قضية السككيين المغاربة بفرنسا أمام المحكمة من جديد

نظرت محكمة فرنسية بباريس يومي 15 و16 ماي، مرة أخرى، في قضية السككيين المغاربة الذين يتابعون الشركة الوطنية للسكك الفرنسية من أجل التمييز أثناء ممارستهم لعملهم. وسبق لمحكمة الشغل ( وهي محكمة مشكلة من ممثلي العمال والمقاولين) أن أدانت هذه الشركة ب170 مليون أورو في 21 شتنبر 2015، بعد 15 سنة من المساطر بين الطرفين، لكن هذه المقاولة استأنفت الحكم في آخر لحظة، وتمس هذه القضية حتى الآن 800 عامل مغربي أو من أصول مغربية.
وحضر مئات من قدماء السككيين إلى محكمة الاستئناف بباريس من أجل متابعة أطوار هذه القضية رغم تقدم أغلبهم في السن، بل إن جزءا منهم غيبه الموت أو المرض فحضرت نساؤهم وأبناؤهم أطوار هذه المحاكمة من أجل استرجاع حقوقهم نتيجة الميز الذي تعرضوا له بإحدى أكبر المقاولات الفرنسية التي كانت تحرمهم من الحقوق التي يتمتع بها زملاؤهم من الفرنسيين، والذين كانوا يقومون بنفس العمل أو أقل، يقول أحمد كاتيم « إن هذه القضية قد طال أمدها ولا يمكن أن يستمر هذا الميز الذي مورس في حقنا «، وكاتيم هو أحد رواد هذه المعركة منذ عقد التسعينيات من القرن الماضي وأحد مؤسسي جمعية السككيين.
وكانت الشركة الوطنية للسكك الحديدية قد ضمت إلى صفوفها ألفي عامل مغربي بموجب اتفاقية بين المغرب وفرنسا، وهي اتفاقية تنص على المساواة في الحقوق والمعاملة مع زملائهم الفرنسيين والتي وقعت في بداية عقد السبعينيات.
«أحب العمل بالشركة الوطنية للسكك الحديدية، لكن الفرق كان كبيرا بيني وبين زملائي، وهو الأمر الذي أريد أن يتم تعويضي عليه» يقول عبد الغني الأزهري الذي يبلغ من العمر 67 سنة لوكالة الأنباء الفرنسية، والذي كان يعمل في التوقيت الليلي.
وتقول محامية هؤلاء العمال كليلي دو ليسكين جوناس «إن 100 في مئة من الذين رفعوا الدعوى ظلوا في نفس الدرجة وهي «عون منفذ» دون أن يستفيدوا من الترقية باستثناء الذين طلبوا الجنسية وتخلوا عن الأقدمية في العمل». وتنفي الشركة الفرنسية أي ميز في هذه القضية، وترد أن عمال السكك الحديدية الفرنسيين والأوربيين الذين تقل أعمارهم عن 30 سنة استفادوا من صندوق تقاعدي محدد، أما الذين كانوا يعملون بعقد خاص فلم يكن من حقهم ذلك. وفي ذلك إشارة إلى العقود التي كانت تشغل بها هذه الشركة هؤلاء العمال المغاربة حتى لا يستفيدوا من الصناديق الاجتماعية المهمة وكذا إجبارهم على توقيع عقود مؤقتة طيلة حياتهم المهنية، وهو ما يتعارض مع القانون الفرنسي.
أحمد كاتيم، أحد مؤسسي الجمعية ورئيسها، عبر عن فرحته باستمرار عزيمة السككيين، خاصة عندما يتذكر بداية المعركة نهاية عقد التسعينيات، حيث كان أغلب السككيين لا يعيرون اهتماما لها، إضافة إلى خوفهم من مواجهة هذه الشركة الفرنسية العملاقة. وكيف أصبحت هذه المعركة ممكنة اليوم بعد أن كان عددهم في البداية لا يتجاوز 10 أفراد. السككيون المغاربة أو من أصل مغربي يتابعون اليوم الشركة المشغلة بتهمة الميز، فلماذا هذه المتابعة ؟
في الوقت الذي كان زملاؤهم الفرنسيون الذين يقوم بنفس العمل يحصلون على التقاعد في سن 55، كان السككيون المغاربة ولعدم توفرهم على الجنسية، يحصلون عليه حتى سن 65 سنة، رغم أن القانون الفرنسي يعترف بأن العمل بالسكك الحديدية هو عمل شاق، كما أن القانون الفرنسي والأوروبي ينص على المساواة في العمل، سواء بالنسبة للفرنسيين أو الأجانب.
هذا، وبلغت قيمة التعويضات التي أقرها قانون الشغل سنة2015، 200 ألف أورو لكل عامل في المتوسط، وإذا أكدت محكمة الاستئناف الفرنسي الحكم في يناير 2018 فإن الفاتورة ستصبح أكبر بالنسبة لهذه المقاولة العمومية، كما أنهم يطالبون بالتعويض المعنوي جراء هذه الإهانة التي تعرضوا لها.
وعقدت عدة جلسات أمام قضاء الشغل بباريس والتي تمس عدة مجموعات لملف يضم 800 سككي يتابعون الشركة ( وكان هناك 1200 ملف أمام محكمة الشغل) بالميز، في ملف شائك ومعقد. هذا الملف الذي يمس العديد من المهاجرين الشيوخ الذين يطالبون بحقهم في المساواة ومعاملتهم مثل زملائهم الفرنسيين، خاصة أنهم قاموا بنفس العمل ونفس الجهد ومنهم من أصبح يتوفر على الجنسية الفرنسية، وسبق لمجموعة أخرى أن فازت بهذا الرهان أمام القضاء مثل عمال المناجم الفرنسية بالشمال من المغاربة وكذلك قدماء المجندين بالجيش الفرنسي، الذين حصلوا على زيادات في تعويضاتهم رغم أنها لا تضاهي تعويضات زملائهم الفرنسيين.
كما أن هؤلاء العمال كانوا ضحية كل أشكال الميز، خاصة عدم استفادتهم من الترقية داخل المقاولة وكل الامتيازات التي يمنحها العمل داخل هذه الشركة التابعة للقطاع العمومي الفرنسي.
وذكر لنا أحمد كاتيم، وهو أحد قدماء العمال ورئيس جمعية السككيين بأن أغلب النقابات الفرنسية لم تساندهم في هذه المعركة باعتبارهم أجانب، كما أن النقابات الكبرى مثل «السي جي تي» تجنبت هذا الملف لكي لا تدخل في خلاف مع أغلبية العمال الفرنسيين الذين لا يهمهم الدفاع عن حقوق الأجانب، وكذا تجنب أي خلاف مع الشركة المشغلة، من أجل إعطاء الأسبقية لمكاسبهم، حسب نفس المصدر.
و باستئنافها هذا، تخاطر شركة السكك الحديدية بتعرضها لأداء تعويضات أكبر، حسب دفاع السككيين الذين لم يفهموا هذه المغامرة التي قامت بها الشركة والتي سبق للقضاء الفرنسي أن اعتبر في حكمه الابتدائي أن ما قامت به هو ميز ضد هؤلاء العمال المغاربة.
أحمد كاتيم، رئيس الجمعية، عبر عن تفاؤله بالانتصار في هذه المعركة ضد شركة السكك الحديدية، رغم أن هذه الأخيرة تحاول ربح الوقت، وأضاف «نحن سوف نستمر حتى ولو وصلت القضية للمجلس الأعلى»، كما طالب بمساندة السلطات المغربية لهم في هذه المعركة، خاصة وأن اتفاقية اليد العاملة بين البلدين والتي مازالت سارية تؤكد على «عدم الميز ضد العمال بين الجانبين»، وهي الاتفاقية التي لا تحترمها الشركة الفرنسية التي اختارت عوض ذلك استئناف الحكم وربح الوقت.


الكاتب : باريس: يوسف لهلالي

  

بتاريخ : 17/05/2017