مدخل لدراسة تاريخ الزعامات المحلية بالجنوب المغربي : سعيد بن حمو المعدري -11-

 

تسعى هذه المقالات التي ستنشر في عمود فسحة رمضان إلى التعريف ببعض رجالات الجنوب المغربي ممن لقبوا بالزعماء المحلين بحكم ادوارهم الطلائعية التي مارسوها إلى جانب المخزن بشكل مساند او مناوئ أو بطريقة تحكمها الحيطة والحذر البليغين، وقبل التطرق إلى سيرة ومناقب هؤلاء لابد من وضع القارئ في سياق سيمكنه من تتبع واستيعاب هذه الحلقات اليومية لهذا اقترح في الحلقات الأولى مايلي:

يعد الشيخ في الآداب الصوفية صاحب المقام الكامل، فهو مفتاح الهداية، رفيع المقام بإرشاد الأتباع الذين أسلسوا له قيادهم، فيقابل كل واحد منهم بما يوافق من أصناف التربية والتوجيه(السعيدي بن محمد المهدي، أدب الرسائل في سوس في القرن الرابع عشرة للهجرة، أطروحة دكتوراه الدولة في الآداب، مرقونة بكلية الآداب والعلوم الإنسانية بأكادير، تحت إشراف الأستاذ عباس أرحيلة،1422-2002، ج2،ص452.). فهو إذن : « أمر لازم في سلوك طريق التصوف على الجملة أمر لازم لا يسع أحدا إنكاره.»( كان هذا مقتطف من الجواب الذي قدمه «إبن عباد» على سؤال أبي إسحاق الشاطبي عن الشيخ والسلوك. أنظر بخصوص هذه النقطة، الونشريسي أبو العباس أحمد بن يحي، المعيار المعرب والجامع المغرب عن فتاوي أهل إفريقية والأندلس والمغرب، خرجه جماعة من الفقهاء بإشراف الدكتور حجي محمد، ج12، منشورات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للمملكة المغربية،14011981، صص:293- 294- 295). فإليه تشد الرحال حقيقة كان أم أسطورة، كما أن الزاوية تستمد مكانتها من مكانة الشيخ فالمراسلات الاخوانية تتحدث عن الشيخ كثيرا بل تخصص للشيخ حصة الأسد من مضامينها. ويمكن لنا استجلاء هذا من خلال فحص مظان مراسلة من الشيخ «علي الدرقاوي الإلغي» إلى الشيخ «سيدي علي أوبوالهوزالي» يتحدث فيها عن شيخه «سعيد بن حمو المعدري» : «وبعد، فقد منَّ الله تعالى على العبد الضعيف المفتقر إلى ربه اللطيف علي بن أحمد من ذرية سيدي عبد الله بن سعيد من تحت الحصن بإلغْ من شيخنا الرباني وأستاذنا العرفاني، و قدوتنا إلى حضرة الرحمان، الذي هو أفضل من جميع من دب على الأرض أحياء و أمواتا، بعد سيدي الأولين والآخرين، قرة عيني وأنسي، ورافع شأني بين أبناء جنسي، مربي المريدين وموصل السالكين، الذي أخرجنا من عدم الغفلة والنكران إلى وجود الذكر والعرفان بعد أن سلبنا له الإرادة لنأتي منه بالإفادة كما شرط سلبها للأشياخ على من أراد أن يسكن في معرفة الله …وولينا على أنفسنا تولية الوالدة على الولد، ورافقناه في السفر والبلد …السيد المعظم الجليل الغطريف المكرم النبيل، الذي له راية الولاية في معرفة الله تعالى بين أوليائه، وسلمت له الرياسة في الكرامات الظاهرات والباطنيات فيما شهدنا من رؤية الغيوب واستمداد القلوب على يده، سيدي سعيد بن محمد المْعْدْري السملالي فأخذنا عنه الطريقة الشاذلية الدرقاوية، وحصل لنا منه والحمد لله ما هو المقصود من معرفة الله تعالى بمنه وكرمه ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء…فقلت هذا إذن من شيخي، أما إذن من الله تعالى فوقع لي بعد إذنه بيومين أو ثلاثة بخطابه ووقع لي من سيد الأولين والآخرين في اليوم الثاني للعيد الكبير عام 1301هـ بعد طلوع الفجر قبل صلاة الصبح، وأنا جالس على وضوء بقوله: (أعطيناك الإذن العام والخاص)…وعلمت أن الشيخ رضي الله تعالى عنه ورحمه وأسكنه أعلى عليين بركته هي التي قامت بي بكمال اهتمامه بشأننا في حياته، وليس عنده اعز مني تفضلا من الله ومنه ، فلما وقعت لي مشاهدة الله عز وجل رأيته في حضرة الله تعالى ، فقلت سبحان الله هو دائما في الحضرة ، ولكن لم نسق له الخبر إلى أن كنا معه فيها ، فكان الأمر كما يقال قديما : المريد لا يعرف مقام الشيخ إلى أن يحصل على ما حصل عليه الشيخ، وأما قبله فلا يطمع في معرفة مقامه ليس له إلا الاقتداء الكامل بحسن ظن قوي قائم مقام العلم، كما أن من لم يعرف علم الظاهر لا يعرف من هو عالم من غيره على الحقيقة فقد أذن لحامله سيدي علي بن إبراهيم في خدمة الطريقة الشاذلية الدرقاوية وتلقينها للمسلمين وهي مائة من الاستغفار ومائة من اللهم صل على سيدنا محمد عبدك ورسولك النبي الأمي، وعلى آله وصحبه وسلم، ومائة من لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير وأن يذكر الاسم الأعظم وهو «الله» بتشخيص الحروف في قلبه بلا وقت ولا عدد، جعله الله من العارفين بالله تعالى وأوليائه الكاملين المتنعمين في شهوده، الحافظين على الوفاء بعهوده، القائمين بكمال الآداب لديه، الفائزين بجميل الانتساب إليه، نبينا محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، كتبه في ست مضين لرمضان عام 1304هـ «.( رضى الله عبد الوافي، النور المبغي في رسائل وأشعار الشيخ الإلغي، الطبعة الأولى 1410-1989، صص:84- 85) ونفس هذا التصور للمريد عن الشيخ نجده عند التجانيين في سوس فقد ذهب الجمهور منهم إلى أن التوسل و التشيخ بغير شيخ الطريقة غير جائز. إن شهرة الزاوية ومكانتها إذن، راجعة بالأساس إلى شهرة الشيخ ومكانته داخل وخارج القبيلة.
يقترن التصوف بمجاهدة النفس وانقطاع العباد إلى العبادة وهذه الصفة ليس الكل محظوظ بنيلها إلا من تمسك بحبل الله «الشيخ»، وليس أي شيخ بل مشاهيرهم، ينير الطريق ويمد بغيث النفس، لهذا سنجد عبر مراحل تاريخية متباعدة أن شيوخ الزوايا تمتعوا بهالة من القدسية كما أن مكانتهم تكاد تكون خاصة في النسق والتنظيم الصوفيين، وحضورهم تم تبريره بكل مصادر التشريع الإسلامي وفي مقدمته القرآن الكريم والسنة النبوية، فمن خلال جرد كرونولوجي لمسار تاريخ التصوف المغربي، سنجد أنه زاخر بحالات عدة لم ينقطع فيها المريدون عن شيوخهم بل لازموهم لزوم الأم لرضيعها، وكأن بينهما وحدة عضوية يصعب الفصل بينها، وذلك لسنوات عدة قبل أن يطلق الله سراحه من «السجن الصوفي» المتمثل في الشيخ، ويذهب لكي يؤسس زاويته ليصبح هو الآخر شيخا ويعيد الكرة مرتين، إذ ما مورس عليه سيعيد ممارسته لما تتاح له الفرصة، لهذا سيرفع المريدون شعارا مستوحى من كلام إبن عجيبة مغزاه: «تعلق إرادتهم بمعرفة الحق والدخول تحت تربية المشاييخ».


الكاتب : الدكتور ربيع رشيدي

  

بتاريخ : 18/05/2019

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *