في ظل « اشتعال الحرب» على العقار الجماعي بالجديدة : بقع «استراتيجية» في خبر كان وأخرى في غرفة الانتظار و«موتى المدينة» يبحثون عن قبور!

مدينة الجديدة التي سبق أن وسمها ليوطي ب «دوفيل المغربية» لم تعد تحمل من هذا الاسم إلا حروفه. فالمدينة التي تنام هادئة على ضفاف المحيط الأطلسي، حرمت من مقبرة لدفن موتاها لا لشيء سوى «حرب العقار» التي اشتعلت حول البقعة التي كان تصميم التهيئة قد جعلها مقبرة لدفن أموات المسلمين. ورغم الاعتصامات والاحتجاجات واللقاءات المتعددة، ظلت الجديدة دون مقبرة حيث يتبرع عليها المحسنون كل مرة بقطعة أرضية لدفن موتاها.
الامر لم يتوقف عند بقعة المقبرة التي مازالت تسيل لعاب العديد من المنعشين العقاريين، ومن بينهم مسؤولون جماعيون، بل انتقلت «حرب العقار»، الى البقعة المسماة سانية الشرفة المعروفة بمخيم لافارج، وهي البقعة التي كانت تملكها بلدية المدينة و تم تفويتها لجهة خاصة بمبلغ 1100 درهم للمتر الواحد في منطقة سياحية يفترض أن تكون قيمتها أكبر من ذلك بكثير.
«الحرب» ذاتها استهدفت البقعة المخصصة للمحطة الطرقية، التي كانت من نصيب إحدى الشركات العقارية، وقد تحكمت – حسب مصادر مطلعة – في قرار نقل المحطة الطرقية من شارع محمد الخامس إلى حي السلام بالقرب من محطة القطار، في صفقة قيل إنها كانت عبارة عن مناقلة بين المالكين للمحطة الطرقية الحالية، وأحد المنعشين العقاريين الذي «فاز» بالبقعة التي كان تصميم التهئية قد خصصها للمحطة الطرقية بشارع جبران خليل جبران، والتي تفوق بقعة حي السلام في المساحة والثمن واشياء اخرى ٠ مطرح النفايات المتواجد بوسط المدينة، والذي لا تزال الجهات التي يعنيها أمره مترددة في الحسم فيه، بات بدوره مستهدفا من قبل هذه «الحرب « بعد أن توقفت أشغال ردمه وتحول أمر اقامة منتجع طبيعي فيه الى مجرد حلم ؟

تساؤلات تفويت مخيم لافارج؟

مخيم لافارج أو «سانية الشرفة»، كما يحمله الرسم العقاري، ملك جماعي، يغري بالنظر لتواجده بالمنطقة السياحية قبالة شاطئ دوفيل عند مدخل المدينة. هكتارات فوتها المجلس الجماعي لشركة خاصة بثمن لا يتجاوز 1100 درهم للمتر المربع، في منطقة يفوق فيها العشرة آلاف درهم٠ علما بأن مصالح الضرائب تصنفها في خانة الاثمنة التي تفوق 5000 درهم؟
صفقة سجل بشأنها متتبعون للشأن المحلي وجمعيات المجتمع المدني ملاحظات عديدة من بينها أنها «عرفت لأول مرة تكوين لجنة خاصة ضمت رئيس المجلس الجماعي، الذي ترأس أشغالها، بمشاركة أطر ومهندسين بالجماعة وعمالة الجديدة، وممثل عن الوكالة الحضرية ومندوبية الصناعة والتجارة والسياحة، وقد تقدمت للصفقة شركتان، لتكون المفاجأة هي إقصاء إحداهما منذ الجلسة الأولى بسبب عدم تقديمها للملف التقني المنصوص عليه في دفتر التحملات، مما طرح لحظتها العديد من الاسئلة، إذ كيف لشركة اعتادت أن تشارك في صفقات كبيرة وتعرف حجم وقيمة الارض التي تتجاوز مساحتها 16000 متر مربع بمنطقة سياحية، ألا يتوفر ملفها على الجزء التقني لدخول المناقصة؟
وقد أثارت الصفقة احتجاجات جمعيات مدنية وحقوقية، حيث راسلت سلطات الاقليم تطالب بإرجاع الأمور إلى نصابها، باعتبار «أن المتضرر الأكبر هو مدينة الجديدة بالنظر لطبيعة المكان الذي تتواجد به سانية الشرفة». فكان جواب عمالة الإقليم “أن الصفقة مرت في ظروف عادية ، وأن المستفيد منها وعد بتوفير مناصب شغل للمدينة «، حيث قالت رسالة عاملية ردا على تظلم عدد من الجمعيات الحقوقية «إن الهدف من تفويت العقار هو إنعاش الشريط الساحلي بالمدينة وخلق فرص شغل من خلال مشاريع استثمارية ذات طبيعة اقتصادية سياحية وترفيهية».

حين تعجز المدينة عن دفن موتاها

مقابر الجديدة لم تعد تفي بالمطلوب ما يزيد من معاناة الأسر ، فمقبرة سيدي موسى استنفدت طاقتها ولم يعد هناك من مكان للدفن. أما مقبرة سيدي أحمد الشريف، التي توجد على طريق سيدي بوزيد، فتحتاج لعلاقات خاصة لكي يظفر الميت بقبره لأنها في ملك جمعية محلية . وما تبقى غير مقبرة الرحمة التي تتواجد على مشارف المدينة، والتي هي الاخرى في طريقها إلى استنفاد عقارها.
لكن لماذا لم تتمكن الجديدة بكل شساعتها من توفير مقبرة لدفن موتاها؟ إن تصميم التهيئة، الذي سينتهى سريان مفعوله في يوليوز من السنة الجارية، كان قد خص المقبرة ببقعة أرضية توجد ما بين مولاي عبد لله والحوزية على مساحة 20 هكتارا، ولم يكن إخراج هذه المقبرة ينتظر غير أن تباشر الجماعة الحضرية إجراءاتها لنزع الملكية وإعداد البقعة لاستقبال موتى المدينة. لكن مسؤولي الجماعة اختاروا ربح الوقت ولم يباشروا العملية. بل إن مستشارين وممثلي جمعيات المجتمع المدني خاضوا من أجل ذلك احتجاجات وصلت حد الإعتصام أمام مبنى بلدية المدينة وقضوا أكثر من ليلة يبيتون أمام المبنى لدفع رئيس الجماعة لاتخاذ ما يلزم لإخراج المقبرة إلى حيز الوجود .الا ان رئيس المجلس الجماعي الذي اضطر الى استقبال المعتصمين واللقاء بهم، وعدهم أن إجراءات نزع الملكية للبقعة المخصصة بحسب تصميم التهيئة ستباشرها المصالح المختصة قريبا. لكنه وعد لم يترجم واقعيا . و المبررات التي قدمها، هي أن الجماعة لا تتوفر على الإمكانيات المالية لنزع ملكية العقار موضوع المقبرة، مضيفا “ أن المهندس الذي كلف بعملية المسح الطوبوغرافي للبقعة ظل يتعرض للمنع من قبل ساكنة تلك المنطقة!» . مبررات لم تقنع المحتجين الذين تحدثوا عن دخول منعشين عقاريين على خط العشرين هكتارا التي خصصها تصميم التهئية لمقبرة الجديدة؟

محطة طرقية بمساحة مقلصة!

بما أن المحطة الطرقية توجد بوسط المدينة والحافلات التي تلجها اصبحت تتسبب في عرقلة السير، فقد أصبح لزاما على الجديدة أن تغير محطتها الطرقية بأخرى في أطراف المدينة.لم يعترض النقالة على قرار المجلس الجماعي الذي اتخذ قرارا بنقل المحطة الطرقية، وطالبوا بنقلها إلى البقعة الأرضية التي هم مساهمون فيها إلى جانب المجلس المنتخب والشركة المغربية للنقل الطرقي. وهي البقعة المتواجدة بشارع جبران خليل جبران على مقربة من جامعة شعيب الدكالي، والتي كانت تصل مساحتها إلى أربعة هكتارات قبل أن تتقلص إلى ثلاثة بعد أن بيع منها هكتار واحد ، غير أن المفاجأة، ستكشف كيف تحكمت «حرب العقار» مرة أخرى في العملية؟
ففي الوقت الذي كانت بقعة المحطة الطرقية البديلة تصل إلى أربعة هكتارات، سيتخذ المجلس المنتخب قرارا يقضي بتغيير مكان المحطة من شارع جبران خليل جبران إلى بقعة بالقرب من محطة القطار، أما المساحة فقد تقلصت إلى حدود هكتار واحد.قرار سيرفضه أصحاب الحافلات ، قبل أن يجدوا أنفسهم أمام الأمر الواقع بمبرر أن المكان الذي تتواجد به المحطة حاليا قد أصبح يشكل عرقة لحركة السير. وبقي الضغط على النقالة الى حين قبولهم بالقرار الذي رافقته جملة من الشروط ، أولها، أن تبادر السلطات إلى فتح طريق تؤدي من المحطة الطرقية بحي السلام إلى مخرج المدينة على مقربة من الطريق السيار لكي لا تضطر الحافلات المتجهة شمالا او جنوبا إلى الدخول إلى وسط المدينة . و ثانيها، أن يتم نقل محطة الطاكسيات الكبيرة كلها وبدون اسثتناء من وسط الجديدة إلى القرب من محطة الحافلات، اما الشرط الثالث فيتمثل في الإبقاء على نفس مساحة بقعة جبران خليل جبران وهي ثلاثة هكتارات مع بناء محطة بمواصفات عصرية . ليدخل على الخط احد المستثمرين الذي استفاد من صفقة مناقلة يستفيد بموجبها من البقعة الأرضية المتواجدة بشارع جبران خليل جبران والتي كان تصميم التهيئة قد جعلها محطة طرقية، والتي تصل مساحتها إلى ثلاثة هكتارات بعد أن تم بيع هكتار منها في ظروف غامضة، مقابل أن يقوم بإحداث المحطة الطرقية الجديدة على مساحة لا تتجاوز الهكتار، وهي الصفقة التي تشير مصادر عديدة إلى أن عائداتها وصلت الى اكثر من ملياري سنتيم . كما تتحدث المصادر عن أن عائدات هذه الصفقة هي ذلك العقار الذي تتواجد به المحطة الحالية والمتمركز بوسط المدينة ،حيث سيدخل المنعشون العقاريين على خطه، والذي سيدر لامحالة عشرات المليارات بحكم ان موقعه مخصص للعمارات ،كما ان ثمن البيع بهذه المنطقة يتجاوز المليون للمتر المربع ،علما بأن المنطقة مجهزة بكافة التجهيزات .

حكاية المطرح القديم

يتحدث متتبعون للشأن المحلي أن مطرح النفايات المغلق هو الآخر لم «ينج» من الحرب الدائرة بين جماعات المنعشين العقاريين الذين استنفدوا كامل الرصيد العقاري بضواحي الجديدة واصبحت عيونهم متجهة صوب «همزات» أخرى. فرغم تعاقب خمسة عمال على عمالة الجديدة، ظل المطرح على وضعه الذي يقض مضجع الساكنة، خصوصا وأنه مطرح قديم سبق أن كان قبلة لأزبال المدينة، قبل أن يتم تغيير وجهة المطرح إلى خارج الجديدة وتحديدا بتراب جماعة مولاي عبد لله القروية. لكن مخلفات هذا المطرح ظلت على حالها ،في انتظار حرب جديدة على هذا العقار، خاصة وأن تصميم التهيئة أشر على إقامة فيلات فوقه.
هكذا تعيش الجديدة «حربا عقارية» على أكثر من واجهة، دون اكتراث بتبعاتها الثقيلة على أكثر من صعيد، ودون التفات لصرخات ونداءات الجمعيات المدنية والحقوقية، التي ما فتئت تدق ناقوس التنبيه من أجل تدارك ما ينبغي تداركه تفاديا للأسوأ.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 13/05/2019