أسئلة الصحة في رمضان وأجوبة الأطباء 6 : الحاجة إلى خلق توازن روحي ومادي لتجنب السقوط في «الترمضينة»

رمضان شهر الصيام والصحة على حدّ سواء، وإذا كان مسموحا للبعض بالإمساك عن الأكل والشرب، لما لهذه الخطوة من «عائدات» إيجابية على صحة الفرد، فإن أشخاصا آخرين يشقّ عليهم الأمر، ويحظر عليهم الصيام خشية تبعات صحية وخيمة قد ترخي بظلالها عليهم، علما بأن هناك من يمتثل لتوجيهات الأطباء، في حين يأبى البعض الآخر إلا أن يخالفها وأن يصوم شهره كاملا مهما كانت التداعيات.
خلال هذا الشهر الفضيل تُطرح العديد من الأسئلة المرتبطة بالصيام، جزء منها يخص الحالات التي يمكن للأطباء فيها السماح للأشخاص بالقيام بذلك، وشقّ يتعلق بموانع الصيام الصحية، وبالإجراءات والنصائح التي يتعين اتباعها والتقيّد بها.
أسئلة تؤرق بال الكثيرين، بالنسبة للحوامل، لمرضى السكري والضغط الدموي، والقصور الكلوي، وغيرها من الأمراض المزمنة… وأسئلة أخرى تخص التغذية والجانب النفسي.
تلتقون خلال هذا الشهر الفضيل مع سلسلة من الحوارات التي يتحدث عبرها عدد من الأطباء العامين والمتخصصين، كل في مجاله، مجيبين عن الأسئلة التي تطفو على السطح كلما حلّ الشهر الكريم بين ظهرانينا، وذلك إسهاما في نشر ثقافة صحية سليمة وفي تحقيق توعية شاملة انسجاما مع الغاية المثلى لهذا الشهر المبارك.

 

– هل هناك حقا شيء إسمه «الترمضينة»؟
– يجب في البداية التأكيد على أن الغضب والانفعال والسلوك العدواني بشكل عام، هي تصرفات دائمة ممتدة في الزمان، لا تقتصر على شهر رمضان أو غيره، وهي تصرفات، لفظية ومادية، قد تكون مناسباتية وظرفية عند البعض، لكن عند البعض الآخر فإنها تتسم بطابع الاعتيادية، وتظهر للعلن وبشكل سريع متى اندلع أي خلاف، قد يكون بسيطا في البداية لكن سرعان ما تتطور حدته وقد تترتب عنه تبعات وعواقب وخيمة.
هذه السلوكات هي ما تتم تسميته خلال هاذ الشهر الفضيل بـ «الترمضينة»، وبالتالي فهي لا تخرج عن القاعدة العامة، إذ تعتبر شكلا من أشكال تعامل بعض الأشخاص، خاصيتهم الانفعال وعدم قدرتهم على التحكم في أعصابهم وتصرفاتهم، علما بأن هذه الحالة قد تكون فعلا بالنسبة للبعض مقتصرة على شهر رمضان، خلافا لما كان عليه وضعهم في السباق، وهذا قد يكون السبب فيه عدم قدرتهم على تحمل ابتعادهم عن الطعام لساعات طوال، أو مفارقتهم للتدخين، على وجه التحديد، باعتبارهم مدمنين على السجائر.
إن بعض الأشخاص لا يقوون على الابتعاد عن الطعام، والبعض الآخر لا يستطيع أن يفترق عن السيجارة، وبالتالي متى لم يجد الشخص سبيلا إلى المادة المخدرة التي اعتاد عليها فإن مزاجه وسلوكه وتصرفاته كلها تنقلب رأسا على عقب، لأن هذه المادة التي كانت تمنحه نشاطا وحيوية وتمكنه من راحة نفسية، بشكل مرضي غير طبيعي، هي غير متوفرة وهو ما يؤدي إلى ظهور هذه الانفعالات والسلوكات العدوانية.
هذا الوضع كما أسلفت يتضاعف في رمضان مع الابتعاد عن مواد أخرى يمكن تسميتها بالمساعدة وليست البديلة، كالسكريات التي تمنح الإنسان الطاقة والحيوية والقدرة على تحمل ضغوط الحياة اليومية، فتتقلص قواه وتضعف، وفي ظل ما اعتاد على إدمانه، يسقط في الانفعال ويقع فيما يعرف بـ «الترمضين».
– كيف يمكن تفادي السقوط في هذا النوع من ردود الفعل المسيئة للطقس الرمضاني؟
– الحل يكمن في أن الإنسان يجب أن يتعلم كيف يضبط نفسه ويتحكم في أعصابه، وهذا يتطلب إرادة شخصية التي تعتبر ضرورية، كما أنه يمكنه الاعتماد على تقنيات متوفرة ومتاحة من شأنها أن تساعده على الاسترخاء، ومتى أتقن هذه المقاربات واعتاد عليها يستطيع مضاعفة طاقة التحكم في أعصابه بشكل ليس بالهين.
ويجب وبشكل كبير الاهتمام بالنمط الغذائي، وذلك بتقليص منسوب الأكل، لأن الغاية من رمضان ليس هي الإفراط في الأكل وإنما التخفيف من معدلاته، في الليل كذلك، لكي يعتاد الجسم على هذا الوضع مما يسهم في خلق توازن بشكل آخر، الأمر الذي قد يكون شاقا في البداية، لكن مع مرور الوقت سيعتاد الجسم على هذا النمط وسينعكس إيجابا على الشخص عضويا ونفسيا
إلى جانب ذلك يجب الاهتمام بالبعد الديني الذي يمكنه أن يسهم في تقوية طاقة الشخص وقدرته على مواجهة الضغوطات الدنيوية، والرفع من درجات التحمل واستيعاب المشاكل واحتوائها دون السقوط في فخ القيام بردود فعل بشأنها.

– ما هي أبرز النصائح التي يمكنكم تقديمها للقراء؟
– إن الصيام في رمضان يسهم في تنقية الجسم وتصفيته ويمكّن أعضاءه من فترة راحة بفضلها يتم تحقيق توازن في الذات، له أثر إيجابي عضوي ونفسي، لهذا فإن النصيحة الأساسية التي أؤكد عليها هي ضرورة الانتباه لطبيعة النظام الغذائي، إلى جانب النوم كفاية وعدم تخفيض ساعاته، وخلق التوازن بين ما هو روحي وما هو مادي لتقليص حدة الضغوطات التي ترتفع معدلاتها في مواقف متعددة ومختلفة من مناحي الحياة اليومية.


الكاتب : حاوره: وحيد مبارك

  

بتاريخ : 13/05/2019

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *