الاجتماعي والمهني ورهانات الإصلاحات التعليمية

في تقييمنا لجل الإصلاحات التعليمية في المغرب،نلاحظ انه تتحكم فيها غالبا أربعة نواظم/أهداف أساسية:بيداغوجية،مالية وإدارية،وإيديولوجية قيمة مرتبطة بالمتعلمين؛وتم تغيب الشروط والظروف الاجتماعية والمهنية للأطر العاملة بالقطاع،خاصة المسؤولين المباشرين والحاسمين في نجاح أي إصلاح تعليمي:المدرسون بالدرجة الأولى والمديرون والمفتشون؛كما ان جل هذه الإصلاحات اعتمدت منهجيات يطغى عليها المقاربات التدبيرية التقنية والمحساباتية،وغياب المقاربات الحقوقية الاجتماعية،و الإنسانية عامة (اعتماد العلوم الإنسانية:علم النفس/علم الاجتماع، علم الشغل،الطب…).

الملاحظ أن هناك تمييزا هرميا عموديا في توفير الشروط الاجتماعية والمهنية الجيدة للعمل،من سكن ونقل وأجرة وتعويضات وحوافز مالية ووسائل حديثة وفضاءات العمل وموارد بشرة كافية…حيث تتوفر أكثر وأجود لأطر الوزارة الإدارية المركزية والأكاديمية والإقليمية فقط،ويحرم منها بشكل كبيرالمدرسون المسؤولون الاولون عن نجاح او فشل أي إصلاح، والمديرون والمفتشون وغيرها من الأطر المتوطة والصغيرة في أسفل الهرم الإداري والوظيفي للوزارة.
وللوقوف بدقة على مدى تغييب الموارد البشرية عن الاصلاحات التعليمية،وفهم الوضعية الاجتماعية والمهنية المزرية لبعض أطر الوزارة،وخاصة المدرين والمديرين والمفتشين؛يكفي إلقاء نظرة موجزة إلى بعض ملفاتهم المطلبية الأخيرة(أغلبها قديم لم يتحقق منذ سنوات)،حيث نعرض نماذج بعض الملفات المطلبية لنقابة مفتشي التعليم،ولجمعية مديري الابتدائي،وللنقابات التعليمية،ولبعض التنسيقيات(التي يصل عددها حاليا أكثرمن9 تنسيقيات):
الملف المطلبي لنقابة المفتشين
مطالب متعلقة بوظيفة التفتيش في المنظومة
تغطية الخصاص الكبير في فئة مفتشي التعليم؛التكوين الأساس(اغلاق مركز تكوين المفتشين بالنبة لمفتشي الاعدادي وبعض التخصصات بالنسبة للتعليم التأهيلي؛تغييب لمفتشين من التاطير والتكوين في بعض مراكز التكوين…)؛تدقيق وتحديد الاختصاصات والمهام؛تنظيم هيأة التفتيش بناء على الوثيقة الإطار والمذكرات الملحقة بها،وتفعيل تنظيم التفتيش مركزيا؛تحديد خطة عمل وطنية مركزية وجهوية وإقليمية لجهاز التفتيش_إرساء آليات التفتيش في التوجيه والتخطيط التربويين والمصالح المادية والمالية؛الاستفادة من التكوين المستمر؛إلغاء قرارات إعفاء بعض اطر التفتيش وإعادة الاعتبار للمتضررين؛
مطالب تشريعية وتربوية
معادلة دبلوم مركز تكوين المفتشين بالشهادات الجماعية،وإلحاق مراكز تكوين المفتشين بمؤسسات الدرجة الأولى التابعة للجامعة؛الحق في تقلد مناصب المسؤولية بتعديل المرسوم الخاص بإسناد المناصب العليا؛مراجعة النصوص المنظمة لمركزي التفتيش بما يضمن التناسق في مناهج التكوين والتأطير….
مطالب متعلقة بشروط ووسائل العمل
ومن بينها الحفاظ على الأقدمية في الدرجة عند تغيير الإطار و بعد التخرج من مركز تكوين مفتشي التعليم،مع التسوية المالية والادارية للمتضررين؛إحداث تعويض سنوي جزافي عن النقل والتنقل على شاكلة هيئة تفتيش الشغل،تعميم بطاقة إذن بالتنقل،تخصيص سيارات خاصة بتنقل المفتشين،وتمكين مستعملي سياراتهم الشخصية من التعويضات الكيلومترية،..مرجع(الملف المطلبي-النسخة المنبثقة عن مؤتمر 2017)
الملف المطلبي لجمعيات المديرين:جمعية مديري ومديرات الابتدائي
الوضعية الإدارية و القانونية للمدير – إحداث إطار مدير و تخويله صلاحيات واضحة؛ الترقية إلى السلم 11 و الحق في ولوج الدرجة الممتازة؛ تعيين طاقم إداري متفرغ يساعد المدير في مهامه الإدارية؛ تجهيز الإدارة بالوثائق ووسائل العمل والاتصال الضرورية والحديثة؛الاستفادة من التكوين المستمر؛ توفير ضمانات لتنقل المديرين إلى الفرعيات و النيابات؛ استفادة المديرين من التأمين المدرسي؛ إعادة النظر في طريقة الإعفاء ؛ الحد من التعسفات التي يتعرض لها السادة المديرون و الإسراع في تطبيق شبكات التقويم؛ إقرار امتحان مهني خاص بهيئة الإٌدارة التربوية؛ تحديد مهام اللجان الوافدة على الإدارة التربوية، وتحري الموضوعية في أعمالها؛ منح الادارة التربوية نقطة الامتياز لشغل مناصب رؤساء المصالح محليا و جهويا؛ استشارة المدير و اطلاعه على دفتر التحملات ومنحه صفة عضو في لجنة تتبع الأشغال بالمؤسسة التي يعمل بها….
القضايا الاجتماعية : التعجيل بإفراغ المساكن المحتلة؛ بناء سكنيات جديدة للإدارة التربوية و التعجيل بإصلاح الغير الصالح منها؛ الرفع من التعويضات عن السكن وتكييفه مع السومة الكرائية محليا لغير المستفيدين من السكن الوظيفي؛ مطالب خاصة بالحركة الوطنية.
التعويضات : إيجاد توصيف دقيق لمهام المدير و إقرار تعويض يتناسب و هذه المهام؛ إقرار تعويض عن العمل بالوسط القروي؛ الرفع من التعويضات الإدارية و احتسابها في التقاعد والزيادة في الرقم الاستدلالي؛ التعويض عن التربية غير النظامية و محو الأمية وبرنامج تيسير؛ توحيد التعويض عن الامتحانات الإشهادية؛ رفع و توحيد التعويضات عن التنقل وتعميمها وطنيا…
الملفات المطلبية للنقابات التعليمية
الملاحظ ان جل النقابات التعليمية،وخاصة الأكثر تمثيلية،لها غالبا نفس المطالب؛وسنذكر بعضها وهو مشترك بين موظفي التعليم عامة وهي مطالب تتعلق بالحريات والحقوق النقابية ؛مطالب تتعلق بالأجور: الزيادة في الأجور و تطبيق السلم المتحرك للأجور والأسعار؛تطبيق الحد الأدنى للأجور في التعليم؛تحقيق عدالة أجرية بين موظفي الوزارة وباقي الموظفين؛ مراجعة  شبكة الأرقام الاستدلالية والرفع من قيمة النقط الاستدلالية وتقليص سنوات الترقي بالاختيار والامتحان؛ الحق في الترقية وتغيير الإطار بالشهادات الجامعية؛مراجعة نظام الترقي؛ فتح باب الترقي إلى الدرجة الممتازة في وجه جميع موظفي وزارة التربية الوطنيةوإحداث درجة جديدة خارج السلم؛التخفيف من الضريبة على الدخل والرفع من الدخل الأدنى المعفى من الضرائب؛؛إلغاء كل الاصلاحات المقياسية للتقاعد؛الزيادة في التعويضات النظامية؛تحسين وتجويد التكوين الأساسي والمستمر؛تحسين ظروف وشروط العمل؛ الموضوعية والشفافية في التنقيط الإداري واعتماد معايير واضحة ومعلنة؛الإسراع بإخراج نظام أساس عادل ومنصف لموظفي الوزارة…
مطالب التنسيقيات التعليمية
هذه التنسيقيات المنتمية لقطاع التعليم تأسست لتدافع عن مطالبها بنفسها حيث تعتبر أن النقابات خذلتها في الدفاع عن حقوقها وتحقيقها،أوتناست مطالبها ،وهي لها مطالب فئوية ومحددة تعكس اسمها:ضحايا النظامين الأساسيين 1985-2003،تنسيقية أساتذة الزنزانة9 الذين يطالبون بحقه في الترقي المباشر إلى السلم العاشر وبأثر رجعي؛تنسيقية الأساتذة الذين فرض عليه التعاقد،والذين يطالبون بإلغاء التعاقد والإدماج في سلك الوظيفة العمومية؛تنسيقية موظفي الوزارة الحاملين للشهادات،يطلبون بتغيير الإطار او الترقي بالشهادة؛تنسيقية موظفي وزارة التربية الوطنية المقصيين من خارج السلم،الذين يطالبون بحقهم في الترقية إلى خارج السلم مساواة بباقي موظفي الوزارة المستفيدين منه؛تنسيقية المتدربين بالمراكز الجهوية للتربية والتكوين ،يطالبون بارجاع المرسبين وتنفيذ وعود محضر13-21أبريل2016 وتسوية وضعية فوج الكرامة وغيرها من المطالب؛تنسيقية المكلفين خارج إطارهم؛تنسيقية ملحقي الاقتصاد والإدارة والملحقين التربويين ويطالبون بالحق في تغيير الإطار الى ممون أو متصرف أو مفتش…..
من خلال هذه النماذج من الملفات المطلبية لبعض فئات واطر وزارة التربية،والتي تتراوح بين الاجتماعي والمهني والحقوقي والتشريعي،يتضح لنا مدى المشاكل وأشكال الاحتقانات التي يعج بها قطاع التربية الوطنية،والتي تؤثر موضوعيا على جودة وفعالية مردودية مختلف أطر الوزارة،وتعمق مؤشرات عدم الشعور بالرضى المهني نفسيا وعمليا،ناهيك عن سوء وعدم جودة وكفاية الخدمات الاجتماعية المقدمة لأطر القطاع_التطبيب،الترفيه،السكن،التثقيف…) في واقع اقتصادي غير مستقر و يعرف الارتفاعات الصاروخية والمستمرة في أسعار المواد الاستهلاكية والخدمات وضروريات العيش الأساسية.
إن عدم الاهتمام الجدي بالظروف والشروط الاجتماعية والمهنية للأطر التعليمية،وخاصة الموجودة في تماس مباشر مع المدرسة والمتعلمين، ومحاربة كل أشكال التمييز واللاإنصاف بين موظفي الوزارة وباقي موظفي الدولة؛من شأنه أن يفشل كل رهانات الإصلاحات التعليمية،ويحد من نجاعتها وفعاليتها الداخلية والخارجية؛أي أن رهان إصلاحي لا يهتما بالظروف الاجتماعية والمهنية لموارده البشرية ويراهن عليها أساسا مصيره الفشل.
ونظن أن المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي في مشروع رؤيته الإصلاحية 2015*2030،قد فعل وانتبه إلى أهمية المقاربة العلمية الإنسانية والحقوقية،وأقر بأهمية العنصر البشري في منظومة التربية والتعليم؛حيث دعا في الرافعة التاسعة لمشروع الرؤية الاستراتيجية إلى»العمل على إتقان تكوينهم وحفزهم،وإعادة الإعتبار لأدوارهم،واحترام كرامتهم،وتحسين ظروف مزاولتهم للعمل…»

*باحث تربوي


الكاتب : محمد الصدوقي*

  

بتاريخ : 31/01/2019