مؤانسات رمضانية المعلومة تضع الفرق بين آدم والطين وبين آدم والملائكة..

عبد الحميد جماهري

أغرانا، في تلك الأمسية الرمضانية الندية، حديث السلطة الرابعة، والسؤال: من أين تأتي السلطة الرابعة؟
قد يكون للتفسير المؤسساتي، ما يدل على سنة ولادتها، كما قد يكون في سلطة المراقبة وصناعة الرأي العام، وقدرتها، في العهود الأخيرة على تقديم عروض سياسية لا تمر مرور الكرام، أسباب أخرى تبرر هذه السلطة وممارستها وتكريسها، بدون وجود عنصر دستوري مبني على شرعية انتخابية ما أوشرعية تاريخية…
في ذلك أيضا، ما قد يسير بنا إلى سلطة أصلية، يغرينا بها الترجيح الديني للحق في المعلومة.
وقد دافع العبد الفقير إلى رحمة خالقه، عن فكرتين في فكرة واحدة، مفادهما أن المعلومة، منذ خلق آدم كانت هي التي صنعت الفرق بين الطين …وآدم، وبين آدم والملائكة.
وحجتي ودليلي هو التمعن، البسيط والسياقي، الذي توحي به آيات الله الواردة في سورة البقرة.
وفيها قول الله :«وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ۖ قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ ۖ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ (30) وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ (31) قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ (32) قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ ۖ فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ (33) وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ .«…
في هذه الآيات الفاصل بين آدم، الذي كان خلقه من طين، وبين الطين الذي نسي أنه طين بفضل المعلومة.
متى كان ذلك؟
عندما “علم آدم الأسماء كلها…”.
ولعل المعلومة هنا هي مشتق فعل”علم”، أو كما في لسان العرب: مَعْلوم : اسم المفعول من عَلَمَ .
ولما عرضهم على الملائكة قال: أَنبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَٰؤُلَاءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ…
وهنا أيضا نحن أمام مصطلح من صميم القاموس الخاص بالمعلومات وبالإعلام، الصحافة عموما وسلطتها الرابعة وهو النبأ..
القرآن يضع الفرق بين آدم والملائكة من حيث التوفر على المعلومة، ويتضح ذلك من رد الملائكة على قوله تعالى:
– قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ…
وهنا يعود لله سبحانه إلى آدم، ليثبت الفرق ويثبت قوة المعلومة التي يملكها آدم :
-قَالَ يَا آدَمُ أَنبِئْهُم بِأَسْمَائِهِمْ.. وتأسيسا على ذلك، يتكسر علم آدم، وحصوله على معلومات من ربه جعلت منه قادرا على أن يخبر الملائكة بالأسماء التي يجهلونها..
وليست صدفة أن لله ، من بعد أن أن أثبت للملائكة جهلهم بما يعلم آدم أمرهم بالسجود…
أولا قال تعالى: فَلَمَّا أَنبَأَهُم بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُل لَّكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنتُمْ تَكْتُمُونَ…
ثانيا : أمرهم بالسجود مباشرة بعد أن أثبت ذلك عز وجل: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا…
نحن أمام سلطة لا تحد للمعلومة التي وردت إلى آدم، فارتقى من طين إلى إنسان، وأيضا ارتفع بعلم لله الذي حصل له، إلى ما فوق الملائكة الذين أمِروا بالسجود له..
***
في هذا التداعي الرمضاني حول الأصل السرمدي لقوة المعلومة، كان هناك بالفعل تكريم للإنسانية في حقها في الحصول على المعلومة..
ولعل هذه الأخيرة تضع اليوم الفرق بين المواطن وبين من هو دون ذلك، وبين الدولة التي تقيم قدر المعلومات والتي تعتقد بأن احتكارها لها وحدها هو مصدر قوتها على من عداها ولاسيما مواطنيها..
***
هي مغامرة في التأويل
وربما مغامرة خارج النسق تريد أن تجعل من المعرفة سببا كافيا للكرامة…
مغامرة لا تمنعنا من العودة إلى الأرض الإعلامية التي تتشابك فيها كل السلط.
لقد حصل انزلاق في القارة الإعلامية لا يقل عن الانزلاق الذي وقع للقارات، عندما انتقلت سلطتها من الورقي، والسمعي البصري إلى كل منصات المعلومات، وتحوَّل المواطن البسيط إلى صحافي اللحظة، وصاحب الرأي، غير أن التحول الذي يحصل مع شبابنا هو أنه يمثل في الوقت ذاته، صانع الحدث، والصحافي الذي يكتب عنه، والسياسي الذي يتفاوض باسمه في ما بعد!
ويحدد بذلك المزاج العام في البلاد من أشياء كثيرة في الراهن المعيش…

الكاتب : عبد الحميد جماهري - بتاريخ : 23/05/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *