حكاية  أول  أغنية فنانون  مغاربة يسترجعون  البدايات : عزيزة  ملاك:«ذكريات الماضي» كانت  مع شكيب  العاصمي

للبدايات سحرها  الخاص ،تبقى  دائما عالقة  في الذاكرة والوجدان،  مثل ظلنا  القرين،لصيق بنا في الحل والترحال،  مهما  كانت الإخفاقات أو  النجاحات فلن  يستطيع  الزمن  طيها.
البدايات كانت  دائما  صرخة  اكتشف  معها  المرء  لغز  الحياة،
وككل  بداية  أو أول خطوة تحضر  الدهشة  بكل  ثقلها، نعيش  تفاصيلها  بإحساس  مغاير  تماما  ،وهو  الإحساس الذي  يكتب له الخلود  ،نسترجعه  بكل  تفاصيله  وجزيئاته، كلما ضاقت  بنا  السبل  أو ابتسم لنا الحظ وأهدانا  لحظة فرح  عابرة.
البدايات  في كل شيء،  دائما  هناك  سحر  غامض  يشكل برزخا  بين  الواقع  وماتتمناه  النفس  الأمارة  بالحياة والمستقبل الأفضل.
في هذه  الزاوية  نسترجع  بدايات  فنانين  مغاربة عاشوا  الدهشة في أول عمل  فني  لهم،  واستطاعوا  تخطي  كل  الصعوبات كل  حسب  ظروفه  المحيطة  به، ليبدع لنا  عملا  فنيا  ويهدينا أغنية تشكل  اليوم  له مرجعا  أساسيا في مسيرته  الفنية   ،وتشكل لنا  لحظة  بوح  من خلال  استرجاع  عقارب  الزمن  إلى  نقطة  البدء،  وتسليط  الضوء على ماجرى.

 

