تأزيم الأزمة

فوزي عبد الغني يغلب ظني ، أن الحديث عن امتداد الثقافي في المجتمع والحياة ، لا يقتضي التسييج وتصنيف هذا الثقافي كخانة أو ميدان، على غرار المجالات الأخرى السياسية والاقتصادية والاجتماعية …وفي المقابل ، فالتغيير المنشود في التاريخ والفكر ، يتطلب التشبع بقيم التنوير والمعرفة ، لإدراك مسار الخطى الفردية والجماعية ،بهدف تعبيدها في اتجاه المستقبل . في هذا المتحمل ، نتساءل : هل يمكن الحديث عن وجود ثقافي دون مثقفين ؟؟ . سؤال تفرض طرحه التحولات المتسارعة اليوم التي عرت عن الأعطاب في الأفراد والمؤسسات ، ومنهم جماعة المثقفين المتعددة والمتنوعة . لكن ، لابد من استحضار هنا مفهوم المثقف الذي يستند على الاستنهاض وعدم الركون لحقائق الرأي العام المتصفة بالعموميات . وهذا يعني، أن المثقف الحقيقي يمارس وجوده المعنوي الساعي إلى تحليل غير آني ، وغير موجه بما هو إيديولوجي ، تحليل مولد للأفكار والرؤى .
هذا الدور الذي يتحسس الرسالة المديدة الأثر دون مواقع أو تبادلها ، يقتضي خلق تلك المسافة بين المثقف والمؤسسة بتلاوينها المختلفة ، لأن للمؤسسة الرسمية أو المدنية تفسيرها الساعي إلى التكيف والمسايرة ، أو النقد دون مهادنة ، لأن لا وسط في الثقافة . وبالتالي ، لا بد من البحث عن مثقف كلسان للتبرير ، وإضفاء الشرعية أو استكمالها، مما أدى بالمثقف أو نماذج منه ، إلى دخول المؤسسات دون شروط ، وفي تخل عن سمات المثقف ، بل أحيانا يسعى الكثير من الكتاب إلى تلميع صورهم والنفخ فيها .
إن هذه التنازلات للمثقف عن سلطته كما يثبت صلاح بوسريف في كتابه “ المثقف بين رهان المعرفة ورهانات السلطة “ ، أدت إلى الانخراط في اختيار السياسي ، مما يؤكد أن البعض يختار المواقع ، ولا يمكن أن يحيا كوجود ثقافي خارجها ، في سعي ولو مقنع إلى الغنيمة . في حين ، فالآخر ، اختار الامتداد والحرية ، لأن استقلالية المثقف التي لا تعني الانعزال والعدمية كما يتوهم الكثير، من خلال تبريرات المتزحلقين والراقصين على الحبال في الوضوح الملتبس ، بل يعني ذلك استقلالية الفكرة التي تتخلق في السياقات نفسها التي تهكيل هذا الكل مللا ونحلا ، في انتصار للمبادئ التي تبقى أكبر من الشخوص وشخصنتهم للمشهد والطريق التي تفضي للأفق الإنساني ، أو تفضي عند المتربصين والمعضدين للحقائق المحشوة بالمصالح والاستباقات المكرسة لذلك ، في استغلال مفضوح للإطارات وقطيع الكتبة .
بناء عليه ، فاستقواء الفعل الثقافي أمر هام أمام زحف الاستهلاك و الاستهلاك الثقافي الفلكلوري ، من خلال تنشيط الفعل القرائي والنشر في الفنون المختلفة ، فضلا عن بنيات ووسائط حاضنة…فكل هذا ، إذا حصل ، لا يعني انخراط المثقف في المؤسسات دون برامج ولا رؤى ، وهو المتحصل ؛ مما يزكي الخبط والانفتاح المجاني على الكل ، في تسطيح للملمح الثقافي الذي قد يتحول إلى فرجة وهرج ، فتضيع حاسته النقدية والفكرية التي تؤسس لتحولات لا تنتهي في الفكر الإنساني ، وبالتالي تجدد الرؤيا باستمرار للحياة والكون ، وبشكل طبيعي في المجتمع ، ليتحول إلى مجتمع معرفة عوض سيادة الأنساق المغلقة التي تؤدي للتناطح ، نظرا للشرايين المتصلبة التي تناهض الحوار والقيم العقلانية التي تجعل كل شيء نسبيا ، وفي تطور متواصل .طبعا ، لا ثقافة دون مثقفين ، وإن علا النفير…


الكاتب : فوزي عبد الغني

  

بتاريخ : 25/01/2019