فيلم «أحداث بدون دلالة»

إن عرض الفيلم الذي أُخْرِجَ سنة 1975، ومُنِعَ عرضه آنئذ، بعد ترميمه سنة 2019 كان اكتشافاً جديدا في المهرجان الوطني للفيلم بطنجة لموسم 2019 لما تضمَّنه من رؤية إخراجية عميقة وأسلوب متميّز. لم يفقد هذا فيلم من جدّته وآنيته وابتكاره وإبداعه شيئا. يمكن أن أعدِّدَ بعضا من جوانب جماليته التي جعلته سَبَّاقاً في الفن السينمائي: سلاسة حركية الكاميرا وكأنها تلامس ما تصوره من وجوه،لقطات سينمائية قريبة ومكبَّرَة بحيث يفطن المشاهد بالكاد إلى المكان الذي تجري فيه هذه الأحداث الموصوفة بخلوّها من الدلالة ومن المعنى لكنها في الحقيقة بالغة الدلالة بل وبالغة الخطورة بالنسبة المغرب 1975 وحتى الآن. أكثر من ذلك إن الأسئلة الجوهرية هي نفسها التي ما زالت مطروحة إلى اليوم.

حكاية فيلم

تعود قصة فيلم «أحداث بدون دلالة»إلى قضية منعٍ جائرةٍ في مغرب سنوات الجمر. لم يقدَّر له أن يعرض سوى مرة واحدة خلسة في فرنسا. وانتهت الأقدار بشريط الفيلم إلى الخزانة السينمائية بإقليم «كاطالونيا» بإسبانيا حيث طاله النسيان لما يربو عن أربعين سنة حتَّى اعْتُقِدُ بأنه ضاع نهائيا. ومن حسن الصدف أنْ بُعِث الفيلم من رمادِهِ من جديد ورُمِّم برعاية من قِبَلِ «فيلموتيكا دي كاطالونيا» و»مرصد للفن والأبحاث» وتحت إشراف «ليا موران»وكُتِبَتْ له حياة أخرى.

