الدكتور الطيب تيزيني : على هامش رحيله  الأبدي

 

 

في منتصف الليلة المنصرمة، بلغني نعي المفكر العربي   الدكتور طيب تيزيني ، ابن مدينة حمص السورية .  أميل إلى القول إن مفكرا كهذا يعزب كثيرا عن مدارات  اهتمامات الجيل العربي  الطالع من طلبة الفلسفة  وعلم الاجتماع والعلوم السياسية والفلسفة الإسلامية تخصيصا  ..فأعمال الرجل  المنشورة ومحاضراته هنا و هناك  التي انصبت أساسا على إشكالية  التراث العربي الإسلامي، من منظور يستمد أسسه المنهجية من النظرية الماركسية  تحديدا ، مكنته من تقديم ماسماه ب « مشروع رؤية جديدة للفكر العربي في العصر الوسيط « و من التراث إلى الثورة « و حول مشكلات الثورة والثقافة في العالم الثالث « و» الفكر العربي «، وهي المصنفات التي انكب عليها بشغف نادر  الشباب الجامعي  العربي  الذي   تملكه   تعطش معرفي ورغبة  بلاضفاف، تغيت تفكيك  الذهنيات والبنى  الاجتماعية عبر الدينامية الثقافية قاطرة  التغيير ورافدته  من أجل تجاوز معضلات التخلف وأورامه المزمنة وتداعياته المختلفة  على مدار   عقدي ستينيات و سبعينات القرن الفارط   القريب جدا من   حركات التحرر  الوطني من أجل   تصفية الوجود الاستعماري في قارات العذاب البشري   وفي حقبة تميزت بتداعيات مؤتمر يالطا ( = فبراير 1945 ) الذي عمل على تقسيم مناطق النفوذ العالمي ومؤتمر  باندونغ ( 1955)  الهادف إلى نهج  سياسي  قيل عنه  حينئذ  إنه طريق اللاانحياز  والقريب كذلك  زمنيا إلى  انفجار الثورة الفلسطينية المسلحة ضد الكيان الصهيوني العنصري إلى جانب  مستجدات التحول المفاجئ  في بنية فكر   «حركة القوميين العرب «  من أفكار عرابها بالجامعة الأمريكية ببيروت الدكتور  قسطنطين زريق نحو  التوجه الناصري في مرحلة أولى، ثم  صوب التصعيد   عبر تبني صريح  لخيار  العنف الثوري مع  حركة جماعة   وديع حداد   الحركة  التي ارتبطت  بأحداث بأيلول الأسود  بالأردن ….
ففيما أحسب هذا هو السياق العام  الذي تبلورت فيه المنظومة الفكرية   لطيب  تيزيني وهي المنظومة التي تصمد كثيرا  أمام التحولات التي عرفها المناخ الفكري بعيد  ثورة الطلاب  لسنة 1968 بباريس،   والتي ستعمل على إحداث  تغيرات هائلة في  المناهج و طرق البحث  التي ستنظر لها  الإسهامات الوجيهة  للمدارس الفكرية الجديدة مع رولان بارت وميشال فوكو ومارتن هايدغر وألتوسير وليفي ستروس وجاك ديريدا وغاسطون باشلار واللسانيات  المعاصرة والتحليل النفسي البنيوي …
هكذا  سيعمد  مفكر عربي بارز هو  الدكتور محمد عابد الجابري  الى تأسيس أسلوب  جديد في النظر إلى  العقل العربي يرتكز على  تقويض  المقاربات التي دأبنا على قراءتها لدى المشارقة   باعتماد  ماسماه محمد عابد الجابري نفسه  في « نحن والتراث «  « ثم في  الخطاب العربي المعاصر « ب « الوثن «  . و الوثن هو النظرة الأحادية الخطية في النظر  والمنهج الوحيد اللاجدلي الذي  طبع  لا فقط تحليلات  طيب تيزيني وحده،  وإنما إسهامات داعية الوضعية  المنطقية في ثوبها العربي أقصد الدكتور  زكي نجيب محمود ثم  الراحل الدكتور حسين مروة الذي لم ينج هو الآخر  من مبضع التشريح الفلسفي لمفكر مغربي متميز هو  الدكتور كمال عبد اللطيف ..
فيما بعد سيعمل طيب تيزيني على إعادة مراجعة رؤاه و تنقيح  منطلقاته جراء  رياح  العولمة والتيارات الفكرية لمابعد الحداثة  وهو ما يمكن الاطلاع عليه    في مقالات  مركزة جمعها في  كتيب  دعاه  « في سبيل الوضوح المنهجي « …
رحم الله  الدكتور طيب تيزيني ورحم  مفكرينا وأساتذتنا  الكبار بالجامعات العربية …


الكاتب : ناصر السوسي

  

بتاريخ : 20/05/2019