الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي يوجه من طنجة رسائل سياسية بخصوص الوحدة المغاربية إدريس لشكر: نجدد نداءنا التاريخي للترافع السياسي والمؤسساتي لتقريب وجهات النظر وحلحلة الأوضاع خدمة للمصالح الحيوية لشعوبنا

الإعلان من طنجة عن الميلاد الرسمي لشبكة الأحزاب الديموقراطية بشمال إفريقيا

 

جدد الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر، التأكيد على أن الاتحاد الاشتراكي يواصل بكثير من الوعي والإرادة انخراطه في المشروع الجماعي القائم على «الدفاع عن قيم ومبادئ خصوصية التاريخ السياسي والاجتماعي لكل بلد، وعلى الوحدة الترابية والوطنية لكل بلد، والعمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والتقدم والنهوض الحضاري، ومحاربة الفقر والتخلف والانغلاق السياسي والثقافي والتطرف، ومناصرة القضايا العادلة للشعوب».
وأضاف في كلمة له، خلال اللقاء التشاوري لشبكة الأحزاب الديمقراطية بمشاركة أمناء عامين ورؤساء وممثلي 14 هيئة سياسية من المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر وموريتانيا، المنعقد يومي 23 و 24 فبراير الجاري، بطنجة، أنه «لا حاجة للتذكير بأن المنطقة المغاربية، والشمال إفريقية، عموما، في حال اندماجها، ستصبح أول اقتصاد في القارة الإفريقية، وأول قوة ديمغرافية وعسكرية، سيكون لها التأثير الكبير في الفضاء الأرومتوسطي وفي علاقات جنوب – جنوب»، موضحا أن «استمرار إغلاق الحدود يضيع نقطا مهمة في سلم النمو ويبدد فرصا هائلة للتقدم الجماعي…».
وتوج هذا اللقاء التشاوري، الذي نظم بدعوة من حزب الأصالة والمعاصرة، بالإعلان رسميا عن ميلاد شبكة الأحزاب الديمقراطية بشمال إفريقيا، وتمت خلاله المصادقة على الأرضية السياسية لشبكة الأحزاب الديمقراطية بشمال إفريقيا، والتي حددت مجموعة من التحديات والقضايا ذات الأبعاد المشتركة والمتقاسمة، والتي أوصت «الهيئة المؤقتة العليا للتنسيق»، المشكلة من قادة الأحزاب الديمقراطية في شمال إفريقيا، بمعية الفرق الفنية التي ستتشكل من أطر هذه الأحزاب، بفتح ورش التفكير الجماعي المشترك بغاية الإحاطة بأقصى ما يمكن من خيوط نسج تشبيك حزبي وطني تقدمي ديمقراطي اجتماعي حداثي، فاعل ومستدام.
انظر نص كلمة الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إدريس لشكر

 

الأخ والصديق الأعز حكيم بنشماش، الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، لكم مني ومن قيادات ومناضلي الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وافر الشكر على جميل اهتمامكم. فقد مكنتم حزبنا من موقع الشريك في إعداد وتحضير وإنجاح هذه اللحظة المفعمة بمزيج من الوفاء للتاريخ، والتطلع إلى المستقبل، وكبير الامتنان لكم، لأنكم شرفتم التزاما سبق أن ضربتموه كحزب في المنستير التونسية باحتضان هذه الدورة من لقاءات شبكة الأحزاب الديمقراطية في منطقة شمال إفريقيا، وبذلك تعطون النموذج في الوفاء بالالتزامات والحفاظ على انتظام دورية الاجتماعات والحرص على استمرار وتطور الإطار الذي يجمعنا .
إخواني ورفاقي الأفاضل، قادة ورؤساء ووفود الأحزاب والمنظمات الديمقراطية في شمال إفريقيا، كل باسمه وصفته، إنه لمن دواعي الاعتزاز أن نرحب بإخوتنا من ليبيا والجزائر وتونس وموريتانيا ومصر بين ظهرانينا وفي بلدهم الثاني: المملكة المغربية، وأن نحيي الحضور المهم لأحزابنا الوطنية، وأن يتجدد اللقاء في مدينة طنجة بكل رمزية المكان، حول مائدة تداول وحوار أخوي يربط ماضينا الوحدوي الممتد إلى عمق التاريخ(60 سنة على مؤتمر طنجة 1958)، بما نطمح إليه وما تفرضه علينا هويتنا الديمقراطية وما تطرحه التحديات الحالية والمستقبلية.. .
إخواني، أخواتي،
بكثير من الوعي والإرادة، يواصل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية انخراطه في مشروعنا الجماعي هذا، مشروع الدفاع عن قيم ومبادئ، خصوصية التاريخ السياسي والاجتماعي لكل بلد، الوحدة الترابية والوطنية لكل بلد، العمل من أجل الديمقراطية وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية والمساواة بين الجنسين والتقدم والنهوض الحضاري، ومحاربة الفقر والتخلف والانغلاق السياسي والثقافي والتطرف، ومناصرة القضايا العادلة للشعوب وفي طليعتها وأولويتها الدائمة القضية الفلسطينية وحق الشعب الفلسطيني الذي لا يمكن أن يطاله التقادم في دولته المستقلة.
لقد كانت البذرة الأولى ذات لقاء أخوي، جمع إخوة جزائريين وماليين وتونسيين ومغاربة وليبيين منتسبين لأحزاب ديمقراطية، بالجزائر العاصمة في ضيافة المؤتمر الوطني الخامس لإخواننا في «التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية «، وكان أقوى ما ورد فى بيان الجزائر، أن مبادرة تنسيق وتجميع القوى السياسية الديمقراطية، التقدمية والحداثية بمنطقة شمال إفريقيا «تفرضها متطلبات تاريخية واعتبارات سياسية تزداد تداعياتها الجيوسياسية إلحاحا يوما بعد يوم «، كما قال البيان بحاجة المبادرة إلى «إطار ذي مصداقية وعملي «.
ثم جاء لقاء المنستير بالجمهورية التونسية أيام 14 و15 أبريل 2018، في ضيافة إخواننا في حركة مشروع تونس، لقاء ثمن بيان الجزائر، وعدد من خلال إعلان المنستير مجالات الاهتمام ووسائل العمل المشترك، وتقرر خلاله تشكيل «هيئة تنسيق عليا مؤقتة» من الأمناء العامين للأحزاب، ضاربا كموعد لاحق اللقاء في طنجة، على أن يظل الباب مفتوحا في وجه كل القوى الديمقراطية، التي تجد نفسها في ما خطته شبكة الأحزاب الديمقراطية في شمال إفريقيا لحد الساعة من منطلقات وغايات.
إخواني، أخواتي ،
لقد هبت رياح كثيرة على منطقتنا في العشرية الأخيرة بشكل وعنف وسرعة غير مسبوق في تاريخ المنطقة، بحيث تغيرت أنظمة، وتفتتت دول، وعمت فوضى السلاح، واختلطت تجارة وتهريب المخدرات والبشر والسلاح في الساحل والصحراء الكبرى، واستفحلت الهجرات..
لقد كان للرياح العاتية التي هبت، وقع كبيرعلى مستوى الاستقرار وعلى مستوى التحول السياسي، إذ حيثما لم يقع الاتفاق على تحول سياسي دستوري وديمقراطي وهادئ، فإن اللااستقرار يصبح سيد الموقف، وقد يبلغ الشتات مداه، بتصويب أبناء الشعب الواحد فوهات بنادقهم إلى صدور بعضهم.
لقد اختار كل قُطر من أقطارنا سبيله إلى معالجة ارتدادات مرحلة عصيبة من تاريخ منطقتنا، ونحن نعتقد صادقين، بأنه رغم انشغالاتنا القطرية الضاغطة، فإن إخواننا وأشقاءنا الليبيين، يستحقون منا أن نطلق حملة مدنية واسعة، لدعم الانتقال السياسي الديمقراطي في الشقيقة ليبيا.
عندما كانت حناجر الشباب العربي تصدح بشعارات الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، فقد كانت تخاطب سلطات/دولة، وستظل المجتمعات والشعوب ترفع شكواها ومطالبها لسلطات دولها…لأن الدولة وحدها، كجامع وطني، بإمكانها إيجاد الأجوبة الناجعة للأسئلة المطروحة، باعتبار ما تتوفر عليه من سلطات وصلاحيات ووسائل. إن الدولة القوية العادلة وحدها القادرة على تحقيق المجتمع المتضامن، المزدهر والمتقدم، والوطن الموحد، المستقر والآمن. إن التجربة المريرة والقاسية التي مرت وتمر منها بعض أقطارنا، تجعلنا ننبه إلى المآسي التي تنتج عن تفكك بنيان الدولة.
إخواني، أخواتي ،
ونحن نلتقي في طنجة، التي تستحق لقب عاصمة العمل المدني بشمال إفريقيا، لارتباطها بلحظة التأسيس، لانطلاق العمل المشترك المنظم بين الأحزاب الديمقراطية في شمال إفريقيا، ولو أن الأمر اقتصر على ثلاثة أحزاب من الجزائر وتونس والمغرب….ويحق لنا الاعتزاز اليوم، بتوسع الفضاء الجغرافي وتوسع رقعة المشاركة، فإن واجبنا الأدبي والأخلاقي تُجاه تاريخنا، يحتم علينا أن نعيد استلهام الروح الوحدوية لتلك البذرة الأم، ونفسه واجبنا الأدبي والأخلاقي والسياسي تُجاه شعوبنا وبلداننا يحتم علينا الانخراط في روح عصرنا، بكل ثوراتها العلمية والرقمية وتحولاتها القيمية والجيوسياسية، بروح وهوية ديمقراطية، اجتماعية حداثية، وبأساليب وأشكال تأطير وتأثير متجددة.
إخواني، أخواتي
لقد كان المغرب على لسان جلالة الملك محمد السادس، واضحا وصادقا، وهو يدعو الأشقاء في الجمهورية الجزائرية، إلى حوار أخوي مباشر بدون وساطات، ينتصر للمشترَك التاريخي، ويصطف إلى جوار المنفعة الجماعية والمتبادلة التي ستجنيها بلداننا وشعوبنا من تعاونها وتكاملها وتضامنها .
إنه لا حاجة للتذكير، بأن المنطقة المغاربية وشمال إفريقية عموما، في حال اندماجها ستصبح أول اقتصاد في القارة الإفريقية، وأول قوة ديمغرافية وعسكرية، سيكون لها التأثير الكبير في الفضاء الأرومتوسطي وفي علاقات جنوب-جنوب، وفي المنتظم الدولي عموما، ولا حاجة للقول بأن استمرار إغلاق الحدود يضيع نقطا مهمة في سلم النمو، ويبدد فرصا هائلة للتقدم الجماعي، ولا حاجة لتكرار القول بأن عالم اليوم، هو للتكتلات والتجمعات وللربح المشترك، ولاحاجة لإعادة التأكيد على أن شعوبنا وبلداننا ودولنا مازالت، رغم مرور ما يفوق النصف قرن على «استقلالها»، بحاجة ماسة لأن تتكامل وتندمج ممكناتها البشرية والجغرافية والثقافية والاقتصادية والتقنية لإنتاج سياسات عمومية أخرى، تحقق الرفاه والازدهار والتحرر والكرامة والديمقراطية التي تستحقها شعوبنا…
لاحاجة للتذكير بذلك، مادام الواقع، في بعده الاجتماعي على الأقل، يقول بأن منطقة بمثل المؤهلات التي تزخر بها أرض وسماء وماء بلداننا، كان بإمكان أوضاع شعوبها أن تكون أفضل .
إن الألم يعتصرنا، ونحن نطلع على تقييمات وتقديرات المؤسسات والهيئات المالية والسياسية الدولية بخصوص منسوب ومفعول الاندماج بين البلدان المغاربية في غير ما مناسبة، دعوني أذكر آخرها، وهو دراسة أجراها البنك الدولي مؤخرا تحت عنوان «الاندماج الاقتصادي في المغرب العربي، مصدر للنمو، لم يستغل بعد « وخلصت إلى أن «منطقة المغرب العربي لا تزال الأقل اندماجا على مستوى العالم، حيث تبلغ تجارتها البينية أقل من 5% من التجارة الكلية بين بلدان المغرب العربي، وهي نسبة أقل بكثير من المستوى المسجل في كل التكتلات التجارية الأخرى حول العالم» .
إننا في الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إذ نجدد نداءنا التاريخي الذي أطلقناه من مدينة وجدة يوم 7 دجنبر 2018 لإخواننا الجزائريين، نأمل أن يشتغل إطارنا المدني هذا على موضوعة التعبئة والتبادل الثقافي والاجتماعي والترافع السياسي والمؤسساتي لتقريب وجهات النظر وحلحلة الأوضاع، خدمة للمصالح الحيوية المشتركة لشعوبنا وبلداننا.
إخواني، أخواتي
إنه بقدر وعينا بأن تحولات العالم الجارية( المد اليميني واليميني المتطرف، الصعود الشعبوي، الخطاب الهوياتي المنغلق، العنف كمعطى مركزي لفض النزاعات، التوحش الليبرالي اقتصاديا، الثورة الرقمية وتغير وسائل الاتصال والتأثير والتأطير …) قد حدت وتحد من الجاذبية الاِنتخابية لرسالتنا الديمقراطية الاجتماعية والتنويرية التحديثية، فإن حاجة الكون إلى روح تحميه من أن يتحول إلى آلة باردة لطحن الضعفاء ، وحاجة الإنسانية إلى مجتمع متوازن ومنصف ومستدام…تجعل من رسالتنا الإنسانية والكونية ضرورة للبشرية، ضرورة لتعميم وتوطين فضلى القيم والمثل والمبادئ واجتثاث الضار منها. إننا مدعوون كما فعل الآباء المؤسسون، إلى أن نكتب نصيبنا من صفحات دفتر الحضارة، بمزيد من النضال والتضحيات والإبداع والاِبتكار والصبر والمثابرة…وما ذلك على أحزابنا الوطنية الديمقراطية بعزيز، وما ذلك على شعوبنا بعزيز.
شكرا لكم على حسن إصغائكم، ومتمنياتي الصادقة بمقام طيب لضيوف المغرب الكبار، وبالتوفيق والنجاح لتظاهرتنا المهمة هذه.


بتاريخ : 25/02/2019