في الحاجة إلى مقاربة حميمة لأعطاب الحراك الدرامي الوطني

أثارت موجة الأسئلة التي نشرتها الجريدة بخصوص ضحالة المنتوج الدرامي المغربي، لا سيما الرمضاني منه، وعدم قدرته على تجاوز الحدود الجغرافية للبلد الكثير من ردود الفعل سلبا وإيجابا، وهذا وضع صحي على كل حال لأن الردود والتعليقات كيف ما كانت حدتها، هي بالإساس مواقف تعكس وعيا حقيقيا من قبل المشاهد بضرورة معالجة أعطاب الحراك السينمائي والمسرحي بالمغرب، لا سيما الجانب المتعلق بالمسلسلات والسيتكومات وبعض الأعمال الدرامية الموسمية الغير قابلة للهضم . ولعل الجميع يعتقد اليوم أن العطب كامن في تضييع عجلة الإبداع لدورها المجتمعي الحقيقي في التنمية الجمالية للمغاربة قيما وسلوكا، علما أن الفن والأدب والسينما بالمغرب وجدوا أصلا ضمن مسار تصاعدي للوعي الوطني والوعي الحضاري للمغاربة بعد صدمة الحداثة. نقول ذلك وأغلب المقاولات الرمضانية للموسم الجاري شرعت منذ شهور في سباق محموم للفوز بصفقات المستشهرين من خلال التحضير لأعمالها تصويرا وإخراجا في أفق وضع المنتوج جاهزا أمام شاشات العرض رمضان القادم.
الأخبار القادمة من محطات الرصد الشبكي للبرامج المترقب حضورها ضمن شبكة العرض الرمضاني القادم، تتنبأ باهتزازات ارتدادية شديدة المفعول سببها رغبة الأوصياء على الشأن التلفزي في تكرار تجارب وسابقة صادمة، لم تخلف سوى التذمر والأسى والخراب النفسي في نفوس المشاهدين، هذا إلى جانب تلقيها انتقادات واسعة من قبل عموم النقاد والمتتبعين، يحدث هذا رغم أكذوبة الأرقام القياسية للمشاهدات.
فإلى متى نصرف الملايين من دافعي الضراب على منتوج سمعي بصري تغيب عنه الجودة وتهيمن عليه الرداءة من كل جانب، إذ بعد مشاهدته بامتعاض كبير وعلى مضض من قبل المغاربة أنفسهم يقذف به للحفظ على الرفوف، في أرشفة رديئة وفي أحسن
سؤال واحد ومآت الأجوبة المتفاوتة في شكليات التلقي المرتبك واضطرابات المزاج التفاعلي، لكن الإجماع حاصل في الموقف الرافض للعبث في صرف أموال دافعي الضرائب على منتوج سمعي بصري رديء في تمظهراته وتجلياته المختلفة
عبد الله الدويب نائب تعليم وإطار تربوي على درجة عالية من الكفاءة والمهنية يرى في دبلجة بعض الأعمال المعروضة على المشاهدين المغاربة « تمزيق وتشويه اللغة العربية يحدث ذلك يضيف ذ الدويب في الصحافة وعلى التلفاز، حيث أصبح ذلك أمرا مألوفا لا يُنْتَبَهُ إليه ويختم المتحدث كلامه قائلا إن جمال أي لغة في احترام قواعدها ! ومن المؤسف أن هذه القواعد لم تعد تُحترم» اليوم في هذه الأعمال
لكن لنرى الأشياء من زاوية مختلفة هذه المرة، الدكتور امحمد بن لحسن أحد أقوى المدافعين عن اللغة العربية يرى في السؤال أعلاه « نعم التوصيف وأبلغ القو «لكن هل صحيح أن لا شيء جميل فعلا منذ نشأة التلفزة سنة 1962 إلى اليوم ؟
الصحفي كمال العبدي يجيب « بوثوق هناك « أمودوو» وهو عمل قابل للتصدير بكل تأكيد» وكلمة أمودو قد تعني السفر، التجوال أو الرحلة وهي كلمة سوسية وفي أمازيغية الأطلس ترادفها كلمة «انيودو» وهو برنامج وثائقي مغربي عبارة عن سلسلة من الأشرطة الوثائقية المتميزة التي تبث على القناة الأولى المغربية ويعاد البث على قناة المغربية وقناة تامازيغت والإذاعة والتلفزة الجهوية للعيون من إخراج حسن بوفوس وتقديم الحسين فوزي وهو إنتاج مشترك بين شركة فوزي فيزيون و الشركة الوطنية للإذاعة والتلفزة المغربية. و كل حلقة من حلقات البرنامج تدوم 26 دقيقة، بلغت الحلقات 157 حلقة مقسمة إلى 10 مواسم. ابتداء من الموسم السابع وصلت مدة الحلقة إلى 52 دقيقة بعد النجاح الذي لقيه البرنامج داخل المغرب وخارجه «
الصديقة المتواصلة ماجدة صافية تجيب واثقة من قولها «هناك دراما كورية مدبلجة باللغة العربية جد سليمة وراقية. وتورث الأدب وحسن المعاملة في عاداتهم ونظافة شوارعهم ورقي أفكارهم وتضيف المتحدثة أن ذلك يجعلها من عشاق متابعة السلسلة الكورية، مضيفة أن حلقاتها لا تتجاوز 21 حلقة فقط . هذا فضلا عن الدراما السورية القديمة « وهنا تستطرد ذة ماجدة واضعة النقط على الحروف بقولها» أما تركية ومكسيكية ومصرية وهندية … وما جاورها، فهي جد جد تافهة، مرجحة أن ضعف المغرب وعدم توفره على قاعدة صلبة لصناعة سينمائية هي السبب في جعله متلهفا وراء الإنتاج الخارجي لا سيما المدبلج منه. «على ما أظن أن المغرب لا يتقن صناعة الأفلام والمسلسلات كي ندبلجها» تختم ماجدة تدخلها.
ويخالفها الرأي تماما ذ عثمان بن الطاهر أحد الأساتذة المهتمين والمتتبعين يتساءل «ماذا عن ترويج هذه الأعمال لأسلوب حياة مختلف تماما عن حياتنا ولا علاقة له بنا وغير موجود في الواقع المغربي بالأساس؟ ثم يخلص إلى التداعيات السلبية لهذا التفاعل المريب. «
هنا يسقط العديد من المشاهدين بوعيهم السطحي في التقليد للأعمى، و يضربون بثقافتهم أسلوبهم في الحياة عرض الحائط . ويرى بكل ما أوتي من تبصر وحكمة أن التلفزة أو البرامج التلفزيونية المغربية لها دور تهجيني و بامتياز . فتنضج على نار هادئة شباب همه الوحيد الآن هو تقليد ما تعيشه شخصيات في بلدان تتميز بوضع اعتباري مختلف ودرجة وعي وتنزيله في أرض لازال مواطنوها يسكنون دور الصفيح و يستشهدون من أجل أكياس الدقيق. ويضيف كما لو اكتشف شيئا غريبا وعجيبا « هل يعلم المنتجون لما يسمى بالبرامج التلفزيونية أن مشاهدتها أصبحت تقتصر فقط على القرى والبوادي والمناطق القروية، وأن الكثير من الأفراد بالمدن ممن يتوفرون على مستوى معرفي لا بأس به ، لا يملكون أي قناة مغربية ضمن لائحة القنوات المستحدثة للمشاهدة و السبب معروف لدى الأمي قبل الفقير «لا مضمون ولا موضوع ولا موضوعية و لا شفافية « هد فهم المشترك نشر الميوعة و الانحطاط الأخلاقي»
=ونجمل الحديث حول الموضوع براي محمد الواصي الذي يرى في الأمر خرابا «حينما توكل الأمور لغير أهلها يصيبها الخراب… وخالد الصنهاجي قبابي يفسره بالاستلاب «نحن مستلبون..يستلبنا الغرب بكل بريقه ويستلبنا الشرق بكل ما فيه من انكفاءات…نحن في بلدنا نعشق الاستلاب»
أما ذ لحسن لجاي فيرجع السبب في ذلك، إلى عدم جودة التربية والتعليم و الاهتمام بالإسمنت والطوبية والزفت بدل الثقافة والفن الراقي . أما أحد النقاد المتخصصين والمواكبين الدائمين لما تنشره الملاحق الفنية، فقد مرر يده على خلفية معطفه، ثم جلس منتصبا بعد فك زر ياقة معطفه، وأطال النظر طويلا ثم أغمض عينيه متأوها « إن تعيين أشخاص لا علاقة ولا تكوين لهم في مراكز القرار، الإمعان في مواصلة استنزاف صفقات ضخمة في إنتاج أعمال درامية ثبت بالملموس رداءتها شكلا ومضمونا، وبرامج وسهرات لمجرد عيون المستشهرين فارغة من كل مضمون سوى البهرجة، في غياب الرقابة والمحاسبة، وبالتالي العقاب، الشيء الذي عمق في نفس المواطن الشعور بالإحباط وخيبة الأمل» الحاصول الله يلعن لي ما يحشم …


الكاتب : عزيز باكوش

  

بتاريخ : 11/03/2019