المنتوج التلفزيوني الوطني غير قابل للتصدير وحدوده الجغرافية لا تتجاوز تراب المغرب..

غياب أطر مؤهلة في مجال التسويق الفني من اسباب فشل الدراما الوطنية، واللغة الدارجة ليست عائقا حقيقيا أمام الذيوع والانتشار، وإقبال كبير على المنتوج الفني المغربي من قبل المشاهدين بالجارة الشقيقة الجزائر، والدبلجة تخدم السياحة التركية أكثر من الجانب الثقافي
والفني ببلد أتاتورك

 

كم عدد المسلسلات التلفزيونية والسيتيكومات ذات الإنتاج المغربي سواء على القناة الأولى أو القناة الثانية التي تمت عملية دبلجتها من الدارجة المغربية إلى لغات أو لهجات أخرى كالمصرية الشامية والكورية والمكسيكية أو الهندية وغيرها من اللغات؟ إذا كان الجواب صفر، إلى متى نصرف الملايين من دافعي الضرائب على منتوج سمعي بصري لمجرد الحفظ على الرفوف ؟ ثم إلى أي حد تساهم عملية الدبلجة التلفزيونية للمسلسلات غير المغربية كالمكسيكية والكورية باختلاف تيماتها المستمدة من ثقافتها وواقعها المجتمعي في تمزيق اللغة العربية وتهجين ناشئتنا؟ وماهي كوابح هذا العمل الثقافي التواصلي الذي يمنع اقتحام منتوجات التلفزة المغربية حقول مشاهدين أجانب؟ وبالتالي توقف عجلة الاقتصاد الفني خارج الحدود والاكتفاء بالدوران حول نفسها؟ أسئلة وغيرها مفزع ومريع تم تداولها على منصات تواصلية بغيرة شديدة، وغصة نابعة من القلب وتطلع كبير نحو الأفضل.
كانت الطالبة(ح. ش) تتحدث إلينا بلامبالاة وثقة كبيرتين لكي لا تجعلنا نحس بصدى الخيبات المتتالية التي يتجرع طعمها المشاهد المغربي حين طرحنا الأسئلة وترادفت الأجوبة. «الصراحة – تقول الطالبة -أنا أيضا كنت أطرح الأسئلة نفسها، لكن كما جاء في حديثك ففشل الدراما أو الأعمال الفنية المغربية يعزى بالأساس إلى غياب التسويق الإعلامي الضخم لهذه الأعمال، أما اللهجة، فهي لا تشكل حاجزا أمام هذا الأمر، فقبل يومين، وجدت في إحدى المجموعات العربية فتاة أظنها مصرية أو لبنانية، تقول بأنها تعشق المغرب من خلال أعمال فنية ك»رمانة وبرطال» و»حديدان» و»عيشة الدويبة» … وقالت المتحدثة إن هذا النوع من الأعمال الفنية لا يوجد إلا في المغرب، وهو مشوق ومتقن، وقد تجاوب معها أعضاء المجموعة، وأصبحت لديهم الرغبة في الاطلاع على هذه الأعمال الفنية المغربية».
أما الدكتور حسن محب أستاذ جامعي، فيرى أن المشكل يكمن في تثمين المنتوج الوطني وترويجه والتعريف به، فيقول « أستاذي الفاضل، اللغة المغربية في هذا المجال، ليست عائقا، فهناك الدبلجة، والترجمة، فالأفلام التركية محبوبة في المغرب،لأنها دبلجت،ولا أظن حتى عامل الجودة، فهناك مسلسلات مغربية جميلة، قد تفوق غيرها من المسلسلات الأجنبية، كمسلسل «حديدان» و»وجع التراب» وغيرها، ولكن أرى المشكل في تثمين هذا الإبداع وترويجه والتعريف به، والمشكل عندي أكبر من ذلك، لأننا صدقنا وهم مقولة مطرب الحي لا يطرب، ومن يطرب إذا لم يطرب من يتكلم لغتنا ويعرف مكنونها وعمقها الوجداني «
من جانبها تدلي ذة حكيمة العطيوني مبدية رأيها في النقاش بثقة مفتوحة على الكامل»في رأيي البسيط، اللهجة لا تعتبر عائقا أمام أي عمل فني في أي مجال كان. ومن الواجب علينا إشهارها، وفرضها كما فرضت علينا غيرها، واستهلكناها مثل ما هي. لهجتها هي ثقافتنا، ولا نريد لها بديلا غير اللغة العربية طبعا. وما نعانيه اليوم في ساحاتنا الأدبية والفنية لاعلاقة له باللغة، بل بالجودة والمضمون وفن التسويق»الذي نفتقده جملة وتفصيلا». وتضيف ذة حكيمة «استهلكنا المنتوج المصري، حتى أصبحنا نتقن لهجات الشرق. واستهلكنا المنتوج الأوربي حتى أصبحنا نتقن اللغة الفرنسية. واستهلكنا الأغاني الهندية حتى أصبحنا نتغنى بها وراء الأشجار. هم قدموا أعمالهم بلهجاتهم، ونحن قبلنا بها كما هي « فالمشكل فينا وليس في اللغة «.
رجل التربية ذ: محمد بولحفة من جهة الشرق يدعم رأي ذة حكيمة العطيوني، ويرى هذا الإطار التربوي أن المشكل يكمن في غياب كفاءات ذات خبرة في مجال الماركوتينغ، وتهميش مسؤولين وأطر أكفاء مؤهلين بما يكفي من التقنيات الحديثة في مجال تسويق المنتجات الاستهلاكية المختلفة، لا سيما منتوجنا، الفني الغني والمتميز.. للإشارة يضيف ذ بولحفة، فمعظم الإخوة في الجزائر الشقيقة، يتابعون المسلسلات المغربية بشوق، وقد أكدوا لي هذا بل الأكثر هو أن لهجتنا تطربهم ويقلدونها في حديثهم».
ويدعم هذا الرأي الناشط التواصلي ورجل التربية ذ خالد صنهاجي كبابي بقوله «في اعتقادي، المسألة تتعلق بتسويق المنتوجات كانت فنية أو غيرها. مؤكدا في السياق ذاته وجوب تكوين وإعداد هيئات من صميم اختصاصها تسويق المنتوجات الفنية كلها بنفس القدر الذي تشتري به منتوجات دول أخرى».
أما طالبة شعبة الإعلام والتواصل بالجامعة عيادة جعوني، فترى أن الغایة الأساسية للإنتاجات الترکیة حسب رأيها المتواضع، هي التعریف بممیزات البلد، خاصة الثقافة الشعبیة والسیاحة والتجارة، لا عجب عندما تجد عشاق المسلسلات الترکیة علی درایة بأبرز المناطق السیاحیة بترکیا، إضافة إلی الطلب المتزاید علی الأزياء الترکیة، خاصة الأزیاء النساٸیة، في حین تظل الأعمال المغربیة رهینة التقلید».
أما الأستاذة منار كريمط فتلقي باللائمة على المجتمع بجميع مكوناته فترى أن المسؤولية هي مسؤولية المجتمع ككل، فهي متضاربة ومتداخلة بين دور وزارة السياحة ووزارة الثقافة والمسؤولين على المشهد السمعي البصري بجميع تلويناته، رجال الأعمال في البلد خاصة، كما أن دور المستثمرين في مجال السياحة له أهمية أيضا في دعم الإنتاجات التلفزية والسينمائية والرفع من إمكانياتها المالية، بعقد شراكات في هذا المجال للرقي بجودة الإنتاجات، ولكسب أكثر مشاهدة ممكنة، ليتمكنوا بذلك من الترويج لمنتوجاتهم السياحية من خلال المشاهد المصورة بمختلف المناطق السياحية بهذا البلد الجميل الغني بتراثه ومآثره….فتكون المنفعة متبادلة…»
من جانبها تؤكد ذة أمال تايكي علوي على أهمية الموضوع وترى أنه يستحق نقاشا أعمق، لأنه فعلا يؤلمنا ما وصلت إليه برامجنا الفنية من تدهور. وتعتقد السيدة تايكي علوي من البيضاء أن معظم الإجابات كانت ضمن المحور المطروح . أما عن رأيها فتعتقد أن قلة الإمكانيات هي السبب الرئيسي في فشل أي عمل فني، و عدم الإقبال عليه كمنتوج محلي. وحتى المستوى الثقافي له دور في هذا الفشل. والدليل على ذلك – تضيف ذة أمال – حتى الإنتاج الفني المصري تدهور في الآونة الأخيرة. من منا لا يتذكر ليالي الحلمية رأفت الهجان ؟بوابة الحلواني ؟ من منا لا يتذكر أسامة أنور عكاشة؟ من منا لا يتذكر الأستاذ نجيب محفوظ العقاد؟ طه حسين. الجودة تحتاج إلى كتاب من المستوى الرفيع إلى مخرجين لهم إلمام بالإخراج. وبعد ذلك يأتي دور الممثل الدارس في معهد الفنون. ورغم توفر جميع هذه العناصر فالعمل الناجح يحتاج إلى دعم مادي كبير. (للإشارة فقط هناك بعض الأعمال الفنية المحلية نالت إعجاب المغاربة، ولكنها معدودة على رؤوس الأصابع للأسف)..
حبيبة شاري تقول بنبرة واثقة كما لو كانت تحس باشمئزاز غريزي تجاه المنتوج الفني في الجزء الكبير منه، شخصيا لا أشاهد القنوات الفضائية لا المحلية ولا العربية. ومع ذلك لا زلت على قيد الحياة
محمد جرموني يختم النقاش معلقا « طبعا لسنا الأفضل، بالمقابل، هناك صنف آخر يساهم في تعطيل نمو هذا الحقل الفني والثقافي ويسمه بالفشل والعقم، ويقدم المتحدث نماذج يرىأنها تجسيد حقيقي لخيبات السمعي البصري بالمغرب، وهي: ممثل أصبح مخرجا، مغني أصبح ممثلا، شخص فيه عاهة ما أصبح ممثلا، كثرة البكاء والشكاوى وضعف ذات اليد، بؤس وفقر ومن عدد من الممثلين، حتي أصبح المشاهد يشمئز من مشاهدة التلفيزيون لإطلالة بعض بؤسائه موسميا كبوابة للاستعطاف واستدرار الشفقة ليس إلا ..
يتبع ¾


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 04/03/2019