«أحببت الفن منذ صغري، بل أغرمت به وأنا طفلة، وفي هذه السن اكتشفت العائلة والمقربين منها موهبتي في الغناء. وكنت أغني في المناسبات العائلية ، طبعا بطلب من الأهل والأقارب ، لذلك لم يكن والداي يمانعان في ذلك، مادام الأمر يتم في جو عائلي ، ولم يكونا يسمحان لي بأن أتجاوز هذه الدائرة الضيقة، على اعتبار أننا عائلة محافظة كباقي العائلات المراكشية …» ، تتذكر الفنانة عزيزة ملاك أن «العديد من الأسماء تدخلت لدى والدي من أجل إقناعه حتى أشارك في برنامج «مواهب «للأستاذ عبدالنبي الجيراري الذي كان في مراحله الأخيرة ، منهم عبدالله غرنيط رحمه الله الذي شغل منصب وزير الصناعة التقليدية وكذلك أحمد الصماط الذي كان مندوبا للتعاون الوطني بمراكش وعبدالله عصامي وغيرهم ، المهم بعد المشاركة في هذا البرنامج ، وفي نفس الشهر تقريبا أديت أول أغنية في مشواري الفني تحمل اسم «ذكريات الماضي «من ألحان الأستاذ عبدالله عصامي وكلمات حسين أبو ريكة ، كان موضوع الأغنية طبعا عاطفيا ، كما لاقت الأغنية تفاعلا وتجاوبا من طرف الجمهور، بعدها أديت أغنية «خانتك ليام « من كلمات طاهر سباطة وألحان سي عبد الواحد التطواني، لتتوالى بعد ذلك الأعمال الفنية مع بنموسى، شكيب العاصمي، لكن الانطلاقة الحقيقية كانت في التسعينيات ، حيث أديت أغاني وطنية كثيرة وأغاني بمناسبة أعياد ميلاد الأمراء والأميرات مع الحاج العربي الكواكبي الذي كان مكلفا بذلك .
لكن الأغنية التي اشتهرت بها داخل المغرب وخارجه تقول الفنانة عزيزة ملاك كانت هي أغنية «مايهموني حساد «من لحن سعيد إمام وكلمات محمد الباتولي، حيث عرفت هذه الأغنية نجاحا كبيرا وتعاطفا معي أيضا ، بحكم أن هذه الأغنية جاءت ردا على الإشاعات والمؤامرات التي كانت تستهدفني من البعض ، الذين سخروا جرائد صفراء لهذا الغرض الدنيء، حيث وضعت صورتي مع وضع «بانضة» تغطي عيني ، ونالت من سمعتي ظلما وبهتانا ، دون أن يرف لهم جفن ودون احترام أي وازع ديني كان أو أخلاقي، ولم تهمهم سمعة أبنائي أو زوجي ، لقد أرادوا تدمير حياتي بالكامل ، ولم أكن أعرف أن هناك أناسا بهذا الخبث ،قبل ذلك كنت أعتقد أن الناس جميعا كلهم ملائكة ، المهم لجأت إلى القضاء وقد ادعى صاحب الجريدة أن الصورة هي لفنانة تركية، لكني أكدت أن هذه الصورة لي والدليل هو الساعة اليدوية والخواتم التي كنت أضعها ، المهم تم سحب العدد الخاص بهذه الجريدة من الأسواق ، لقد تضررت نفسيا من هذه الإساءة والإشاعة، أتذكر جيدا أنني أقمت عند الأميرة الجليلة للا عائشة رحمها الله بدعوة كريمة من سموها في الشمال وبالضبط في «كابونيكرو « حتى تخفف عني ماتعرضت له من ضرر نفسي نتيجة هذه الإشاعة التي انتصر فيها القضاء المغربي لصالحي، وكانت رحمها الله تقول لي ،عليك ألا تهتمي بهذه الشائعات، وحكت لي ما تعرض له كبار الفنانين مثل كوكب الشرق أم كلثوم وغيرها من إشاعات ، وقد استنكر الإعلام المغربي ماتعرضت له ، ومنهم الصحافيان آنذاك سعيد الإمام ومحمد الباتولي، فكانت هذه الأغنية من توقيعنا نحن الثلاثة ، وسجلناها في استوديو أضواء المدينة للأستاذ حميد العلوي، بعدها جاءت أغنية «حبيتك والسلام «وغيرها من الأغاني الأخرى التي افتخر بها اليوم.
بالنسبة للصعوبات التي واجهتها في أول أغنية ، عن ذلك تقول عزيزة ملاك ، آنذاك كنت مستقرة مع والدي في مراكش ، وكان علي التنقل إلى فاس قصد تسجيل الأغنية ، بعد وصولي لم يسعفنا الوقت ، فعدنا إلى الرباط وتم تسجيل «ذكريات الماضي «مع الجوق الوطني برئاسة الأستاذ عبدالقادر الراشدي، في حين تم تسجيل أغنية «خانتك ليام « مع جوق الدار البيضاء برئاسة الأستاذ إبراهيم العلمي .
طبعا كانت ردود الفعل إيجابية من طرف العائلة بعد أن سمحت لي بولوج هذا العالم بتدخل من أصدقائها ، حيث توطدت العلاقة في ما بعد بين الفنانين والعائلة بشكل كبير ، وأصبحت علاقة صداقة حقيقية . وأتذكر أن والدي كان في المستشفى وتزامن ذلك مع إحدى المناسبات الوطنية ، فكانت هناك أغنية لي مذاعة في التلفزيون ، فنهض من سريره وقبل صورتي في التلفزيون داعيا لي بالدعاء الصالح . المهم كان للبداية طعم خاص جدا ، كل شيء يتم بحب وينبع من القلب، الأفضلية الأولى لذوي المواهب ولا شيء غير ذلك ، في تلك الفترة وما بعدها كنت تحس بروح الأغنية، تلتقي مع الموسيقيين ومع صناع هذا العمل الفني ، ويكون هناك نقاش بين كل الأطراف المعنية من أجل أن يكون الإنتاج الفني في مستوى ما ترضاه ويرضاه الجمهور ، عكس اليوم، للأسف يمكن أن تخرج أغنية إلى حيز الوجود دون أن تعرف حتى ملامح من هم شركاؤك فيها.


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 17/05/2019