عبد الله إبراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب 21 : السياسة المفروضة على الكتل الشعبية لم تفلح في مساعيها

دخل المعترك السياسي من جهة اليسار، وخرج منه من الجهة نفسها؛ عبد الله ابراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب، المسؤول السياسي النظيف الذي أخلص لمواقفه، والمثقف الذي جالس كبار مثقفي العالم، وساهم من موقعه كأحد رجال الحركة الوطنية في تدبير الشأن العام.
قليل من المغاربة اليوم، من يعرف هذا الرجل السياسي المحنك، الذي رحل عنا في شتنبر 2005، وقليلون يعرفون أنه كان يقود أول تجربة للأمل، وأول حكومة كانت منشغلة، حقا وصدقا، بدسترة ودمقرطة وتحديث الدولة المغربية، لكن إسقاط الحكومة على ذلك النحو المخطط له من قبل «الطابور الخامس» أجهض أمل المغاربة.
وقد ظل عبد الله ابراهيم أيقونة قيادية ذات سلطة أخلاقية وضمير سياسي واضح، غير منغمس في المساومات والدسائس
وترتيبات الظل.
وقد جنحت زكية داوود، عبر مؤلفها الحديث « عبد الله إبراهيم: تاريخ الفرص الضائعة»، نحو استعراض السيرة الذاتية لواحد من إيقونات النضال السياسي بالمغرب، شخصية اجتمعت فيها صفات الثقافة الذكاء والحنكة السياسية، عبر تجميع مجموعة من أبرز الصور والبورتريهات، فضلا عن شهادات لأشخاص عاصروا عبد الله ابراهيم وتاريخه السياسي.

 

صرح عبد الله ابراهيم، بأنه لم يتلق أي دعوة لحضور مؤتمر الرباط، وأنه لم يعلم به إلا من خلال إذاعات الراديو الأوروبية، وهو ما يمكن وصفه بالثأر من بوعبيد، في وقت شهد الانقسام قبيل الانقسام الفعلي. أرسل عبد الله رسالة لعلال الفاسي، يخبره فيها بتجميد مشاركة الحزب في الكتلة، بحجة العمل التقسيمي و لأن اثنين من اعضاء المجلس، لم يمتلكا عضوية ممثلي الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، أو الموافقة من اجل العمل باسم الحزب داخل حزب الاستقلال، ما أدى بالكتلة إلى الانفجار في مواجهة هذا الطلب.
أعلن عبد الله ابراهيم، عن الجناح الجديد للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بتاريخ 12 غشت 1972، تحت مسمى «الاتحاد الوطني» فرع الدار البيضاء، في مواجهة فرع عبد الرحيم بوعبيد بالرباط، بغية السعي وراء تعبئة الحركة الوطنية الشعبية، واصفا الاجتماعات التي هزت، الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بالعمليات الهادفة لتجزئته على أسس انتخابية زائفة، بشراكة مع الفاعلين الانتهازيين، وبمساندة وسائل الإعلام الفرنسية. ان الاتحاد الوطني، هي جريدة باعت أكثر من 5 آلاف نسخة، محررة من طرف عبد الله ابراهيم و بعض من زملائه المتطوعين، منهم المناضلون و الأساتذة بشكل خاص.
كتب عبد الله ابراهيم، في 14 من غشت ضمن هذه اليومية الفتية، بعنوان «من أجل تحرير القوات الشعبية الساكنة»، ما يلي «عاش الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، وذلك منذ تأسيسه العديد من الهجمات المتتالية..إن الأشخاص المشرفين على هذه الحركة، قد نظموا أنفسهم داخل دوائر، مكونة من استراتيجيين دون خطط، ومخططين دون استراتيجيات..لقد تحررت من الشلل العام الذي عرفته، ومن الفعاليات الانتهازية المنتفخة بكلمات وسائل الإعلام الأجنبية، منها بالخصوص جرائد الاستعمار الجديد..إن السياسة غير الوطنية المفروضة على الكتل الشعبية، لم تفلح في مساعيها فهي ليست بأزمة الاقتراع البسيطة، او مشكلة غياب البرلمان او الحكومة، بل هي أزمة عميقة متصلة بالاختيارات الفاشلة..إن كل ديمقراطية ذات أسس فاشلة هي أيضا فاشلة..وجب علينا العمل على حكومة جديدة، مسؤولة و على صلة بالكتل الشعبية، لديها القدرة و القوة الكافيتين، من أجل تغيير راديكالي حقيقي مبني على نظام منفتح و عام..سيعمل عبد الله ابراهيم على مدى عدة سنوات، على تحرير أشباه هذه المقالات كل أسبوع، ضمن «يومية الاتحاد» وتمويلها في مطبعة «امبريجيما».
شهد تاريخ 16 غشت من نفس السنة، حادثة مهاجمة طائرة الحسن الثاني، على خلفية رحلة نحو باريس و اسبانيا، شمال المغرب من طرف مجندين بالقوات الملكية الجوية، من الجنرال امقران ذي العلاقات مع اوفقير.
تم اغتيال اوفقير، بعد يومين من الهجوم، على طائرة الحسن الثاني شمال المغرب. ذكر عبد الله ابراهيم، الجنرال اوفقير بالقول « لقد كان رجلا مهووسا بالجيش، لدرجة أن روحه عاشت فقط على الطابع العسكري. لقد حول المغرب برمته، إلى مركز للتكوين شمل أيضا أساس الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، دون الالتزام بالأخلاق، وهو بمثابة أزمة ثقيلة، فتحت بوابة العنف على مصراعيها في المغرب. تكون المؤتمر ال15 للاتحاد الوطني لطلبة المغرب، من توجهين أساسيين بين المشاركين فيه، ما بين اليساريين و الوطنيين، ولتتم إعادة معاينة محاكمة كبار الصخيرات، وليوجه اعضاء المحكمة العسكرية نحو التقاعد، في حين تلقى ما يقرب من 84 شخصا أحكاما قاسية، عبر حبسهم بسجن «تازمامارت» الشهير.
كتب عبد الله ابراهيم في الأول من سبتمبر، في مقال له بيومية «الاتحاد الوطني»، تحت عنوان « التغيير الراديكالي و مشكل الحلفاء»، انه وجب العمل باختيارات لاستراتيجيات جديدة، تساند اختيارات الحركة الشعبية و الوطنية، النشطة بالبلاد على المستوى التخطيطي، داعيا لتعزيز التحالف لقطع الطريق على المغالاة الديمغرافية، وعلى المصالح الذاتية المدعومة من الخارج. ويتابع القول، من وجهة نظر التجنيد الشعبي، فنحن نواجه نفس المطالب على غرار شهر مارس 1956، بنفس الشكل و المضمون.
شهد تاريخ 23 من سبتمبر، مراسلة الملك لعلال الفاسي و عبد الله و بوعبيد، بغية الاستفسار عن آرائهم بخصوص الوضعية الحالية، وطارحين فكرة «حكومة الائتلاف الوطني» من جديد، ليعلن الملك فيما بعد عن الانتخابات. أجاب عبد الله ابراهيم، دعوة الملك بالقول «إن الأزمة الحالية الحادة و الجامحة، تحتاج قبل كل شيء لحكومة مسؤولة، و ذات توجه للتغيير العميق السياسي، والبناءين الاقتصادي و الاجتماعي عبر تأخير الانتخابات. إن ميثاق الكتلة ل22 يوليوز 1970، يمثل الأحلام و الرغبات المجتمعية و أساس العمل المستقبلي، منافيا لانجلاء الحلول القائمة والمتوقعة..إذ أن أجوبة علال الفاسي و بوعبيد تسري على نفس النحو، وإن الملك عبر الحكومة المعلنة، وبحجة النية الطيبة للكتلة، سمح بتكوين مناصب وزارية شاغرة».

 


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 30/05/2019