انهيار أسطورة الطهرانية الأخلاقية

عبد السلام المساوي

 

عن تقاعد بنكيران، قال الكاتب الأول الاستاذ إدريس لشكر «المنظومة الأخلاقية التي بَنى عليها هذا الحزب مكاسبه السياسية، تتناقض مع تصريحاته الأخيرة، وعلى حزب العدالة والتنمية مراجعة كبرى بعد هذه التصريحات الأخيرة، وكيف لهذا الرجل أن يحتفظ بتقاعده كبرلماني في الوقت الذي يمنعه عن البرلمانيين !»
إن هذا المسعى المتناقض بدا واضحا في سلوك بنكيران منذ البدايات المبكرة، إذ لم يكد حبر كلمات خطاباته وشعاراته في الحملة الانتخابية يجف، حتى انقلب على كل شيء!
أنا ممن يؤمنون بفساد الرؤية العامة للإسلاميين، وأراها تتحمل عبء إخفاقهم وفشلهم… ولا أرى الإخفاقات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، التي سجلت بحق تجربتهم إلا انعكاسا لفساد هذه الرؤية… أو لنقل إنها الدم الفاسد الذي بثوه في برامجهم، فسرى بأوصال المجتمع المؤسسية حتى أصابها بالمرض ….
تناقضات الخطاب الإسلامي، هي التي هزت كرسي الإسلاميين. فهو تارة، خطاب فيزيقي يمارس السياسة بمكر وبرغماتية، ويدير تحالفاتها وصراعاتها الشرسة المنفلتة من عقال الأخلاق… وتارة أخرى، هو ميتافزيقي يحلق في عالم المثل ويأخذ مريديه إلى جنات السموات، يمارس الخطابة في المساجد والشوارع ويخضع المطلق والثابت والله لبرنامجه المعروض سياسيا…
في حكاية التقاعد الاستثنائي البنكيراني، تفاصيل أكبر بكثير من مسألة الحق في استفادة رئيس حكومة سابق من التقاعد… وهي أيضا أعقد بكثير من أن تكون قضية صراعات سياسية كما يدعي مريدو بنكيران وعلى رأسهم البوقرعي… في الحقيقة ثمة فكرة أساسية؛ لا يمكن أن تستفيد بمزايا الريع، بينما تحرص على أن تجني عائدات وفوائد المحافظة الإيديولوجية في الدين والسياسة …
إن محاربة الفساد والريع، كان استراتيجية دعوية، راكمت الأعضاء المتعاطفين والعشرات من الجمعيات النووية، التي تدور في فلك الجمعية الأم المسماة التوحيد والإصلاح، ليس في أحياء الصفيح فقط، ولكن أيضا في معاقل الطبقة الوسطى..
لذلك لا يستقيم أن نقف اليوم، مع الذين يتباكون على الازدواجية في الخطاب والسلوك… لقد تبين مرة أخرى أن الذين صدموا، عن حسن نية، بالتقاعد البرلماني الاستثنائي البنكيراني، لم يفعلوا ذلك لأن بطله خصمهم الإيديولوجي، ولا لأنه هدفهم السياسي.. صدموا فقط، لأن هناك تناقضا في السلوك الأخلاقي لحراس الدين الجدد…
ويصعب على المتتبع، حتى ولو حاول أن يدرج في التحليل ادعاءات عناصر السياق السياسي المتآمر، أن يستوعب هذا الانقلاب بين خطاب أخلاقي برمزية دينية وإيديولوجية دعوية، وبين الاغتناء بالمال العام… وهذا يطرح سؤال النزاهة الفكرية والصدق السياسي…
والصدق السياسي مطروح، لأنه لا يمكن استعمال الدين والطهرانية الأخلاقية قناعا ووسيلة للتمويه والتخدير وقرصنة الأصوات في الانتخابات…
إن النزاهة الفكرية موضوعة فوق طاولة النقاش، أيضا، إذ كيف يمكن أن تحدثني بخطابين رمزيين مختلفين، وكيف يمكن أن تقنعني بسلوك يتناقض مع شعاراتك الانتخابية، دون أن تكون قمت بالضروري من المراجعات والقراءات النقدية لذلك العبور من هذا الخطاب إلى ذاك.
وليست حكاية التقاعد الاستثنائي البنكيراني وحده، ما يدفع إلى التحليل النفسي والفكري والأخلاقي لظاهرة الازدواجية هاته، ففي تجربة الإسلاميين الكثير من الانزياحات عن المصرح به الأخلاقي، وكثير من التمزقات الداخلية للانعتاق من المكبوت الاجتماعي …
وبعض الإخوان تبدلت تماما بنياتهم الاجتماعية من عائدات السياسة، ولذلك من الطبيعي أن تتغير ذهنياتهم وأذواقهم ..
وهذا على كل حال حق مشروع، لكن فقط ينبغي ممارسته بوضوح، حتى لا يصبح تمزقا سياسيا وإيديولوجيا، كالذي نعيشه في حكاية التقاعد البنكيراني هذه الأيام، وعشناه في حكايات يتيم، ماء العينين، الشوباني وسومية، باحماد وفاطمة النجار…

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 20/02/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *