انتظارات عريضة للمواطنين والمهنيين : الصحة.. منظومة مريضة و«احتقان مهني» يخنق القطاع

يعيش قطاع الصحة غليانا ترتفع درجات حرارته يوما عن يوم، وتتفاقم حدّته المرضية، دون أن تنجح الوصفات «الطبية» المختلفة في علاجه، بالرغم من كل الاهتمام الذي حظي به، لا سيما خلال الأشهر القليلة الأخيرة، فقد خصه الملك محمد السادس بمساحات مهمة، سواء في خطاب عيد العرش، شهر يوليوز 2018، حين دعا إلى « تصحيح الاختلالات التي يعرفها تنفيذ برنامج التغطية الصحي «RAMED»، بموازاة مع إعادة النظر، بشكل جذري، في المنظومة الوطنية للصحة، التي تعرف تفاوتات صارخة، وضعفا في التدبير»، أو بمناسبة كلمته خلال افتتاح السنة التشريعية أمام البرلمانيين شهر أكتوبر 2018، حين وجّه الملك « لدراسة إمكانية فتح بعض القطاعات والمهن غير المرخصة حاليا للأجانب، كقطاع الصحة، أمام بعض المبادرات النوعية والكفاءات العالمية»، مضيفا جلالته «مما يزكي هذا التوجه، الاهتمام المتزايد الذي تعبر عنه العديد من المصحات والمستشفيات العالمية، المشهود لها بالتميز، من أجل الاستثمار في بلادنا».
ثم في نونبر 2018، حين استقبل الملك رئيس الحكومة ووزير الصحة، إذ صدر بلاغ عن الديوان الملكي بالمناسبة، من بين ما جاء فيه أن «جلالة الملك أخذ علما بالخطوات الأولى التي اتخذتها الحكومة تنفيذا للتوجيهات الملكية السامية المتعلقة بقطاع الصحة، المتضمنة في الخطابين الأخيرين للعرش وافتتاح البرلمان. ويتعلق الأمر على الخصوص بتقويم الاختلالات التي تعوق تنفيذ برنامج نظام المساعدة الطبية (راميد) والمراجعة العميقة للمنظومة الوطنية للصحة». وأشار بلاغ الديون الملكي إلى «أنه بالرغم من الجهود المبذولة، لا يزال المواطنون يعانون من العديد من أوجه القصور التي تشوب المنظومة الوطنية الحالية للصحة، لاسيما على مستوى اختلال عرض العلاجات على المستوى الترابي، ومن حيث الخدمات المقدمة والتأطير الطبي والشبه طبي».
كما شكلت الرسالة الملكية الموجهة مطلع هذا الشهر بمناسبة تخليد اليوم العالمي للصحة، حدثا مهما استأثر باهتمام ونقاشات مهنيي الصحة والمتتبعين للشأن الصحي، التي تمحورت حول الرعاية الصحية الأولية وتعميم التغطية الصحية، والتي من بين ما جاء فيها «التأكيد على الأهمية البالغة التي تكتسيها خـدمات الرعاية الصحية الأساسية بصفة عامة، وفي إطار المنظومة الصحية على وجه الخصوص، نابعة من كونها نهجا يشمل كل مكونات المجتمع، ويتمحور حول احتياجات وأولويات الأفراد والأسر والمجتمعات، ويهتم بصحتهم، بجوانبها البدنية والنفسية والاجتماعية، الشاملة والمترابطة، إرشادا ووقاية وعلاجا، وإعادة تأهيل». وأضافت الرسالة أن «الرعاية الصحية الأولية تتركز على الالتزام بالعدالة الاجتماعية، والمساواة في الولوج إلى الخدمات الصحية، وعلى الاعتراف بالحق الأساسي في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة، كما ورد في المادة 25 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ونص على ذلك دستور المنظمة العالمية للصحة الصادر في 1948»، كما أشارت الرسالة إلى أنه «إذا كان توفير الموارد المالية والبشرية الصحية الملائمة، ضروريا لتوفير الرعاية الصحية الأولية، فإن من الواجب التعامل بمنهجية مع المحددات الأوسع للصحة، بما في ذلك العوامل الاجتماعية والاقتصادية والبيئية والسلوكية».

 

إذا كان قطاع الصحة لا يحظى برضا المواطنين، الذين يرون بأن الولوج إلى الخدمات العلاجية تعتريها جملة من العراقيل، التي تجعل تنزيل حقهم في الصحة متعثرا، خاصة المعوزين الذين يوجدون في وضعية فقر وهشاشة، ويعلقون آمالا عريضة على إصلاح المنظومة الصحية وتطويرها وتجويدها، من أجل عدالة صحية، فإن المهنيين بدورهم لا ينظرون بعين الرضا إلى القطاع الذي ينتمون إليه، سواء تعلق الأمر بمهنيي القطاع العام أو الخاص، أطباء وممرضين وإداريين وحتى الطلبة، في الوقت الذي يوجد فيه أكثر من 7 آلاف طبيب مغربي يمارسون خارج المغرب، وعودتهم إلى الوطن موعدها يتبين أنه ليس بالقريب، في ظل المخاض الذي يعشه القطاع.

استقالة الطب العام

بعد مرور سنوات من الاحتجاج والغضب التي انطلقت شرارتها منذ عهد الوزير السابق الوردي والتي تتواصل إلى غاية اليوم، التي انتقلت من وقفات ومسيرات وإضرابات إلى ارتداء السواد احتجاج وحدادا على القطاع، اختار الأطباء شكلا احتجاجيا آخر يتمثل في تقديم استقالات جماعية خّير من خلالها الغاضبون وزير الصحة، بين تحقيق مطالبهم كمهنيين، التي تخص تجويد المنظومة وتوفير شروط العمل الفعلي والرقي بأوضاعهم المادية والاجتماعية، وبين قبول «التسريح بإحسان» بعيدا عن أية اختيارات أخرى.
استقالات، تعتبر أقصى شكل احتجاجي يتم اللجوء إليه تعبيرا عن الوصول إلى الباب المسدود، توزعت ما بين 63 استقالة بالجهة الشرقية تم تقديمها يوم الجمعة 26 أبريل 2019، تنضاف إلى 50 استقالة سابقة في نفس المنطقة، أي أن مجموع الاستقالات قد وصل إلى 113، ثم 122 استقالة بجهة بني ملال خنيفرة، إلى جانب 125 استقالة بجهة فاس مكناس، وقبل ذلك وبجهة الشمال وقّع 305 أطباء طلبا جماعيا للاستقالة، فضلا عن استقالة 300 طبيب بجهة الدارالبيضاء سطات، وكذا طلب استقالة 30 طبيبا بورزازات، حيث بلغ مجموع طلبات الاستقالة 995 طلبا، وما تزال لوائح استقالات أخرى يتم التوقيع عليها في مناطق أخرى، لأطباء قرروا أن يسلكوا نفس المسلك الذي قطعه زملائهم في مهنة، باتت مفتوحة على كل التبعات؟
احتجاجات الأطباء التي تمتد لثلاث سنوات، والتي تخللتها إضرابات وطنية شهرية، ووقفات احتجاجية متعددة، كما هو الحال بالنسبة للوقفة الوطنية يوم 16 أكتوبر 2017، والمسيرة الوطنية ليوم 10 فبراير ووقفة 13 ماي 2018، وعشرات الوقفات الجهوية وغيرها، لم تسعف المهنيين في تحقيق مطالبهم المتمثلة في تمكين الأطباء من الرقم الاستدلالي 509 بكامل تعويضاته، وإضافة درجتين فوق درجة خارج الإطار، والعمل على تحسين ظروف اشتغال العاملين في القطاع الصحي العمومي، إضافة إلى صرف مستحقات التعويض عن الحراسة والخدمة الإلزامية والتعويضات عن المسؤولية، إلى جانب مطالب أخرى، لتظل معلّقة ومصيرها مقيّد بالمجهول!

تذمر القطاع الخاص

الاحتجاج والسخط والغضب، عناوين توحد أطباء القطاع العام بأطباء القطاع الخاص، والإضرابات ليست مقتصرة على الفئة الأولى، فمهنيي القطاع الخاص أضربوا هم أيضا تذمرا، في 18 أكتوبر 2018، وفي 4 أبريل 2019، وقبلهما في 30 مارس 2017 ، علما أنهم سبق وأن أعلنوا عن خوض إضراب في في 22 نونبر و 20 دجنبر 2018، تم التراجع عن تفعيلهما نتيجة للوعود التي تم تقديمها لهم.
أشكال احتجاجية تم خوضها للمطالبة بمحاربة الممارسة غير الشرعية للطب، ومن أجل مراجعة التعريفة المرجعية التي لم يتم تغييرها منذ 2006، والحال أنه حين تم التوقيع على الاتفاقية في 2003، تقرر أن تتم مراجعتها كل 3 سنوات، علما بأن مطلب الأطباء، هو يروم التخفيف من ثقل المصاريف العلاجية التي يتحملها المنخرطون الذي يسددون الفارق الذي يتجاوز 50 في المئة، وعوض أن ينتقدوا الصناديق الاجتماعية التي تقدم تعويضات هزيلة يتم التهجم على الأطباء ويوصفون بالجشع وغيره من النعوت، التي يرفضونها كلّيا.
غضب أطباء القطاع الخاص يرجع كذلك إلى تسديدهم لضرائب مرتفعة عن المعدات الطبية والتكنولوجيات العلمية الحديثة التي يتم اقتناؤها ووضعها رهن إشارة المرضى من أجل الفحص والتشخيص بكيفية متطورة، وهو ما يشجبونه، لأن الأمر بالنسبة لهم يتعلق بضريبة على الصحة، ويتم التعامل معهم بمنطق تجاري، والحال أن قانون مزاولة الطب يؤكد على أن هذا القطاع هو اجتماعي. ولا يقف الأمر عند هذا الحد، فهم وإلى جانب ما سبق لا تغطية صحية لهم، وبدون تقاعد، ويؤكدون أنهم عرضة لممارسات قدحية تستهدفهم، الأمر الذي أدى إلى انتشار موجة سخط، دفعت بالكثيرين إلى إعادة ترتيب «أوراقهم» بشأن مستقبل مزاولتهم لهذه المهنة في وطنهم.
أضرب أطباء القطاع الخاص غير ما مرّة، وأشهروا البطاقة الصفراء بشأن تعاملهم مع شهادات التحمل، التي أعلنوا عزمهم تعليقها، في ظل التعريفة الجامدة، وفي ظل التضييق وسيل الاتهامات التي تطالهم، وأكدوا حاجتهم إلى هيئة خاصة بهم، بالنظر لحجم الاختلالات والفوضى التي يتخبط فيها القطاع، والنزاع ما بين أطباء العيون والمبصاريين، وأطباء صحة الفم والأسنان وصناع رمامات الأسنان، وعدم احترام الاختصاصات وغيرها كثير من الأعطاب التي ترخي بوقعها الثقيل على يوميات المهنيين ويكون لها تبعات على المواطنين.

ممرضون غاضبون

يشكّل الممرضون أكثر من 50 في المئة من مجموع الشغيلة الصحية، ويقدمون حوالي 80 في المئة من خدمات القرب، وفقا لتأكيد مهنيين، الذين لا يجدون مبررا لاستمرار تغييبهم واعتبارهم مجرد مساعدين للأطباء، بحيث أنهم لا يقودون البرامج والمشاريع الصحية التي ينجزون ولا يتواجدون في مراكز القيادة.
إنها خلاصة ما يستشعره الممرضون وتقنيو الصحة الذين يمثلون 21 تخصصا، الذين يواصلون احتجاجاتهم منذ عهد الوردي إلى اليوم، دون أن تتحقق مطالبهم، خاصة الرئيسية منها، ويتعلق الأمر باعتماد الإنصاف في التعويض عن الأخطار المهنية، وإحداث الهيئة الوطنية للممرضين وتقنيي الصحة، والعمل على إخراج مصنف الكفاءات والمهن، وكذا إنصاف ضحايا المرسوم 2.17.535 ، بالإضافة إلى مراجعة شروط الترقي، وإدماج كافة الممرضين المعطلين بالوظيفة العمومية. مهنيون يؤكدون في تصريحاتهم على أنهم يقدمون 80 في المئة من الخدمات الصحية المختلفة في البوادي والقرى وأعالي الجبال، في غياب تحفيزات تليق وهذه العطاءات، بالمقابل تتسع دائرة الاعتداءات البدنية واللفظية ضدهم، في غياب إجراءات عملية لحمايتهم وتحصينهم ماديا ومعنويا.
احتجاجات الممرضين وتقنيي الصحة، لم تحرك ساكنا في وزارة الصحة، التي لحدّ الساعة ورغم كمّ الغضب التمريضي، فإنها لم تتفاعل مع مطالب المعنيين، علما بأنه خلال سنة 2018 نظم المعنيون 3 مسيرات وطنية، إلى جانب وقفتين وطنيتين، واعتصامين وطنيين، ثم 3 وقفات جهوية، و14 وقفة اقليمية، فضلا عن 7 اعتصامات جهوية و3 اعتصامات اقليمية. وخلال السنة الجارية وإلى غاية شهر أبريل، فقد جرى تنظيم مسيرة وطنية يوم السبت 12 يناير : مسيرة وطنية، ووقفة وطنية يوم الثلاثاء 5 فبراير، ثم وقفات جهوية أمام مقرات الولايات يوم الأربعاء 13 مارس، فوقفة وطنية يوم الخميس 21 مارس، ثم وقفات جهوية أمام المديريات الجهوية يوم الخميس 28 مارس، فضلا عن إضرابات يومي الثلاثاء والأربعاء 5 و 6 فبراير، والأربعاء 13 مارس، ثم الخميس 21 مارس، فالخميس 28 مارس، وأخيرا وليس آخرا، الثلاثاء والأربعاء 16 و 17 أبريل.
نقابات وانتظارات

النقابة الوطنية للصحة العمومية، العضو في الفيدرالية الديمقراطية للشغل، واحدة من النقابات المعنية بما يشهده القطاع من غليان واحتقان، وهي التي ظلت مع نقابات أخرى تنتظر تجسيد ما تم الالتزام به في محضر اتفاق 5 يوليوز 2011، لكن مرت السنوات وطال أمد الانتظارات دون أن تتحقق الالتزامات.
ترى النقابة الوطنية للصحة العمومية أن القطاع الصحي يعيش استمرارية منقطعة النظير لأقصى درجات الاحتقان وتأزم الأوضاع، التي هي راجعة بالأساس إلي التخبط القائمين على القطاع و تضارب توجهاتهم وعشوائية قراراتهم، منذ التعيين الأول للحسين الوردي وزيرا على القطاع في يناير 2012 وصولا إلى اليوم. وتؤكد النقابة على أن من أهم سمات المحددة للوضع المتأزم وتفاقم الأوضاع بالقطاع سواء بالنسبة للعاملين به أو المواطنين من طالبي العلاجات، هو السخط العارم في صفوف الشريحتين واحتجاجهم اليومي والمستمر على تدني الخدمات الصحية وعجز العرض الصحي وفشل مسؤولي القطاع في تنزيل الاستراتيجيات والبرامج الصحية والهيكلة، ومنها المخططات الصحية المعروضة أمام الملك، وفي مقدمتها المشاريع الصحية ضمن برنامج الحسيمة منارة المتوسط التي عصفت بالوزير السابق.
وضع، تشدد النقابة، على أنه لم يختلف إلى اليوم حيث لا زال القطاع الصحي يغلي بشكل يومي و احتجاجات المواطنين والاطر الصحية مستمرة. كما لم تتمكن الوزارة من بلورة مخطط وبرنامج واضح المعالم للنهوض بالمنظمومة الصحية وإعادة الاعتبار للقطاع العمومي الصحي وتجاوز اختلالات نظام المساعدة الطبية راميد، الذي كان محور الخطب الملكية في ثلاثة مناسبات، مضيفة أن القطاع يعرف موجة غير مسبوقة لتولية مناصري وأعضاء الحزب الذي ينتمي له الوزير الحالي، مناصب المسؤولية انطلاقا من المدراء المركزيين، وصولا للمناديب على المستوى الإقليمي ومدراء المستشفيات.
النقابة الوطنية للصحة العمومية، باعتبارها منظمة نقابية مواطنة ترعى حق الصحة للجميع، أوضحت أنها بادرت للفعل النضالي الميداني سواء عبر الإضرابات الوطنية العامة أو القطاعية التي تعدت 14 يوما منذ أبريل 2017. كما خاضت المكاتب الإقليمية و الجهوية المئات من الوقفات الاحتجاجية والمسيرات و الاعتصامات الميدانية، أهمها المشاركة النوعية والمكثفة في المسيرة الكبرى للفيدرالية الديمقراطية للشغل يوم 16 أكتوبر 2017، وكذا المسيرة الوطنية الاحتجاجية ليوم 3 فبراير، فضلا عن الاعتصام البطولي الذي يخوضه مناضلات ومناضلي النقابة بجهة مراكش آسفي، بكل صلابة وإصرار لأكثر من 60 يوما على التوالي، التي يتم الإعداد لإنزال وطني بها قريبا. وأشارت النقابة إلى أن القطاع عرف استئناف مسار الحوار الاجتماعي الذي انطلق يوم 7 يناير 2019، دون أن يتم تسجيل أي عرض موضوعي، إلى حدود الساعة، في شقيه المالي والإجرائي، بخصوص مطالب الأطر الصحية بكل فئاتها التي كانت موضوع اجتماعات اللجان الموضوعاتية ذات الصبغة الفئوية، المُشكَلة من ممثلي كل النقابات القطاعية ومسؤولي الوزارة الوصية، حيث صادقت على خلاصاتها بتاريخ 14 مارس، وهو ما جعل النقابة تؤكد على أن الحوار القطاعي يجب أن يكون منصفا وعادلا لكل الفئات بناء على خلاصات عمل اللجان الموضوعاتية، وشددت على ضرورة التجاوب مع كل المطالب، حيث سيعقد المكتب الوطني بناء على عرض الوزارة وتطور المستجدات مجلسا وطنيا، الذي يعتبر أعلى هيئة تقريرية بالنقابة، للبث فيما له علاقة بخلاصات الحوار الاجتماعي داخل القطاع.

قدماء ولكن …

أشكال الغضب تتعدد في قطاع الصحة، وإذا كانت هناك مطالب عامة، فإن هناك أخرى خاصة، تهمّ فئة دونا عن غيرها، وتعتبر راهنية وذات أولوية بحسب المتضررين بسبب تغييبها، كما هو الشأن بالنسبة للممرضات والممرضين أعضاء التنسيقية الوطنية للممرضين المجازين من الدولة ذوي سنتين من التكوين، الذين يطالبون بالإنصاف وبتحقيق العدالة المهنية، وتمكينهم من الترقية التي حرموا منها، ورفع الضرر الذي جاء به مرسوم أكتوبر 2017 الذي يحمل رقم 2.17.535 المتعلق بفئة الممرضين وتقنيات الصحة.
ممرضات وممرضون، يؤكدون أنهم ضحية لمجموعة من الممارسات الإدارية وغيرها، التي تبخسهم حقهم وتتسبب لهم في معاناة مزدوجة، مادية ومعنوية، مستدلين على ذلك بالمرسوم المذكور الذي لقي معارضة في أوساط المتضررين، حيث شدّد عدد منهم في تصريحاتهم على كون المرسوم الذي تم وصفه بـ «المجحف»، لم يراع المجهود الذي بذلته هذه الفئة من الممرضات والممرضين في تطوير المنظومة الصحية وخاصة في محاربة الأمراض الوبائية. متضررون منهم من قضى 20 و 30 سنة في القيام بواجبه المهني، وهو اليوم على مشارف التقاعد، محرومون من ترقية تعتبر حقا من حقوقهم، وهم الذين أفنوا زهرة عمرهم في خدمة الصحة العمومية، والمؤشرات الصحية تدل على ذلك، خاصة بالنسبة لبرامج التلقيح التي منحت المغرب مناعة على مستوى بعض الأمراض، حيث قامت هذه الفئة بمجهود كبير في هذا الصدد، وهم يطالبون منذ مدة برفع الضرر عنهم لكنهم رغم مناشدتهم واحتجاجهم فهم لم يجدوا لحدّ الساعة آذانا صاغية.

سخط التقنيين

التقنيون العاملون بقطاع الحصة، البالغ عددهم حوالي 4 آلاف تقني، الذين يتوزعون ما بين الوزارة والمراكز الاستشفائية الجامعية وكليات طب الأسنان، هم بدورهم يحتجون، ودعوا لخوض إضراب جميع التقنيات والتقنيين بالمصالح المركزية والخارجية والمراكز الاستشفائية الجامعية، باستثناء أقسام المستعجلات والإنعاش، أمس الجمعة 26 أبريل 2019، بعد وقفة سابقة يوم 11 من نفس الشهر.
ويشدد التقنيون على أن احتجاجهم سببه ضبابية المشهد الاجتماعي وطريقة تسيير الحوار مع الفرقاء الاجتماعيين وتفييء المطالب، ويطالب المحتجون بالإنصاف والمساواة في التعويض عن الخطر، على اعتبار أن التقنيين يزاولون مهام ومسؤوليات حساسة على مستوى المصالح الإستشفائية، كما هو الحال بالنسبة لمصلحة الاستقبال والقبول التي تعتبر أول نقطة اتصال المريض مع الإدارة حتى استشفائه، إلى جانب تقنيي النقل والإسعاف الصحي الذين يعانون من مشاكل خطيرة، على رأسها أخطار الطريق ويؤكدون أنهم غير مؤمنين ضدها، ويجتازون تكوينات غير ملائمة مع طبيعة مهامهم، حيث يُكونون في المهام التمريضية لمدة سنتين دون تكوين في النقل، ويعتبرون في حكم هيئة التقنيين المشتركين بين الوزارات، ويقومون بالنقل بين مختلف المستويات الإستشفائية دون مرافقة طبية أو تمريضية.
كما يرفع التقنيون مطلب إحداث نظام أساسي خاص بتقنيي وزارة الصحة مبني على الأطر، عوض الدرجات، نظرا لخصوصية القطاع ووجود تخصصات كثيرة من التقنيين، في الوقت الذي لا ينصف بحسبهم، المرسوم 2.05.72 بتاريخ 2006 هذه الفئة، سواء في الشق المتعلق بالترقية (كتابي، شفوي، كوطا) أو التعويضات.

«قابلات» وأمهات

نظمت التنسيقية الوطنية للقابلات إنزالا وطنيا مصحوبا بوقفة احتجاجية واعتصام جزئي أمام مقر وزارة الصحة بالرباط، يوم الخميس 25 أبريل 2019، للمطالبة بتوظيف كل المعطلات البالغ عددهن ألفي قابلة، في إطار النظام الأساسي للوظيفة العمومية، وإدماجهن في مختلف مصالح الولادة ووحدات رعاية صحة الأم والطفل وأقسام إنعاش المواليد ومصالح طب الأطفال وكذا خليات تنظيم الأسرة.
خطوة احتجاجية سبقتها أخرى في 13 دجنبر 2018، إلى جانب أشكال أخرى، أكدت خلالها المعطّلات غير ما مرّة، على أن منظمة الصحة العالمية تشدد على أن السبب الرئيسي لوفيات النساء الحوامل أثناء الوضع يرجع إلى النقص في صفوف القابلات، وبأن الحد الأدنى الموصى به عالميا يقدر بست قابلات لكل ألف ولادة، والحال أن المغرب يوفر أربع قابلات مما يعرض حياة الأمهات وأطفالهن للخطر. وناشدت القابلات وزارة الصحة للعمل على الرفع من المناصب المالية وتوظيف جميع المعطلين من خريجي وممرضي المعاهد العليا للمهن التمريضية وتقنيات الصحة، وأبرزن أن عدد المعطلين والمعطلات فاق 9 آلاف من بينهم حوالي 2000 قابلة، حتى يتسنى سد الخصاص الذي يعرفه المغرب على مستوى الموارد البشرية بقطاع الصحة، خاصة على مستوى الممرضين، الذي يقدر بـ 12 ألف ممرض. لكن مطالبهن تظل معلّقة رغم نضالاتهن واحتجاجاتهن، في الوقت الذي اكتفت فيه الوزارة باتخاذ قرار وقف التكوين في هذه الشعبة عوض الرفع من المناصب المالية.

طلبة بدون «مدرجات»

عشنا في 2015 غليانا طلابيا كبيرا، بكليات الطب والصيدلة، وتتبعنا إضرابات ووقفات ومسيرات، ومقاطعة للدروس، من أجل التعبير عن مخاوف تحدق بالتكوين الطبي وبالممارسة الطبية، واليوم يعود طلبة آخرون، ليؤكدوا أن الواقع هو نفسه لم يتغير، إذ خرج آلاف الطلبة بكليات الطب والصيدلة لـ «تشييع» جنازة الجامعة العمومية، ولم يكتفوا بمجرد خوض إضراب وطني أول فثانٍ، ولم يشف غليلهم تنظيم مسيرات ووقفات فحسب، بل ساروا في مواكب رمزية، أصروا من خلالها على بعث رسالة إلى من يهمهم الأمر، علّهم يستوعبونها ويتفاعلون معها، ويحجموا عن الإضرار بالمستقبل، مفادها أن عناوين احتضار» الصحة العمومية هي متعددة، ولا تقف عند حدود وضعية عدد من المؤسسات الصحية العمومية، في المدن كما في البوادي، بل تمتد لتشمل إلى جانب الممارسة الشق المتعلّق بالتكوين أيضا؟
كليات الطب والصيدلة وطب الأسنان العمومية، تعيش اليوم على إيقاع التصعيد، فقدر قرر الطلبة مقاطعة امتحانات الأسدس الثاني من السنة الجامعية الجارية، في خطوة تصعيدية جديدة للردّ على البلاغ المشترك لوزارة الصحة ووزارة التعليم العالي، الذي صدر عقب الاجتماع الذي جمع الأطراف كلها يوم الجمعة 12 أبريل، والذي جاء بحسبهم «ليضرب عرض الحائط ما تم الاتفاق عليه، وسعى إلى قلب الحقائق فضلا عن الطعن في مصداقية نضال الطلبة الأطباء»، وهو ما يعني بان الأفق مسدود، في ظل تضارب الآراء والتصريحات، وفي غياب رؤية حقيقية متبصرة لتفادي تكرار مثل هذا النوع من السيناريوهات.

إرث ثقيل

لا يختلف إثنان في أن وزير الصحة الحالي أناس الدكالي قد وجد أمامه إرثا ثقيلا من المشاكل المتعددة والمتشعبة، وبأنه سعى إلى محاولة تطويق عدد من الأزمات وإيجاد مخرجات للمعضلات المطروحة في عدد من الاتجاهات، حيث عقد لقاءات تواصلية وأخرى حوارية، التزمت خلالها الوزارة مع أطراف نقابية بالعمل على معالجة نقط مطلبية مشتركة وفئوية ليس لها أي أثر مالي، حيث ستتكلف اللجان بالتسريع بإيجاد حلول لها ووضع جدولة زمنية لإخراج مقترحات بخصوصها، ونقط مطلبية مشتركة لها أثر مالي، ويتعلق الأمر أساسا بمختلف التعويضات بالزيادة في قيمتها، ثم نقط مطلبية فئوية لها أثر مالي، لتحسين الأوضاع المادية لموظفي الوزارة من أطباء وممرضين ومتصرفين ومساعدين تقنيين وإداريين ومساعدين طبيين وتقنيين ومهندسين.
الدكالي جاء أيضا بمشروع ومخطط للصحة 2025 ، ورافع متعهدا وملتزما بتطوير وتجويد المنظومة الصحية، وأكد انخراط الوزارة بمساهمة باقي المتدخلين من أجل المراجعة العميقة للمنظومة الوطنية للصحة وتقويم الاختلالات المرتبطة بتنفيذ برنامج المساعدة الطبية «راميد»، وبخصوص إضرابات طلبة كليات الطب والصيدلة، أوضح أن الوزارة مستعدة لمواصلة الحوار معهم، ولإعداد برنامج لاستدراك ما ضاع من الحصص دراسية طيلة الفترة الماضية، مشددا على أنها استجابت لجميع مطالب الطلبة، وقامت بحلّ المشاكل التي تم طرحها بخصوص التكوين داخل المستشفيات الجامعية، وأوضح أن القطاع العمومي في الصحة يتعزز كل سنة بكليات عمومية جديدة ومستشفيات جديدة يتم إحداثها، وبان هاجس الخوصصة هو بعيد.
إكراهات مقابل انتظارات، وآمال وطموحات تعلّق على قطاع الصحة، من طرف المواطنين بالدرجة الأولى ومن جانب المهنيين ثانيا، الأكيد أنها عريضة وكثيرة بحجم الأمراض والعلل المتعددة، فالمرض باعتباره عارضا صحيا ملموسا له تبعاته وآثاره، النفسية والعضوية، المادية والمعنوية، يحظى باهتمام الجميع، الذي يتطلعون للإفلات منه أو العلاج منه في حالة الإصابة به، والنعيم بصحة جيدة، كما تنص على ذلك المواثيق الكونية والوثائق الدستورية.


الكاتب : وحيد مبارك

  

بتاريخ : 29/04/2019