حين يلوي ادريس جيدان عنق الحقيقة بـ «لوكس راديو»

خصصت إذاعة «لوكس راديو»(وهي إذاعة خاصة جد محترمة وذات قيمة مهنية مجربة ورصينة)، حلقة برنامجها الصباحي ليوم الأربعاء 20 مارس 2019، الذي تعده وتقدمه كل من سارة الرامي وبشرى الأزهري باحترافية، للتعليق على خرجة سياسية للأمين العام لحزب الاستقلال السيد نزار بركة في أفق انتخابات 2021 بالمغرب، من خلال ضيوف البرنامج القارين، من ضمنهم الأستاذ الباحث ادريس جيدان.

لكنه، ضمن أحد تدخلاته، لمناقشة موقف نزار بركة، سيحاول تقديم قراءة لكرونولوجيا العمل الحكومي بالمغرب، ضمن تأطير اعتبر فيه أن السياسات الحكومية ببلادنا مؤطرة منذ أكثر من 40 سنة بمنهجية تدبيرية موجهة بقوة الأشياء من المؤسسات المالية الدولية (وهذه حقيقة لا أحد يمكن أن يجادل فيها، اعتبارا لانخراط المغرب حينها في سياسة التقويم الهيكلي ضمن تلك الصيرورة التدبيرية). مذكرا في سياق تحليله قائلا بالحرف:»بل حتى الإتحاد الاشتراكي انخرط في ذلك، بدليل ما قام به على مستوى الخوصصة»، ليعبر بخفة غريبة منه (علما أن ادريس جيدان باحث مغربي رصين جدا ومحترم) إلى نوع من تمجيد فقط التجربة الحكومية التي قادها الأستاذ إدريس جطو ما بين 2002 و 2009.
الحقيقة، أن مقاربة الأستاذ ادريس جيدان غير منصفة، حتى لا أقول متسرعة ومتهافتة، بل لربما حتى مستغربة منه هو بالضبط. ذلك أنه لا أحد يمكنه أن يجادل أن التجربة الحكومية للتناوب التي قادها الإتحاد، هي التي أنهت عمليا سنوات التقويم الهيكلي (حتى وإن كانت بعض المقدمات قد شرع فيها في الحكومات السابقة منذ 1996)، من خلال تصريح حكومي واضح ملزم أمام البرلمان، وهو تقليد لم يكن حاضرا في تاريخ الحكومات بالمغرب منذ الستينات. وأن حصيلتها التي لا يمكن عرضها كاملة هنا، ليس أقلها ما أنجزته على مستوى تقليص المديونية سواء الخارجية أو الداخلية، أو إصلاح العديد من الصناديق العمومية وإعادة ترتيب وتنظيم قطاعات استراتيجية مثل الجمارك والقطاع البنكي والتأمينات، فإنه في مجال الخوصصة بالضبط فهي تعتبر من أنجح ما قامت به. ويكفي هنا تذكير الأستاذ جيدان بملف واحد منها هو ملف مؤسسة اتصالات المغرب (دون الإشارة لمؤسسات أخرى مثل شركة التبغ وغيرها). ففي هذا الملف نجحت الحكومة التي قادها عبد الرحمن اليوسفي في أن يربح المغرب صفقة مالية تاريخية غير مسبوقة، ولم يحدث أن تسلمت خزينة المغرب شيكا بذلك الرقم منذ الاستقلال، مثلما جعلت تلك المؤسسة تصبح قطبا رائدا ليس في المغرب فقط بل في إفريقيا، وانتقل عدد موظفيها وأطرها وعمالها من 25 ألف حينها، إلى ما يتجاوز اليوم 200 ألف. بالتالي فعملية الخوصصة تلك ناجحة (عكس ما وقع مع تجارب حكومية أخرى مثل ملف شركة سامير). وأن مداخيل الخوصصة تلك لم تصرف أبدا في التسيير كما كان يعمل به من قبل، بل صرفت في الاستثمار وبفضلها تم إنشاء صندوق الحسن الثاني للتنمية الذي أنجز كل المشاريع الكبرى المهيكلة ببلادنا خلال 20 سنة الأخيرة ليس أقلها ميناء طنجة المتوسطي وشبكة الطرق السيارة وكهربة العالم القروي وغيرها.
أما تنويهه بحكومة السيد إدريس جطو(وهو محق في ذلك لأنها حكومة حققت منجزات فعلية)، فإنه مستغرب منه هو بالضبط، من حيث الموضوع وليس الشكل، لأنه كيف يستقيم عنده انتقاد حكومة سياسية مثل التي قادها الإتحاد وينوه بحكومة رئيسها غير حزبي ومن التكنوقراط؟. علما أن حكومة السيد جطو كانت جيدة فعلا بمنجزاتها، لكن علينا أن لا ننسى أنها جاءت لإتمام الأوراش الكبرى الإصلاحية(تدبيريا واقتصاديا) التي فتحتها حكومة اليوسفي قبلها، وأن الأرضية والرأسمال والمناخ العام قد ورثته منها، قبل أن تأتي حكومة 2009، لتوقف كل ذلك. بالتالي، رجاء الأستاذ جيدان، لا تلوي عنق الحقيقة، خاصة وأنك باحث محترم له مصداقية مجربة.


الكاتب : لحسن العسبي

  

بتاريخ : 23/03/2019