عبد الله إبراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب 17 : نضال وسط العاصفة

دخل المعترك السياسي من جهة اليسار، وخرج منه من الجهة نفسها؛ عبد الله ابراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب، المسؤول السياسي النظيف الذي أخلص لمواقفه، والمثقف الذي جالس كبار مثقفي العالم، وساهم من موقعه كأحد رجال الحركة الوطنية في تدبير الشأن العام.
قليل من المغاربة اليوم، من يعرف هذا الرجل السياسي المحنك، الذي رحل عنا في شتنبر 2005، وقليلون يعرفون أنه كان يقود أول تجربة للأمل، وأول حكومة كانت منشغلة، حقا وصدقا، بدسترة ودمقرطة وتحديث الدولة المغربية، لكن إسقاط الحكومة على ذلك النحو المخطط له من قبل «الطابور الخامس» أجهض أمل المغاربة.
وقد ظل عبد الله ابراهيم أيقونة قيادية ذات سلطة أخلاقية وضمير سياسي واضح، غير منغمس في المساومات والدسائس
وترتيبات الظل.
وقد جنحت زكية داوود، عبر مؤلفها الحديث « عبد الله إبراهيم: تاريخ الفرص الضائعة»، نحو استعراض السيرة الذاتية لواحد من إيقونات النضال السياسي بالمغرب، شخصية اجتمعت فيها صفات الثقافة الذكاء والحنكة السياسية، عبر تجميع مجموعة من أبرز الصور والبورتريهات، فضلا عن شهادات لأشخاص عاصروا عبد الله ابراهيم وتاريخه السياسي.

 

خلال سنة 1968، ازدادت حركة القمع لمجال الصحافة، التي شملت جريدة «مغرب أنفورماسيون» المرتبطة بـ «الاتحاد الوطني للشغل»، وكذا الجامعات من بينها «معهد علم الاجتماع»، الذي أنشئ سنة 1960 بمساعدة اليونسكو. طالب الطلبة خلال جمعهم العام الثاني عشر، بنهاية العمل بحالة الطوارئ، وبما يتمتع به التوجه اليساري، كالدسترة والإصلاح الفلاحي والتأميم، منتقدين ما تبقى من أطلال الحماية، والزيادة في الكلفة المعيشية (+28 في المئة)، وتناقص الخدمات الاجتماعية، مع ارتفاع نسبة البطالة، ومناضلين من اجل الحفاظ على الحريات العامة و النقابية.
ينتمي معظم الطلبة إلى التوجه اليساري، في حين أن بعضهم يرفض العمل السياسي قصير المدى، خاصة ضد السياسة المعروفة التي تعمل على صعود المقاومين التقليديين، مدفوعين من طرف عاهل دائم السفر، في رحلات دينية وسياسية نحو الشرق الأوسط، داعما للعمل باللغة العربية، عاملا على إعادة إطلاق المدارس القرآنية التي من شأنها أن تنمي واجبي النظام والطاعة.
في 21 سبتمبر 1968، كتب عبد الله ابراهيم رسالة بأسلوبه المميز، مظهرا رفضه للصوت الممثل للمصالح الإقطاعية، وجميع أوجه البورجوازية والغنى الفاحش، ومطالبا بإعادة دمج البنيات الاقتصادية الاستعمارية، ووقف استنزاف الموارد الداخلية وإرسالها للخارج، و إعادة توزيع الدخل الوطني…
استمر الوضع على حالته لفترة من الزمن، لم يتمكن المغرب من الإقلاع ديموغرافيا، كما صرح عبد الرحيم بوعبيد، فقد زادت أعداد العائلات الفقيرة، وتفاقم الكساد الفلاحي ونقص الماء والتقسيم غير العادل للأراضي، في غياب تام للحركة الاستثمارية، وعدم تساوي الدخل العام، وهجرة رؤوس الأموال.
وقد عرف المؤتمر الطلابي الثاني عشر، تحول الطلبة للنهج الراديكالي، لينتج عنه انقسامات داخلية خطيرة، ومواجهات ما بين المنتمين للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وزملائهم من حزب التحرير والاشتراكية، في حين أن الحوار تمحور حول فلسطين.
تلت هذه الفترة الساخنة من تاريخ المغرب، العديد من الملتقيات العربية والإسلامية، ليتبعها تعقد العلاقات مع موريتانيا عقب استقلالها، وقدوم «بومدين» إلى المغرب لتوقيع معاهدة التضامن، لحسن الجوار والمشاركة في التنسيقية المختلطة والمرتبطة جزائريا ومغربيا، ومناقشة اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، بخصوص المبادئ الاقتصادية الليبرالية، ذكر بوعبيد فيما يتعلق باحتجاجات، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية «أنها جمعية مضادة للاقتصاد الوطني، ويقول، عقد يدعو للاستقالة وإلى عدم اليقين. أيا كان ما تفكر فيه السلطة، مستمدة قوتها من البنك الدولي، مرجعة ارتباطاتها بباريس، عليها أن تعالج حيثيات قضية بن بركة !».
طالب الحسن الثاني، بتكوين معارضة بناءة، وعارض التأسيس لدستور جديد، وهو الحدث البارز لسنة 1970، الذي نشر فيه عبد الله ابراهيم، واحدا من أبرز مؤلفاته حيث ترجم عنوانه لصيغتين مختلفتين، «نضال وسط العاصفة»، صامد في وجه الزوبعة بصحبة عنوان ثانوي، مقالة تمثيلية لتاريخ المغرب الكبير. وصفه متابعوه بالشخصية المهووسة بالتاريخ، بالرمز و بالإرث. لطالما تساءل عن الماهية الحقيقية، للحركة المناضلة في المغرب ما بين 1930 و 1955، عن السمات التي ورثوها من مجتمعهم المغربي التقليدي، وعن الاختلافات الاجتماعية المؤثرة في توجهاتهم الحياتية.
لعب الدين بحسب عبد الله ابراهيم، دورا مهما على مدى القرون الماضية، معتبرا إياه سلاحا قويا في يد السياسة، وان النمط السائد في الحكم، على المستوى العربي خاصة مرتكز على الإمام الخليفة والملك، مع رفض المناهضة وتأجيج الصراع ما بين القبائل، وتصفية الشخصيات المعروفة القوية، أو ضمهم بقوة إلى السلطة الحاكمة.
يسرد عبد الله ابراهيم، أن الشرور المحبوكة من طرف هذه الأنظمة القامعة الحكومية، لا عجب انها منعت أجيالا من المفكرين من مناقشة هذه الوضعية الاجتماعية.
ينتقل عبد الله لما يرمز إليه بـ»وطأة التاريخ»، ذاكرا أن مصير المغرب الكبير، لم يكن دائما على نفس الخط كما في أوروبا، بل شهد الانكسار لثلاث مرات بحسب عبد الله، مع فشل الفينيقيين والرومان، منتقلين فجأة لتبني الإسلام، أي انها قصة من أربعة أزمنة بحسبه، كمثال ولما يقرب من ألف عام، عرفت قرطاج نهضة اقتصادية مهمة، على يد مجلس النواب الذي فتح الباب على مصراعيه، لتنمية قطاع المبادلات البحرية التجارية، فاتحا على المغرب الكبير أبواب الثقافة العالمية.
سعى الرومان فيما بعد، لتكسير هذا النظام عدة مرات، عبر تقوية أسس الأراضي الزراعية، متمكنين من إنشاء القوة القبلية والإقطاعية، لينتج عن ذلك نظام ملكي مطلق، لينتج عنه خلق جهة منعزلة ومجزأة. جاء الإسلام بحسب عبد الله، بفكرة إعادة هيكلة القطاع الفلاحي على ثلاثة أشكال، «الاتحاد على نمط الأمة»، والرامي لاستغلال الأراضي غير المملوكة، المهشمة والضعيفة.
إن نمط الحكم السائد، استند على العائلي أكثر من الوطني، ليحول الصناعة والإنتاج الفلاحيين إلى شكل مختلف، ما منع التراكم في وجه التطور الاقتصادي، والعمل على البنية السياسية الفريدة، بخلاف فترة الاستعمار.

 


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 25/05/2019