آلة قياس الألم

 

لا تفكر كثيرا في كل الحروب والهزائم
فكر فقط في تلك التفاصيل الصغيرة
التي تقاس بمقياس الحياة بعد الموت
ويسميها الراسخون في الحلم
آلة قياس درجات الألم
مثلا:
وأنت تقرأ خبر نعيك في صفحة الوفيات
توقف قليلا عند جملة «كان رحمه الله..»
وتأمل كيف يكتمل النقصان بكمال رحمة الآلهة..
ثم ارم أوراق الجريدة بعيدا
وانظر إلى الموت بعينين جامدتين
ولاتنس أن تلبس قفازاتك السوداء
قبل أن تضع يدك في تلك الحفرة
التي يسميها الأحياء عادة النسيان
انتشل كل ذكرياتك البعيدة
والصور الهاربة لكل اللحظات
التي عبرتها مثل قطار متعب
لم يصل يوما إلى محطته الأخيرة
قد تسحب أصابعك عقاربَ أو أفاعي
أو خفافيش ملتصقة بجلدك ودمك
ضع كل ذلك جانبا وتفقد يدك
تجد ظهرها موشوما برسوم غامضة
قد تذكرك بجدران معبد قديم
أو بلوحة كانت معلقة على جدار ..
قد تحزنك الذكرى الثانية رغم موتك
الجدران في الغالب تذكر بقصص الحب
خاصة حين تعلق عليها لوحات فنية
تغرب الشمس في أفق ألوانها الباهتة
اقلب يدك وتأمل كفك الممهورة بالخرائط
ستضيع للحظة بين شتى الطرقات
طرقات الطفولة والصبا والكهولة و…
قد تتداخل الطرقات المزروعة بالفرح والألم
إلا طريق واحد تحس بنبضه يسري إلى قلبك..
هو الطريق الذي حفرته سنين عمرك نحو موتك..
قد يسكنك الندم مثل ضيف طارئ
أو يسكنك الألم مثل مسمار صدئ
لكنك ستبتسم حين تتذكر أنك
الآن ميت غادرتك أطياف الإحساس
وحل مكانها سكون رهيب يشبه المقبرة
وحتى لا تضيع وراء أفكارك السوداء
تذكر أن الحفرة التي أدخلت يدك فيها
هي مسكنك الذي تطل منه على نفسك
وأن الذي حفرها لم يكن يدرك أن يدك
ستتحول بعد موتك لآلة لقياس الألم
وأنها لم تعد تبالي بكل هذه الحروب والهزائم
التي أصبحت هما يشغل بال العالم ولا يشغلك


الكاتب : علي أزحاف

  

بتاريخ : 22/02/2019