رمضان الجديدة .. تقاليد اندثرت وأخرى تواصل الصمود

دخلت معظم العادات المرتبطة بشهر رمضان بالجديدة دائرة النسيان، حيث كان السكان يحرصون على الاستيقاظ صباح كل يوم على صوت مدفع السحور ونغمات الطبال، الذي بات تجواله مقتصراً على عدد قليل من الأحياء الشعبية .الأجواء الروحانية وحدها توحي بأن المدينة تعيش زمن رمضان الأبرك، فلا أنشطة ثقافية ولا اجتماعية، باستثناء توزيع بعض الإعانات على المحتاجين والفقراء من طرف محسنين ومؤسسات اجتماعية …
جمود ثقافي
وعادات مميزة
لم تعرف المدينة لحد الآن أي نشاط ينم عن حركية سواء من الجهات الرسمية أو غيرها، يخرج الجديدة من سباتها، والتي أضحت تعيش صمتا ثقافيا مطبقا، اللهم «الثقافة الموسمية»، أما ترسيخ ثقافة الاستمرار فلا وجود لها، حتى أضحت عبارة عن مدينة صامتة دون التفكير في أنشطة تحترم قدسية هذا الشهر فاتحة بالتالي المجال أمام المقاهي وغيرها؟
كما للمدن الأخرى عاداتها وتقاليدها، فالجديدة لها من العادات والتقاليد الكثير خاصة خلال شهر رمضان، ومن بين الأشياء التي التصقت بها استقبال الشهر بسبع طلقات من مدفعية، وهي ذات المدفعية التي تعلن عن مواعيد الافطار والاسحار وصلاة الفجر.كما تتوفر على صفارة إنذار تعلن عن موعد الإفطار بشكل يومي، فيما يستعين العديد من المواطنين في الاستيقاظ للسحور بقرع الطبول، وهي العادات التي بدأت في الانقراض إما بفعل العامل الزمني أو بقرارات ادارية مجحفة، أما المدفعية فقد حافظت على طلقاتها الثلاث على مدى الأربع والعشرين ساعة.
النفار والطبال وصاحب المزمار.. عادات بدأت في الانقراض جراء التوسع العمراني الذي تعرفه المدينة، وأيضا مع رحيل روادها الى دار البقاء. وما عرفته الذاكرة الثقافية من «تدمير»، فإن الموروث الشعبي هو الآخر يسير في نفس المنحى.
وتحرس العائلات الدكالية العريقة على الاحتفال بالأطفال الذين يصومون يومهم الاول، حيث يتم الاحتفاء بهم على الطريقة التقليدية ويتم استقبالهم بالبيت بكافة أنواع المأكولات والمشروبات والزغاريد قبل أن تؤخذ لهم صور تذكارية باللباس التقليدي. ويتميز رمضان الجديدة بظاهرة الإفطار العائلي الجماعي كما يتم تبادل الزيارات بعد الافطار لإحياء صلة الرحم.

فضاءات للتبضع
وأشياء أخرى

يعتبر كل من الميناء وسوقي علال القاسمي وبئر ابراهيم من بين اهم الفضاءات التي يكثر عليها الإقبال، حيث تبدأ الحركة تدب فيها ابتداء من منتصف النهار. فالميناء يعرض يوميا أنواعا من الاسماك المحلية الرفيعة المستوى، إلا انه هذه السنة عرف شحا في العرض مع حضور ملحوظ لأسماك الاقاليم الجنوبية. واذا كان قد تميز في السنوات السابقة بعرض السلع بنظام وانتظام، فإن هذه السنة تميزت بالفوضى وسوء التنظيم وعرض سلع في شروط غير صحية في غياب الجهات المسؤولة عن مراقبة الصحة، كما يتحول السوق في آخر اليوم الى ما يشبه المزبلة.
سوق بئر ابراهيم او لالة زهرة ، كما اعتاد أهل الجديدة تسميته، فإنه السوق الذي يؤمه يوميا مئات الجديديين لاقتناء ما يحتاجونه من خضر وفواكه، وهو السوق الذي يعرف عشرات «المبارزات» ويتميز باللاتنظيم نظرا لاحتلال العديد من الباعة الموسميين لهذا الفضاء وبالقوة أحيانا. كما أن ظاهرة السرقة والاعتداءات على العارضين والمتسوقين، تبقى السمة الأساسية للسوق رغم تواجد سيارات الشرطة بشكل مستمر.
سوق علال القاسمي الذي يعتبر من بين أقدم الأسواق بالجديدة، يعد فضاء لتزجية الوقت واقتناء الخبز الممزوج بالشعير، حيث يتم عرض كافة أنواعه وبأثمان تفضيلية، ويمتاز بعرض أنواع متعددة من المأكولات التي تستهلك بشكل كبير خلال الشهر الأبرك. وقد انتقلت عدوى «المشاحنات» أيضا الى هذا السوق.
أما السوق المركزي الذي ظل يحافظ على أناقته وخصوصيته طيلة عقود بدكاكينه المعدة لبيع الأسماك، فإنه عرف هذه السنة تغييرا واضحا لمعالمه، حيث تحول من فضاء لبيع الأسماك والخضر والمواد الغذائية الى فضاء لقلي الأسماك ومقاه ومطاعم مخصصة لطهي الأسماك والوجبات الخفيفة، هذه العملية التي تعرف خرقا واضحا في ما يخص عملية التفويت، حيث أن الدكاكين التي تعود ملكيتها الى البلدية يتم بيعها وتغيير عقود كرائها دون العودة الى المجلس المفوض الوحيد لتغيير التراخيص الخاصة بالفضاءات الجماعية.

المساجد و«موائد الرحمان»

بمدينة الجديدة تمتلئ المساجد عن آخرها منذ الأيام الأولى لحلول هذا الشهر لأداء الصلوات الخمس وصلاة التراويح، كما يزداد الإقبال عليها فتضيق فضاءاتها الخارجية بالمصلين مع الإقبال على الدروس الدينية التي تبتدئ مباشرة بعد صلاة العصر.
ومن العادات ايضا في هذا الشهر الفضيل، تحول الليل إلى نهار بعد صلاة العشاء والتراويح، حيث يسارع الناس إلى الالتقاء سواء داخل البيوت أو على موائد المقاهي، الى ساعات متأخرة قد تستمر لحدود وقت السحور والتي يعلنها المدفع وصاحب الطبل أثناء تجوله بالأحياء، معلنا وقت السحور والاستعداد للتوجه للمسجد قصد أداء صلاة الفجر، ولم يكن للطبال أجر معلوم أو ثابت، غير أنه يأخذ ما يجود به الناس في صباح يوم العيد، وعادة ما كان الأجر يؤخذ بالحبوب من ذرة أو قمح، فيأخذ مكيالاً «بعوي» باللهجة الجديدية أو نصفه، ولم يكن أجراً بالمعنى المفهوم، ولكنه هبة كل واحد يجود بها حسب قدرته.
ومن الأشياء التي تبقى متميزة بالجديدة هي موائد الإفطار التي تكون في غالبيتها متنوعة ومختلفة الأطباق أهمها الاسماك بمختلف انواعها واصنافها والفطائر والحلويات، وجرت العادة أن يفطر الناس على التمر والحليب ثم يؤدون صلاة المغرب ليعودوا بعد ذلك إلى مائدة الافطار التي تعد فيها المرأة الدكالية أطباقا متنوعة من الأكلات الخاصة بالشهر الكريم.


الكاتب : مصطفى الناسي

  

بتاريخ : 28/05/2019