تعود حكاية الفيلم ليس لأهمية مضمونها وإنما لكيفية تناولها وزاوية معالجتها. ويمكن اعتبار الفيلم منغرسا عميقا في الواقع. حكاية الفيلم متفرِّدة تعطي الانطباع للمشاهد العادي بأنها مبتذلة ولكنها محكية من زاوية متفردة بعمقها. فهي تُقدَّمُ أو تُحْكَى على شكل استقصاء أو استطلاع رأي يقوم به فريق سينمائي مكوَّن من مخرجٍ ومصورين ومساعدين لسؤال فلسفي واجتماعي:أيُّ سينما نحن بحاجة لها؟ما عسى أن تكون السينما التي نبحث عنها؟أي هوية سينمائية؟ويمكن القول أي سينما لأيّ واقع؟
الفيلم عبارة عن تفكير في السينما ومساءلةٍ لهويتها وماذا بإمكانها أن تقدمه للمجتمع المغربي وخاصة للإنسان المغربي؟ ما جدوى السينما؟يذكرني الفيلم بمحاولة «بازوليني» استطلاع رأي الإيطاليين حول الجنس.
في الأسلوب السينمائي
ينجلي الأسلوب السينمائي للفيلم فيما يلي:
الأداء التلقائي للممثلين الذين بدوا وكأنهم لا يلعبون أدوارا بقدر ما يتقمصون شخصياتهم:الممثل الذي يلعب دور صحفي أو مخرج وغيره.اللقطات المطوَّلة التي تذهب إلى صميم مشاعر الشخصيات. وللذكر جمع الفيلم كوكبة من الممثلين المعروفين ومن المغمورين. وعلى لائحة الأوائل «صلاح الدين بنموسى» الذي يلعبُ في أول المشاهد و»مولاي الطاهر الأصفهاني» و»عمر السيد» والممثل والمخرج «حميد الزوغي» الذي أدى دور رب العمل والذي تحوم حول أنشطته في الميناء الشُّبُهات، وظهر في الفيلم كتاب أمثال محمد زفزاف، فضلا عن ممثل ليس معروفا جميل الوجه يلعب دور رئيس فريق التصوير وهو»الفاسي» و»مصطفى دزيري» الذي ظهر بمظهر الممثل المحترف.
إن الفيلم محاولة للقبض على المشاعر والانفعالات حيّة مباشرة. أَبَانَ المخرج مصطفى الدرقاوي عن قدرة كبيرة على التحكُّم في موضوعه رغم تشعُّبِهِ. أما ظاهر السهولة في المشاهد ما هي سوى شيء خادع. في الحقيقة إن ثمة دِقّة متناهية في ديمومة المشاهد وطول اللقطات أو قصرها،ونظام توالي اللقطات والمشاهد،وإيقاع حركة الكاميرا. يتبيَّن من خلال إمعان النظر في كلية الفيلم أنه ينتمي إلى الواقعية المُركَّبة التي يتقاطع فيها البُعْد النفسي والاجتماعي.
سلك المُخرج مصطفى الدرقاوي في نزعته الواقعية الاجتماعية السينمائية ما يمكن تسميته بالكاميرا الذاتية. لا يرى المُشَاهِدُ من الشخصيات سوى ما تلتقطه الكاميرا خلسةً ولا يسمع من تَهَامُسٍ بينها سوى ما يُراد له أن يسمع. ووراء الصخب تختار الكاميرا على أي وجوه تقع، وعلى أيّ حركات دّالة تُركِّزُ.
تتراوح مشاهد الفيلم بين داخلية وخارجية:أغلب المشاهد الداخلية صُوِّرَت في حانة تعج بالزبائن من مختلف الأعمار والشرائح الاجتماعية. أما المشاهد الخارجية فالتُقِطَت في شوارع الدار البيضاء وأزقتها وحافلاتها. الفضاء المغلق أتاح للمخرج نَسْج علاقات نفسية واجتماعية وثقافية متشابكة بين الشخصيات. ما أتاح له إدارة راقية للممثلين.
الخيط الرفيع للفيلم منظم في إطار شكل سردي اعتُبِر في أوانه جديدا وهو الانطلاق من سؤال حاول فريق من السينمائيين وعلى رأسهم المخرج الدرقاوي نقله إلى الناس واستجوابهم بشأنه:ما رأيكم في السينما اليوم؟
وفي إطار بحثهم السمعي البصري تتوالى الأحداث في غَفَلَةٍ من المُشاهد. تُحاك خطط في الميناء من أجل تهريب موادّ غير شرعية. أما القاتل فلم يكن شخصا آخر سوى عامل شابّ نَاقمٍ على وضعه الاجتماعي قرر الانتقام من مشغِّلِهِ بعد ما ألحقه به من إهانة. من بحث عن السؤال ما السينما؟وأية سينما نريد؟وما تستطيعهُ السينما؟إلى السؤال مَنِ القاتل ولم قتل؟هنا تتحوَّل السينما من مجرد وسيلة تعبير فنيّ إلى أداة تغيير اجتماعي.
فيلم «أحداث بدون دلالة»سابق لأوانه ومتقدم على عصره لأن الأسئلة التي طرحها ما زالت مطروحة في مغرب الألفية الثالثة:ما سؤال الإبداع وشروطه؟ما موقع السينما من الواقع؟ما شروط واقع الاستغلال الطبقي؟هذا الفيلم متقدم في طرح للأسئلة الراهنة والقضايا المعاصرة بدليل أن شخصياته متفاعلة مع عصرها وواعية بضرورة الحداثة.لا شيء في الفيلم يشي بتقهقر إيديولوجي في نماذج شخصيات الفيلم إنه محاولة لتحرر الإنسان المغربي من شروط استغلاله واستلابه.
توجد في فيلم مصطفى الدرقاوي نية غير مُعْلَنَة في البحث عن لغة سينمائية حديثة ومقاومة شرسة للرقابة التي سيقع الفيلم ضحية لها بعد إنجازه. رغم أن الفيلم نصفه تخييلي ونصفه الآخر وثائقي فهو محاولة جريئة في عصرها وحتى الآن لطرح مسألة الحداثة على محكّ الواقع.
في جدَّة الموضوع
يحكي الفيلم قصة فريق من السينمائيين يستقصي آراء الناس- وأغلبهم عمال في ميناء الدار البيضاء- حول موضوع يبدو غريبا وهو أية السينما يريدونها، ويحتاجون إليها، ومن ثم استقصاء تطلعاتهم وانتظاراتهم من السينما. وفجأة تعرف قصة الفيلم طفرة نوعية وحدثا مفصليّا، وتشهد انعطافا لمّا أقْدَمَ عاملٌ شابٌ في الميناء على قتل مُشَغِّلِهِ. فيتحول السؤال من سؤال حول السينما إلى سؤال حول جريمة القتل والواقع الذي أفرز هذه الجريمة وأسبابها الطبقية وخلفياتها الاجتماعية.
رُكِّبَ الفيلم على نحو يجعلُ المشاهدَ ينتقل من سؤال السينما إلى سؤال الواقع،أو من سؤال الفن إلى سؤال الواقع. إنه موضوع داخل موضوع،السينما داخل الواقع،والواقع داخل السينما،من خلال استشكال السينما واستشكال الواقع معاً. يعدُّ الفيلم من نوع السينما المنخرطة في واقعه.
في جمالية الفيلم

