفة بتتبع نتائج عمليات التقييمات المنجزة، واقتراح التدابير اللازم اتخاذها لتصحيح الاختلالات عند الاقتضاء، وتطوير أداء المنظومة في ضوء نتائج عمليات التقييم المذكورة، وكذا تنظيم هذه اللجان وكيفية سيرها ؛ تحديد تأليف اللجنة الوطنية المحدثة لدى رئيس الحكومة لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي، وتنظيمها وكيفيات سيرها.
وبالنسبة للبنيات المحدثة تبعا لمقتضيات المشروع فهي متعددة وعلى الشكل التالي: مجلس وطني للبحث العلمي ؛مرصد للملاءمة بين المهن والتكوينات الجديدة وحاجات سوق الشغل؛ شبكات للتربية والتعليم والتكوين على الصعيدين المحلي والجهوي، للربط بين مكونات المنظومة ومستوياتها ؛ لجنة دائمة تعنى بالتجديد والملاءمة المستمرين لمناهج وبرامج وتكوينات مختلف مكونات المنظومة ؛ مجموعات عمل  لمساعدة اللجنة الدائمة لتجديد وملاءمة المناهج والبرامج، هيئة وطنية لوضع إطار وطني مرجعي للإشهاد والتصديق ؛ لجان وزارية تحدث لدى السلطات الحكومية المكلفة بالتربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي والمكلفة بتتبع نتائج عمليات التقييمات المنجزة، واقتراح التدابير اللازم اتخاذها لتصحيح الاختلالات عند الاقتضاء، وتطوير أداء المنظومة في ضوء نتائج عمليات التقييم المذكورة ؛ اللجنة الوطنية المحدثة لدى رئيس الحكومة لتتبع ومواكبة إصلاح منظومة التربية والتعليم والتكوين والبحث العلمي .
وخص القانون الاطار المجلس الأعلى للتربية والتكوين بدور هام في بلورة مضامينه وتنزيل مقتضياته كهيئة دستورية مكلفة بتحديد التوجهات الكبرى للمنظومة ،وبواه مكانة بارزة انطلاقا من مهامه المتمثلة في ا بداء الرأي في جميع السياسات العمومية والاختيارات الوطنية المتعلقة بقطاعات التربية والتكوين والبحث العلمي، وكذا المصالح العمومية المرتبطة بهذه القطاعات؛والإسهام في تقييم السياسات والبرامج العمومية في مجالات التربية والتكوين والبحث العلمي.
وهكذا أناط به مهمة إبداء الرأي في ما يلي: المخطط متعدد السنوات حول إعادة هيكلة التعليم العالي؛ ميثاق المتعلم» ؛ نظام التقييم والاعتماد والمصادقة؛ الدلائل المرجعية للمناهج والبرامج والتكوينات ؛ النصوص التنظيمية الخاصة بتحديد تطبيقات الهندسة اللغوية على صعيد كل مستوى من مستويات المنظومة ؛ الدلائل المرجعية التي تحدد المبادئ الأساسية والمعايير الواجب مراعاتها في عملية والتوجيه والإرشاد والإعلام الميثاق التعاقدي لأخلاقيات مهن التربية والتعليم والتكوين والبحث .
كما خصه بإعداد دلائل مرجعية لمعايير الجودة حسب كل مكون من مكونات المنظومة ومستوياتها. بالإضافة إلى إنجاز تقييم خارجي للمنظومة . .
وخص المشروع الدولة/الحكومة بمهام عدة تتناول الولوج إلى منظومة التربية والتكوين وآليات الاستفادة من خدماتها ، وكذا مهام تتضمن تجديد المناهج والبرامج والتكوينات، إلى جانب تدبير الموارد البشرية وتأهيلها وضبط قواعد حكامة المنظومة، وتمويلها وتقييمها، وما يرتبط بالقوانين من أحكام انتقالية وختامية .

القانون الإطار ملاحظات ومقترحات

إن من إيجابيات القانون الإطار أنه مهد لمرحلة الـتأسيس القانوني المتسم بطابع الإلزام والتدبير المحكم لقطاع التعليم بعيدا عن خيارات المتعاقبين على التدبير ومزاجيتهم.
كما يحاول القانون الإطار، مثل المشاريع السابقة ،بعث الأمل في إصلاح منظومتنا التربوية انطلاقا من الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، ولكنه لم يسلم من انتقادات وتخوفات المهتمين بالشأن التربوي والتعليمي ببلادنا ، ونستعرض بعض هذه الملاحظات والانتقادات التي نتقاسمها مع الفاعلين التربويين والقانونيين، بهدف المساهمة في تجويد النص وجعله موافقا للرؤية الاستراتيجية لإصلاح منظومة التربية والتكوين ، وقانونا قابلا للتطبيق والتنفيذ ومن أهمها :
يعتمد مشروع القانون الإطار مبدأ توزيع مسؤولية الدولة بين شركاء آخرين في وضع وتنفيذ سياسات الإصلاح التعليمي ، فبالنسبة لمساهمة المجتمع المدني شريكا في إصلاح منظومة التربية والتكوين، دوره المشاركة وتقديم الدعم في تكامل مع المؤسسات الأخرى، لكونه غير مؤهل موضوعيا لتنفيذ مشاريع كبرى عجزت الدولة طيلة سنوات عن تحققها ( محاربة الأمية ، الهدر المدرسي…) وعلى السلطات العمومية أن تشجعه وتدعمه؛
يلاحظ أن مشرع القانون الإطار  يتحدث تارة عن الحكومة، وتارة عن الدولة، وأخرى عن السلطات الحكومية، ومرة عن السلطات، ومرة أخرى عن السلطات العمومية، وعن المتدخلين ، وعن الفاعلين … وهو ما يبقى التساؤل مشروعا حول الهدف من كثرة هذه المفاهيم وتعددها ؛
إن الحديث عن دور الجماعات الترابية سيجعل هذا المشروع معلقا و مرتبطا بإمكانيات وإرادة كل جماعة ترابية، التي تختلف لا محالة من جماعة إلى أخرى ومن جماعة قروية إلى جماعة حضرية، بالإضافة إلى الإشكالات العميقة التي تتخبط فيها الجماعات الترابية والتي ترتبط بإشكالية تمويل السياسات العمومية الترابية، وبالتالي فإن هدف الإنصاف سيصبح مهددا ، ومضامين الإصلاح ستؤجل ما لم تدعم من الناحية القانونية والمالية في مجال الإصلاح التربوي والتعليمي ؛
ضرورة توضيح المسؤوليات بشكل محدد خاصة بالنسبة للبرامج الإستعجالية وللأولويات الإصلاحية في المشروع، و أن يتضمن مشروع القانون الإطار مصطلحات دقيقة تحدد واجبات السلطات العمومية إزاء كل الفاعلين والمتدخلين، لأن تحديد المسؤوليات من المداخل الأساس لربط  المسؤولية بالمحاسبة، ومن مرتكزات الارتقاء بالمنظومة التربوية وبحكامتها وجودتها، وكذا التعجيل بوضع أسس واستراتيجية واضحة المعالم لتحديد دور ومهام كل متدخل وتحديد مسؤوليته وباقي الفاعلين والشركاء في تنزيل البرامج ذات الأولوية في السياسات العمومية التعليمية؛
إن مشروع قانون الإطار تضمن  إصدار مرسوم واحد، وسبعة عشر نصا تنظيميا، بالإضافة إلى النصوص التشريعية والتنظيمية التي ستنسخ أو تعوض أو تعدل النصوص الجاري بها العمل قبل دخول  القانون حيز التنفيذ، وكل هذه الإجراءات تشكل ورشا قانونيا كبيرا يتطلب لإنجازه إصدار ترسانة قانونية ،وبالنظر لإيقاع إنتاج النصوص التشريعية سيبقى هذا الإصلاح مؤجلا باعتبار القضايا الجوهرية التي لم يحسم فيها القانون، وأرجأها إلى حين الحسم في الإطارات المرجعية، أوفي النصوص التنظيمية؛
وفيما يتعلق بالثغرات القانونية لوحظ أن مشروع قانون الإطار لم يفصل في كل مقاصد الإصلاح،لأنه أرجأ كل ما يتعلق بالإصلاح إلى لجن ونصوص يلزمها وقت طويل كما أن صياغته ينبغي أن تكون صياغة قانونية واضحة تمكن المعنيين من تنفيذ رؤية المشرع وتوجيهاته، وعموما فقد اعتبره بعض القانونيين مجرد نوايا منشودة تفتقد للطابع الإلزامي للتنفيذ؛
يلاحظ الباحث في ثنايا المشروع الروح الارجائية التي ترهن الإجراءات التدبيرية بسنوات معينة وبنصوص تنظيمية بعضها يصعب تنفيذه في الآجال المحددة لتراكم المشاكل والاختلالات، من ذلك مثلا)فتح التعليم الأولي في وجه جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين 4 و6 سنوات مع دمج هذا التعليم وجعله جزءا من التعليم الابتدائي في أجل ثلاث سنوات حدا أقصى ،إقامة مراكز للدعم النفسي والوساطة داخل المؤسسات لضمان المواكبة السيكولوجية داخل أجل 3 سنوات، القضاء على الأمية ومسبباتها في أجل ست سنوات ….)
إن نجاح الإصلاح التربوي المنشود مرتبط بالأساس، بإعطاء الأولوية في تنفيذ القانون الاطار للحلول التربوية و البيداغوجية لمعالجة اختلالات المنظومة التربوية عبر استبعاد منطق المعالجة التقنية الصرفة للإشكاليات التربوية، وتجاوز المقاربة الكمية  إلى ما هو نوعي، من خلال التركيز على المستهدف الأساس من الإصلاح (التلميذ/ة )، وكذا تجديد المحتويات والمضامين وتحديث البرامج والمناهج الدراسية، ومراجعة المقاربات التدبيرية المعتمدة حاليا في تسيير الشأن التربوي.
تنص كل المواد القانونية المكونة للقانون الإطار على مبادئ المنظومة وأهدافها، لكنها تتغاضى عن تثمين الموارد البشرية القائم على عاتقها تنزيل وتنفيذ أهداف وغايات هذا المشروع، فكان من الأجدى أن ينص مشروع قانون الإطار على إرساء آليات لتحفيز المدرسين /ت والاداريين/ت وتشجعهم على المبادرة والتجديد و تحسين ظروف عملهم و تطوير آليات المتابعة والمرافقة والتقييم و  الارتقاء بظروف عمل الإطار الإداري والتربوي،وذلك في إطار تعاقد ثقة حول الحقوق والواجبات المهنية.
إن مشروع القانون الإطار ما زال يتحدث عن «مواصلة تفعيل اللامركزية واللاتمركز في تدبير المنظومة على المستوى الترابي» دون التنصيص على مقتضيات ورهانات الجهوية المتقدمة كما يتطلع المغرب لبنائها، وإمكانية ربطها، بشكل فعال ومنتج، بالمشروع الإصلاحي الجديد
من الإشكالات التي لم يحسم فيها القانون الإطار الجديد تلك المتعلقة بالمسألة اللغوية، حيث ظلت عبارات من قبيل «الهندسة اللغوية»، و»التناوب اللغوي»، و»التعددية اللغوية»، و»الخيارات اللغوية» تخفي حجم الارتباك في تحديد سياسة لغوية واضحة ومحسومة في مختلف أسلاك التعليم. وقد تم إرجاء الحسم في تطبيقاتها إلى نصوص تنظيمية لاحقة يلزم القانون الإطار عرضها مجددا على أنظار المجلس الأعلى للتربية والتكوين بالإضافة ، إلى التردد المسجل في التعاطي مع اللغة الأمازيغية.
ان القانون الإطار جعل التعليم الأولي إلزاميا للدولة والأسر ،على أساس إرسائه وفتحه في وجه جميع الأطفال المتراوحة أعمارهم ما بين أربع وست سنوات والشروع في دمجه تدريجيا في التعليم الابتدائي في اجل 3 سنوات ، ولكنه لم يلتزم بتوصيات الرؤية الاستراتيجية على مستوى الجودة والمردودية ومن حيث الطابع الإلزامي والمجانية، ولم يمنحه الأساس القانوني اللازم.
ينص مشروع القانون الإطار على تنويع مصادر تمويل منظومة التربية والتكوين والبحث العلمي من خلال مواصلة الدولة مجهودها في تعبئة الموارد، وتوفير الوسائل اللازمة للتمويل ، و تفعيل التضامن الوطني والقطاعي، بمساهمة جميع الأطراف والشركاء المعنيين وخصوصا منهم ، الجماعات الترابية، والمؤسسات والمقاولات العمومية والقطاع الخاص والأسر الميسورة ،وكذا إحداث صندوق خاص لدعم عمليات تعميم التعليم الإلزامي يمول في إطار شراكة من قبل الدولة والمؤسسات والمقاولات العمومية ،ومساهمات القطاع الخاص وباقي الشركاء ،كما نص في القانون نفسه على إقرار أداء الأسر الميسورة لرسوم تسجيل أبنائها بمؤسسات التعليم العالي في مرحلة أولى وبمؤسسات التعليم الثانوي التأهيلي في مرحلة ثانية..والملاحظ أن ما ورد في القانون الإطار من تنويع مصادر تمويل المنظومة بهدف استدامة الإصلاح وتحسين جودة منظومة التربية والتكوين توجه ايجابي وخاصة الدعوة إلى إحداث صندوق خاص بإصلاح التعليم مضافا إلى مسؤولية الدولة الثابتة في تعبئة الموارد وتوفير الوسائل الضرورية لتمويل التعليم ضمانا للإصلاح ، لكون الإنفاق على المدرسة والجامعة العموميتين استثمارا في تأهيل الموارد البشرية وتنمية البلاد وليس عبئا مكلفا للدولة .
أما فرض رسوم التسجيل في الجامعة والثانوي التأهيلي العموميتين في إطار تنويع مصادر التمويل ،ففيه مساس بمجانية التعليم التي تعتبر مكسبا اجتماعيا وتاريخيا للطبقة الفقيرة بالمغرب، وضرب لمبادئ الإنصاف والمساواة وتكافؤ الفرص التي تنادي بها الرؤية الاستراتيجية للإصلاح، لان أبناء وبنات الأسر الميسورة يلجون المؤسسات المدرسية والجامعية الخاصتين ،في حين تلحق الأسر الفقيرة والمتوسطة أبناءها بالمؤسسات المدرسية والجامعية العموميتين ، مما يعزز من الفوارق الطبقية والاجتماعية بالمغرب .

خاتمة

يمكن اعتبار القانون الإطار قيمة مضافة لمسار الإصلاح التعليمي والتربوي ببلادنا الذي تحققت فيه بعض الايجابيات وبرزت إخفاقات وهو قوة قانونية مسنود بمرجعيات الدستور والرؤية الاستراتيجية للإصلاح( 2015 /2030) لذا يحتاج إلى نقاش حقيقي لتجويد النص وتجاوز الإشكالات والتخوفات في أفق الوصول إلى توافق وطني وبناء تعاقد غير مؤثر على الجودة ،باعتماد إرادة حقيقية تعطي دفعة للإصلاح وبناء مستقبل البلاد. لان إنجــاح إصــلاح منظومة التربية والتكوين يعــد رافعــة ضرورية لإنجــاح باقــي مشــاريع الإصــلاح الكبــرى الإستراتيجية المهيكلــة، حيــث تؤكــد تجــارب الأمــم والــدول المتقدمــة اليــوم، التــلازم المتناســق والترابط الوثيق بيــن النجــاح فــي إصــلاح التعليــم وتعميمــه وتطويــره المنتظــم، وبيــن التقــدم فــي ســائر المياديــن وبالتالي فالارتقــاء بالتعليــم، بهــذا المعنــى، ارتقــاء بالمجتمــع برمته.فالرهان اليوم معقود على توفير البيئة الحاضنة للفعل الإصلاحي في مجال التربية والتعليم، ووضع أسس متينة لخطط الإصلاح وتفاصيله ، مرورا بمناقشة السبل الكفيلة لإرساء تلك السياسات لتكون أكثر فاعلة واستدامة، وما يقتضيه كل ذلك من حاجة إلى مجهود تشريعي يمكن من إنتاج الترسانة القانونية المؤطرة لمشاريع الإصلاح والقابلة للتطبيق ، وهو الدور المنتظر من المؤسسة التشريعية.
كما ان إنجاح الإصلاح يستدعي تعبئة وطنية جماعية دولة ومجتمعا من أجل تطبيق جيد لقانون الإطار بعيدا عن انتقائية المشاريع، وتأجيل للقضايا التربوية الأساس لربح رهانات الجودة والارتقاء والإنصاف وتحقيق العدالة الاجتماعية.
*باحث تربوي


الكاتب : ذ/ إبراهيم الباعمراني*

  

بتاريخ : 17/01/2019