تهافت «عبدة» بنكيران

التليدي يستبلد المغاربة، ويعتبرهم بدون وعي ولا ذاكرة، يشوه الحقائق ويؤول تاريخ الاتحاد الاشتراكي تأويلا سيئا؛ إنها عقدة الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية التي ترقد تاريخيا في قوى الظلام والتخلف، قوى المحافظة والمتاجرة بالدين والوطن … ترقد حينا وتستيقظ عند كل مبادرة جريئة لحزب الوردة، كما هو الحال اليوم…
واليوم يستظل التليدي بالمجاهد عبد الرحمان اليوسفي ليتحدث عن القوة الثالثة، يوظف رمزا اتحاديا أسطوريا للإساءة إلى الاتحاد الاشتراكي، متناسيا أن البيجيدي شكلت مكونا أساسيا للقوة الثالثة التي أجهضت “المنهجية الديمقراطية” !
(…) لن نقبل إطلاقا، الآن وغدا، لن نقبل أن يمس التليدي قدسية النضال وعظمة صناع التاريخ…
لن نقبل أن يمس الاتحاد الاشتراكي.. مدرسة السياسة والأخلاق.. نضالات بطولية وتضحيات أسطورية.. مواقف شجاعة وجريئة… مدرسة الشهامة والمروءة.. مدرسة الرفعة والسمو.. منها تخرج ومازال.. تخرج أكفأ وأنزه الأطر المغربية… أطر مواطنة وطنية… الاتحاد الاشتراكي هو الذي واجه الرصاص في زمن الجحيم وهو يبني المغرب في زمن الانتقال والتحول؛ الزمن الذي أسسته حكومة التناوب وجذره وأكده الملك الحداثي محمد السادس؛ قاطرة القوى الحية الديمقراطية ببلادنا…
الذي حول كتاباته لحائط مبكى يرثي فيه أمجاد الاتحاد الغابرة، ويسيل الدمع الحزين على أيام النضال، وأيام الرجال وأيام الأبطال، ويذكر المغاربة بالاتحاد الذي كان… كان حزبا قويا بزعماء كبار شامخين، وبقامات سياسية عملاقة، وبهامات حزبية سامقة لا يمكن لذاكرة المغاربة أن تنساها…
من حقه، ومن حق كل المتباكين معه، أن يسيلوا كل هاته الدموع.. ومن حق  التليدي ومن معه، أن يروا أن الاتحاد تبدل، وأن الاتحاد تغير… و.. شيء واحد ليس من حق التليدي والمتباكين نسيانه، أنه وحينما كان الاتحاد اتحادا مثلما يقولون اليوم، كانوا هم يفضلون الاعتكاف في المنازل، وقراءة الوِرد ليل نهار، وأداء الصلاة خفية، والتستر على كل العلاقات.. أيامها كانوا يقولون عن الاتحاد أنت حزب (الملحدين واليساريين الضالين والعلمانيين الملعونين بإذن الله تعالى)، وكانوا يعتقدون أن (التعاون) ضد الاتحاد مشروع وشرعي، بل هو وجه من أوجه نصرة لله تعالى!!!
حزب العدالة والتنمية حزب صنع في دهاليز الإدارة، خصوصا إدارة الداخلية في عهد إدريس البصري، صنع لمحاصرة الأحزاب الديمقراطية الحداثية، من خلال التشكيك في مشاريعها وأطرها، وإلصاق تهم الزندقة والكفر والإلحاد بكل مناضل يساري، ديمقراطي وحداثي …
في ظروف تاريخية عسيرة شجعت الدولة “الإسلام السياسي” في لبوسه الدعوي والحزبي، ووفرت له شروط الاشتغال والانتشار بهدف مواجهة اليسار الديمقراطي… واستغل “للتسرطن” في المجتمع… وستتنبه الدولة إلى خطر هؤلاء مع أحداث الدار البيضاء المؤلمة في 16 ماي 2003، فتبين لها أنها تحصد ما زرعت… إن اليسار كان يؤطر الجماهير لتفجر حناجرها في التظاهرات الاحتجاجية، أما الإسلاميون فيدجنون هذه الجماهير لتفجر أجسادها…
لقد تبين أنه تيار يسكن في المغرب لكنه يقيم روحيا في جغرافيا مفترضة هي إقامة الدولة الدينية في المغرب، أي الطريق إلى أخونة العالم.
وإذا كانت حركة التوحيد والإصلاح تقدم نفسها باعتبارها ثمرة اجتهادات الحركة الإسلامية المغربية، ونتيجة التجاوب بين اجتهادات الإسلاميين المغاربة وإخوانهم في الشرق، وبرغم ذلك فإنها تؤكد على “مسافة تنظيمية من حركة الإخوان المسلمين”، وكذلك على مسافة من بعض اجتهادات هذه الحركة .
إذا ما دققنا النظر في هذا القول على ضوء تاريخ الكيانين وهيكلتهما التنظيمية، وكذلك على ضوء تقييم فترة ممارستها للحكم من خلال حزب العدالة والتنمية في المغرب (نونبر 2012 إلى الآن) وحزب الحرية والعدالة في مصر (يونيو 2012 إلى يوليوز 2013)، فسنجد أن هناك تماثلا بين الكيانين لا يخرج عن الإطار العام  الذي رسمه حسن البنا مؤسس حركة الإخوان المسلمين في الثلث الأول من القرن العشرين.
• آمنة ماء العينين عرت رأس العدالة والتنمية
اعتنق العدالة والتنمية، منذ نيله الشرعية وانخراطه في العمل السياسي داخل المؤسسات بفضل الراحل عبد الكريم الخطيب، وبفضل الراحل الآخر ادريس البصري، شعار الجبهة الوطنية المتطرفة في فرنسا وشعار كل الشعبويين في  العالم كله “كلهم فاسدون” أو “Tous pourris” وظل يقول لقواعده والمتعاطفين معه إن كل الأحزاب المغربية الأخرى مليئة بالمنافقين واللصوص والفاسدين والذين يملؤون بطونهم بمال الفقراء، والذين لا يراعون الله ولا يريدون دخول الجنة أبدا ولايكترثون بالشعب المغربي إطلاقا .
دخل الحزب معمعة العمل الحكومي والبرلماني، وشرع في اكتشاف ملذات الحياة، وفجأة وجد المغاربة أنفسهم أمام زعيمه بنكيران وهو يمتشق المعاش تلو المعاش، ويرفض التخلي عن المناصب الدنيوية الزائلة، أو التي كان يصفها بأنها زائلة، ويجلس في الدار يراقب الفيسبوك ولايفوته، ويطلق من خلاله رصاص الرحمة على نفسه أولا، وعلى حزبه ثانيا، وعلى عديد الشعارات التي أمطر بها الناس هو ورفاقه، أو لنقل إخوانه، في الحزب سابقا على امتداد عديد السنوات .
آمنة ماء العينين لم تُزل السترة عن رأسها فقط في باريس ذات نزوة ليست عابرة. آمنة ماء العينين عرت رأس العدالة والتنمية، وقالت لنا جميعا بصريح العبارة إن السياسة سياسة وأن الدين دين، وأن الجمع بينهما لأجل نيل المناصب البرلمانية أو الوزارية عيب كبير وخطير. تحية لآمنة ماء العينين.
• التليدي والتباكي على “المنهجية الديمقراطية ”
تذكير لا بد منه:
إن كل متتبع للخطاب السياسي ببلادنا، لابد وأن يخرج بخلاصة سياسية ودالة، مفادها أن كل الساسة والمحللين والإعلاميين والمعلقين السياسيين، لم ولن يستطيعوا الخروج من الخطاب السياسي الاتحادي، ومن النسق المفاهيمي الاتحادي؛ يفكرون ويتكلمون لغة اتحادية، حتى وإن كانوا يفتقدون إلى الشجاعة الأدبية والنزاهة الأخلاقية، التي تجعلهم يرتقون إلى نبل الاعتراف بإبداعات ومبادرات الاتحاد الاشتراكي فكرا وممارسة… بل أنكى من هذا، هناك من يعمل على قرصنة خطاب ومفاهيم الاتحاد الاشتراكي، ومنهم من يحاول أن يوهمنا بأنه منتج هذه الأطروحات السياسية، بعد أن يتم إفراغها من حمولتها وتوظيفها خارج السياق …
لا أحد الآن وغدا، يجادل في أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ناضل وعمل من أجل الارتقاء بالسياسة، خطابا وممارسة وتنظيما، وأغنى الحقل السياسي بأدبيات سياسية رفيعة ومفاهيم دقيقة ومعبرة… مفاهيم ارتقت بالخطاب السياسي ببلادنا، من خسة الألفاظ الغارقة في الشعبوية إلى رفعة المصطلحات المؤسسة على التفكير العلمي والفلسفي…
إن الخطاب السياسي الاتحادي يتم إنتاجه داخل اللغة العالمة والمنهجية العلمية… ومنذ البداية، عمل الاتحاد الاشتراكي على تأصيل الخطاب وتجديده، وإنتاج المفاهيم وإغنائها، في تفاعل جدلي مع التحولات السياسية والمجتمعية التي تعرفها بلادنا… في هذا الإطار يتأطر مفهوم “المنهجية الديمقراطية”.
فهل يحق لمن كان أداة من أدوات القوة الثالثة في الخروج عن المنهجية الديمقراطية، سنة 2002، أن يدعي الاحتضان للمنهجية الديمقراطية نفسها؟
(…) للذين يتباكون على المنهجية الديمقراطية، نقول: كان لديكم 42 مقعدا في تلك السنة المشؤومة، وكان لكم موقف دفع في اتجاه التأزيم، وتوحيد اليمين، الذي يحن إلى تعطيل المنهجية الديمقراطية وسيادة صناديق الاقتراع. (…) رغم كل ما حدث، حصل الاتحاد الاشتراكي على أكبر عدد من الأصوات ومن المقاعد، فقد عمل حزب العدالة والتنمية، “حزب تأمين الخروج عن المنهجية الديمقراطية”، على تصريف موقف التعطيل من خلال تشكيل تحالف ثلاثي أصدر البيان “التاريخي” في التهديد بالدخول في أزمة سياسية!!! مع حزبي الاستقلال والحركة الشعبية، إذا ما تم تعيين اليوسفي، أي بلغة أخرى، إذا ما تم احترام المنهجية الديمقراطية !!!
(…) هل ينكر النائحون الجدد على المنهجية الديمقراطية المكرسة دستوريا منذ ذلك الوقت، الانقلاب على مبدعها السياسي، بلغ حد شيطنة اليوسفي وحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، المدافع الوحيد –وقتها- عن المنهجية الديمقراطية… وتحويل الموقف المبدئي من القضية النسائية إلى “فتنة” مجتمعية “..”usfp.ma. 20 أبريل.
• الاتحاد الاشتراكي هو الحل
لا أحد الآن وغدا، يجادل في أن هذا الزمن السياسي، ومن قبل… ومن قبل قبل… ومن بعد… ومن بعد بعد… هو زمن الاتحاد الاشتراكي بامتياز سياسي واستحقاق فكري …
الاتحاد الاشتراكي أنعش المشهد السياسي ببلادنا، وأخرجه من الجمود والرتابة… أعطى للسياسة معنى… انتفض على السبات والاتكالية… على العبث الذي يتهدد مستقبل الديمقراطية ببلادنا…
أكد الاتحاد الاشتراكي، مرة أخرى، أنه ليس حزبا مناسباتيا… ليس حزبا ميتا ينبعث أو يبعث في موسم الانتخابات… حزب حي في التاريخ بل التاريخ حي به… حزب النضال المستمر… حضور فاعل في كل زمان ومكان ..
حزب استثنائي، آمن واختار في مؤتمر استثنائي الاختيار الصعب والصحيح… حزب استثنائي، كان ومازال وسيبقى يمارس السياسة بأخلاق ووطنية… بشكل مختلف عن كل الأحزاب… الديمقراطية منهج وهدف وليست مجرد انتخابات …
والاتحاد الاشتراكي الذي قهر سنوات الرصاص، لن تزعجه الألاعيب
. والكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي لن تشغله سفاسف الأشباح… إنه منشغل بعظائم الأمور… إنه صاحب قضية…


الكاتب : عبد السلام المساوي

  

بتاريخ : 30/04/2019