عبد الله إبراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب 10 : حين طالب محمد الخامس المقاومة بالتخلي عن السلاح

عبد الله إبراهيم : تاريخ الفرص الضائعة
دخل المعترك السياسي من جهة اليسار، وخرج منه من الجهة نفسها؛ عبد الله ابراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب، المسؤول السياسي النظيف الذي أخلص لمواقفه، والمثقف الذي جالس كبار مثقفي العالم، وساهم من موقعه كأحد رجال الحركة الوطنية في تدبير الشأن العام.
قليل من المغاربة اليوم، من يعرف هذا الرجل السياسي المحنك، الذي رحل عنا في شتنبر 2005، وقليلون يعرفون أنه كان يقود أول تجربة للأمل، وأول حكومة كانت منشغلة، حقا وصدقا، بدسترة ودمقرطة وتحديث الدولة المغربية، لكن إسقاط الحكومة على ذلك النحو المخطط له من قبل «الطابور الخامس» أجهض أمل المغاربة.
وقد ظل عبد الله ابراهيم أيقونة قيادية ذات سلطة أخلاقية وضمير سياسي واضح، غير منغمس في المساومات والدسائس وترتيبات الظل.
وقد جنحت زكية داوود، عبر مؤلفها الحديث « عبد الله إبراهيم: تاريخ الفرص الضائعة»، نحو استعراض السيرة الذاتية لواحد من إيقونات النضال السياسي بالمغرب، شخصية اجتمعت فيها صفات الثقافة الذكاء والحنكة السياسية، عبر تجميع مجموعة من أبرز الصور والبورتريهات، فضلا عن شهادات لأشخاص عاصروا عبد الله ابراهيم وتاريخه السياسي.

 

تحدث عبد الله ابراهيم، في كتاباته الأخيرة عن محاولة تجميع قوى المعارضة في 1955، شاهدة بدايات مقبولة بمدينتي الدار البيضاء و مراكش، قبل أن تفشل بسبب الانشطار الذي تسببت فيه ما بين المقاومين المغاربة، حاملة للنهج غير-الجدي ما بين أقطاب المجتمع، على الصعيد الوطني. استقر السلطان وعائلته بمدينة باريس، بتاريخ الأول من نوفمبر بقصر «سان-جيرمان-اون-لاي»، في حين أن المناقشات الحقيقة قد انطلقت، بين السلطان والسلطات الفرنسية، بمنطقة «سيل-سان-كلود»، ليتبعها لقاؤه بالقائد الكلاوي دونا عن الكتاني و الحجاوي.
انطلقت المشاورات الساعية للتأسيس لحكومة جديدة، في أجواء سادت فيها المنافسة بين أقطاب النضال، وأرخت بظلالها على الوضع الحالي لحزب الاستقلال، ما صعب من عملية تكوين والتأسيس لأي حكومة مستقبلية، خاصة بعد خطاب الملك في 18 من نونبر، الذي وعد الملك فيه بملكية دستورية، وضامنا فيه لليهود المغاربة و الفرنسيين، الذين قاربت أعدادهم ستمئة وأربعة و ثلاثين شخصا.
شهد تاريخ 7 ديسمبر، ولادة أول حكومة مغربية، في نفس وقت الاجتماع الذي نظمه حزب الاستقلال بالرباط، خلاله قدم «بوعبيد» تقريره الخاص. استحوذ حزب الاستقلال على 45 في المئة من مقاعد الحكومة، وترأس «البكاي» منصب الوزير الأول، ليمثل الحزب بما بين ثمانية إلى تسعة وزراء. تقلد عبد الله ابراهيم منصب وزير الدولة المكلف بالمعلومة، والمرتبط برئاسة المجلس، زيادة على مدير النشر لجريدة «العلم»، في حين يؤكد بعض من أقاربه أنه تعرض لضغوطات كثيرة، لكي لا يمزق الحركة الوطنية.
استمر استقرار علال بالقاهرة إلى غاية غشت 1956، ليتوجه مباشرة إلى طنجة متفاديا المرور بالرباط، أما فيما يخص بن بركة فلم يتحصل على منصب وزاري، إلا أنه حصد منصب رئيس «المجلس الوطني الاستشاري»، المتكون مما يقرب من 29 في المئة من أعضاء منتمين لأحزاب سياسية، و سبعة و ثلاثين عضوا من الهيئات المهنية، و ثمانية عشر شخصا من القطاع الفلاحي، وتسعة تجار أغلبهم من حزب الاستقلال، و»محجوب بن صديق» نائب رئيس المجلس، وبالرغم من التنوع في جسد المجلس، إلا أن الفترة الانتقالية به اتسمت بما يصطلح عليه»عنق الزجاجة»، لعدم قدرة قادة الاستقلال على الوصول للأهداف المرسومة للمجلس.
في شهر يناير من سنة 1956، انعقد جمع عام استثنائي للمقاومة بباريس، بحضور «علال الفاسي» و «عباس مساعدي» و «الفقيه البصري»، و «ايت ايدر» ثم «المهدي بن بركة» الذي تمت مواجهته من طرف عباس مساعدي و «عبد القادر الفاسي». وبحسب ايت ايدير الذي تولى أمور حركة المقاومة، فإن تصرفات مساعدي كانت غريبة بعض الشيء، لكن أغلبية الحاضرين من بينهم «الخطيب»،قرروا الاستجابة لنداء محمد الخامس بالتخلي على السلاح، إلا أن فئة قليلة منهم رغبت في مواصلة النضال.
لم يتقبل الإسبان مبادرة مدريد، بنقل قوتها السلطوية إلى الحكومة المغربية، ما نتج عنه مشاداة و إطلاق نار من طرف الإسبان، أسفر عما يقرب من عشرين قتيلا و حوالي مئة جريح، لتنهج الحكومة الفرنسية نفس الطريقة. وفي 15 من فبراير 1956، انعقدت مفاوضات جديدة بباريس مع محمد الخامس، ليتم إلغاء «معاهدة الحماية» بشكل رسمي في الثاني من شهر مارس، مع الاعتراف الرسمي باستقلال المغرب، ليلتحق السلطان بالرباط في الخامس منه في أجواء مشحونة بسمات الحرب الأهلية، لينطق في التاسع منه بخطاب بالقرب من صومعة حسان، حضره ما يقرب من مئة و خمسين ألف شخص، ليعلن عن استقلال المغرب في 2 من مارس، لتعترف اسبانيا فيما بعد باستقلال المغرب.
شهد تاريخ 27 يونيو 1956، مقتل عباس مساعدي وسط جو مشحون بالسوداوية، وبتبعات الحرب و النزاعات، سيؤدي لتبعات خطيرة فيما بعد، منها التفكك في مقومات جيش التحرير الوطني، لتنتج عنه الحركة الشعبية المعارضة لحزب الاستقلال، وهي الحركة التي ستساند القصر في مواجهة حزب الاستقلال، والذي سيستعين بشخصيات منها «لغزاوي» رئيس الشرطة و «إدريس السلاوي»، بغية للتأسيس لإعادة استعادة النظام الملكي.
سلم علال الفاسي لمحمد الخامس، في شهر غشت دفتر ملاحظات، مطالبا بتصفية الممتلكات والمصالح الاستعمارية، وتكوين حكومة مسؤولة و متجانسة، أي تتضمن أكبر عدد من الاستقلاليين ضمنها، ساعيا إلى تضمين الصحراء وموريتانيا ضمن التراب الوطني. ولج المغرب إلى جامعة الدول العربية، للمرة الأولى في تاريخه في شهر أكتوبر، عبر مدينة طنجة التي وحدت البلاد، إلا أن 22 من أكتوبر 1956 حمل أخبار سيئة للمغرب، في الوقت الذي سعى فيه السلطان، وأعضاء الحكومة إلى التوصل لحل للأزمة الجزائرية، تم اختطاف الرموز التاريخية ل»جبهة التحرير الوطنية FLN»، من بينهم «بن بلة» و لتبدأ بوادر الأزمة الدبلوماسية بالظهور ما بين المغرب و فرنسا، مع استدعاء بوعبيد من باريس وانتهاء حكومة البكاي.
في 27 من أكتوبر، تم تأسيس حكومة البكاي الثانية، مكونة من عشرة وزراء استقلاليين من أصل ستة عشر وزيرا، ليقبل عبد الله ابراهيم منصب وزير الشغل، في خضم الأزمة الاقتصادية وهجرة رؤوس الأموال خارج المغرب، وإغلاق المصانع والشركات لأبوابها بسبب العطالة. سيعمل عبد الله ابراهيم عبر منصبه الوزاري، على توحيد الأجور ما بين المنطقتين الشمالية و الجنوبية، وإقحام اسم المملكة ضمن عدة اتفاقات و معاهدات دولية، سيجاهد أيضا لحصول المقاومين على مناصب شغل، سواء ضمن القطاعين الصناعي أو التجاري.

 

قسمت زكية داوود الكتاب إلى عدة فصول: «1918 -1944: ظهور قائد وطني في مراكش»، «1945 -1949: في رحاب الثقافة، بباريس»، «1949-1957: من السجن إلى الحكومة»، «1958-1960: الأزمات والحكامة الصعبة»، «1960-1964: مؤتمرات، مؤامرات، قطائع وانقسامات»، «1965-1969: على خطوط الجبهة الثانية»، «1970-1975: الكتلة والانشقاقات، ورقات حول ساحة النضال»، «1976-1990: التمزق الكبير»، «1990-2005: مع الذكاء وقوة القول».


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 17/05/2019