يُعتبَرُ فيلم «أحداث بدون دلالة»محاولة لإرساء جماليات جديدة للسينما المغربية والمتمثِّلَةُ عناصرها في كسر وحدة السرد الخطي،وفي تركيب الموضوع انطلاقا من لملمة أجزاء الواقع وشذراته،وفي إطلاق سَجِيَّةِ الممثلين نحو الأداء التلقائي والعفوي،وفي رصد ملامح الشخصيات عبر اللقطات المقرَّبة،وفي إقحام تعدد الأصوات وعدم وجود ساردٍ مركزي. لا تكاد تعثر في الفيلم على وجود ذات ساردة تجمع خيوط الحكاية، فالكلُّ سائل ومجيب، الكل في حوار دائما بالكلمات تارة، وبالإيماءات والحركات تارة أخرى. يحقق الفيلم نوعا جديدا من السينما:إنها السينما الفكر أو السينما وهي تفكِّرُ في ذاتها، السينما وهي تتخذ من نفسها موضوعا للتَّفكُّر والتفهّم. يُصرِّحُ مصطفى الدرقاوي بأن السينما التي كان يُريدُ إنشاءها هي سينما جماعية وراديكالية تتمنع عن تحويلها إلى سلعة للاستهلاك الجماهيري. وفي نفس الآن هي سينما مستقلة في وسائل إنتاجها وفي إمكانياتها المادية المُسخَّرة لذلك الإنتاج. ومنذ البداية نشأت فكرة الفيلم كإنتاج جماعي مستقل ساهم فيه فنانون تشكيليون مغاربة أمثال شبعة وقاسمي والمليحي.إن فيلم «أحداث بلا دلالة»ينتمي إلى سينما مغربية جديدة:سينما تحاول أن تكون مستقلة،سينما في بحثٍ عن جمالياتها الخاصة. إنها سينما مضادة،سينما معارضة للُّغة السينما الرائجة.

فيلم «نذيرة» لكمال كمال
يُعْتَبَرُ الفيلم درسا في الإخراج السينمائي وفي أداء الممثلة جيهان كمال. وظَّف الفيلم ببراعة الفضاء المغلقHuis clos وهو من أصعب الأمور في السينما والمسرح معا. لماذا؟لأن الفضاء المُغْلَق يقلُّص اختيارات المخرج. إن الفضاء المغلق في فيلم «نذيرة» هو فضاء الزنزانة التي تقبع فيها السجينة وما يفرضُهُ من إكراهات. لكن استطاع المخرج كمال كمال من خلال براعة توظيف الإطار واللقطة والموسيقى والصوت بلوغ أروع المشاهد السينمائية. صرح المخرج بمناسبة مناقشة الفيلم أنه بحث عن كلِّ ما من شأنه أن يُمَدِّدَ زمن الحكي مثل صنع السجينة للدمى من أجل الانتقال من مشهدٍ لآخَرٍ،ومن لقطة لأخرى.
فضلا عن ذلك يمكن اعتبار أداء الممثلة جيهان كمال من أقوى لحظات الفيلم. استطاعت الممثلة تجسيد دور عَمِيلَةٍ سابقةٍ تُصَوِّرُ الحياة الحميمة لضحاياها إلى أن استحالت هي نفسها إلى ضحية. برعت على مستوى الأداء السيكولوجي أو ما دُرِجَ على تسميته بسيكولوجية الممثل. مثلما برعت في أدائها على مستوى اللغة الجسدية. أهم ما حققه الفيلم هو مواجهة الإنسان لنفسه ورؤيتها وجهاً لوجْهٍ دون مواربةٍ وبدون أقنعة. وتبيَّن أن البطل الحقيقي للفيلم هو قوّةُ الزمن وقَهْرِهِ وسطْوَتِهِ.
لقد جعل المخرج كمال كمال من تيمة السلطة ونقدها محورا فيلمه واستطاع إعطاءها بُعْداً كونيا، خاصة مع ما صار يميِّز المجتمعات المعاصرة من رقابة وتجسس وتلصُّصٍ على الحياة الحميمة للأفراد.
فيلم «جمال عفينة» للمخرج ياسين ماركو موروكو
كان فيلم «جمال عفينة» مفاجأة سارَّة للمهرجان وللجنة النقد بحكم ما اجتمع فيه من عناصر جمالية وسينمائية يمكن إجمالها فيما يلي: التمرُّد على السرد الخطِّيّ،والمهارة والإبداع في المونتاج،والتوظيف الذكيّ للموسيقى،والحضور القوي لتيمة العنف والإرهاب والإهانة على المستوى العالمي. يُعانق الفيلم «العالمية» بفضل لغته السينمائية التي حاول المخرج «ياسين ماركو مروكو» من خلالها التعبير عن معاناة وآلام المهاجرين وضحايا الترحيل القسري. يسبر الفيلم تيمة التيه والضياع في عالم يعُمُّه الجفاف وتهدِّدُهُ الفوضى. يُنحي مذيع في برنامج إذاعي باللائمة على مُسْتَمعيه ويهدِّدُهم بأَوْخَمِ العواقب ويُشْبُعُهُمْ سَبّاَ وشتْماً ويختار «جمال عفينة» ليْحكِيَ رحلة التيه هذه.
إن الفيلم في المجمل سفر في عالمٍ بلا حدود،عالم غارق في أزماته،مفجع في أحداثه،حيث آل البشر فيه إلى ضحايا أنظمة لا مرئية بالغة الوحشية والقسوة.
فيلم طفح الكيل للمخرج محسن البصري

استرعى اهتمام لجنة النقد فيلم «طفح الكيل» نظرا للغته السينمائية المتميِّزة المتمثلة في التحكٌّم في حركة الكاميرا، وفي توظيف اللقطات وترتيبها حسب مقتضيات السرد، وفي التركيز على الأعماق السيكولوجية للشخصيات، وفي استثمار فواصل الصمت الذي اكتسى في الفيلم أبعاداً دالَّة. إذا وُظِّفَ الصمت جيدا ضَجّ بالكلمات وكان أبلغ تعبير منها. وهو ما تبيَّن في الفيلم من اللقطات المطوَّلة القريبة والبعيدة.
فضلا عن هذا كله اكتسى الفيلم دلالة اجتماعية لما عَرَضَهُ من معاناة أسرة مغربية مع سرطان طفلها ومن خلالها تعرَّض الفيلم لمعضلة النظام الصحيّ في المغرب المعاصر. يمكن القول إن البطل الحقيقي للفيلم هو الانتظار. الكل في حالة انتظار من الشاب الذي حاول الانتحار بالقفز من فوق قنطرةٍ إلى وَالِدَيْ الطفل المصاب بالسرطان اللذين ينتظران المبلغ المالي لعلاجه. المستشفى رمز لمجتمع في حالة عطب تنخُرُهُ الرشوة ويعشِّشُ فيه الفساد.
فيلم «عاشوراء لطلال السلهامي

أبدع الفيلم بكيفية خاصة في المونتاج رغم ما شاب الفيلم من اكليشهات مسَّت زاوية النظر التي يمكنها في عُنْصُرَيْ الإثارة والترفيه. حاول المخرج استثمار حكاية «عاشوراء»من أجل إدراجها في جنس سينمائي رائج في السينما العالمية هو جنس فيلم الفانطاستيك. بالفعل الفيلم مُبْهِرٌ على مستوى المؤثِّرات الخاصّة والتقنيات المتطوِّرة وعلى مستوى ضخامة الإنتاج ولكن يبقى فيلما مليئا بالصور النمطية السائدة في هذا النوع من الأفلام السينمائية والتي في الأغلب الأعمّ يراد منها الترفيه. ثم إن الفيلم مزعج من حيث حركته المفرطة السرعة والتي تُصيب المتفرج بنوع من عسر الهضم.
حاول الفيلم أن ينهل من جنس الفانطاستيك في السينما العالمية وأنْ يلعب على أحْبَالِ الإبهار ولكن جاءت أغلب مشاهده نسخا مكرورة ل»ملحمة هاري بوتر» المُوجَّهة لجمهور الأطفال.
فيلم «أنديغو» لسلمى بركاش
يُعتَبَر فيلم «أنديغو» لسلمى بركاش محاولة لكتابة سينمائية جميلة تتوافر فيه عناصر سرد محبوكة وأساليب بصرية مُبْتَدَعَة. يمكن اعتبار قصة الفيلم متميِّزة على المستوى النفسي والاجتماعي لكونها تُقارِبُ حياة طفلة تكتشف في نفسها قدرة على الرَّجْمِ بالغيب وعلى التنبؤ بمصائر الأشخاص المُحيطين بها مع ما يجْلبُهُ ذلك لها من مشاكل من أقرب الناس إليها.
أما في علاقة عنوان «أنديغو» بالفيلم فقد صرَّحَتْ المُخْرِجة سلمى بركاش أثناء جلسة مناقشة الفيلم بأنه يعني اللون الأزرق الدَّاكن الذي يَدُلُّ مجازيا على خاصيّة قِوَى فوق طبيعية يتمتَّع بها الأشخاص المُلْهَمِين. حقَّق الفيلم إجماعا على مستوى سلاسة السرد وعلى عمق تحليل سيكولوجية الشخصيات،وعلى براعة إدارة الممثلين وخاصة الممثِّلة المقتدرة «خلود» التي استطاعت أن تقول بِوَجْهِهَا ما يفوق قوله بالكلام.
أما في فئة الأفلام القصيرة فقد خيَّبت الدورة أمل النقاد نظرا لضحالة أغلب الأفلام القصيرة من حيث المعنى ومن حيث المبنى. بل يمكن القول إن بعض الأفلام ما كان لها أنْ تصل أصلا لمرحلة الانتقاء على سبيل المثال لا الحصر فيلم «دم أبيض». أثارت بعض الأفلام لجنة النقد تفرُّدها على مستوى الفكرة الإبداعية مثل فيلم «مرشَّحون للانتحار» لمخرجه حمزة عاطفي.
فيلم القصير «أغنية البجعة» للمخرج اليزيد القادري

فاز الفيلم بجائزة النقد. وقد تميّز الفيلم القصير «أغنية البجعة» لمخرجه الشابّ اليزيد القادري بلغة سينمائية دالّة وبتحكُّم واضح في استعمال سلّم لقطاتٍ ملائمٍ لسيرورة الحكيْ. مجمل مساحة الفيلم خالية من الكلام ودالّة بالصورة السينمائية ذاتها. استطاع مخرج الفيلم أنْ يضعنا في صورة الصراع النفسي الداخلي الذي عانى منه البطل. من أقوى لقطات الفيلم تلك التي خامره فيها الشك فما عاد يعرف إن كان فِعْلُهُ الانتحاري مجديا وإن كان إقدامُهُ عليه طيشا أخرقا،وفي النهاية رغم شكِّهِ هذا لا يستطيع الرجوع إلى الوراء فالقنبلة بُرْمِجتْ للانفجار.
وُظِّفَتْ في الفيلم لغة سينمائية مُتْقَنة حيث وضعنا المخرج في الإطار السينمائي الملائم:نقتفي بمقتضى هذا الإطار أَثَرَ شخصية الفيلم الرئيسية-التي تقمَّصها باقتدار الممثل «أسامة البسطاوي»- أثناء ولوجه إلى نَّزْلٍ شَبَابِيٍّ يُحتفلُ فيه بالتعدُّد الثقافي. فلا نعلم في البداية ماذا يُدبِّرُ سوى أنه يحمل حقيبة محمولة على الظهر. بمقدار تقدُّمِ الفيلم وتعاقبِ لَقَطاتِهِ-و يُعَدُّ من نقط قوة الفيلم عنصر التشويق-نعلم شيئا فشيئا أن الأمر يتعلَّق بعملية إرهابية.


الكاتب : مصطفى الدرقاوي

  

بتاريخ : 05/04/2019