حميد: هاأنت تأتي الله بقلب سليم، كما أحببت!

عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr

اعتاد دوما أن يستجوب بصيرته
و يردد على مسامعي :إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ…
كان هو ذا إيمانه، بأن القلب السليم هو أرض الله
وهو دليله
أعرف الآن أنك حملت قلبك السليم وذهبت به إلى ربك
كما تريد
اخترت آخر جمعة
أجمل يوم
في أجمل شهر
رمضان، لكي تذهب إلى ملكوت اعتبرت دوما أنه جزءا من حياتك اليومية..
لا أذكر متى صرنا أصدقاء، لكني أعرف أننا كنا أخوين منذ الوهلة الأولى..
منذ لقاء الشعر والصحافة والحزب والتسكع في صوفية لا تقول اسمها، وتعلق كل صفاتها على حبل البوهيمية..
لا أعرف لي صنوا آخر سواك، في هذا المدى المفتوح للذكريات
وللألم
وللنخوة..
عشنا سويا في منزل بالبيضاء، لما قدمت إليها من الناظور* والالتحاق بليبراسيون، لكن قبل ذلك كنت احتضنتني في قلبك السليم
وفي ضيافتها البلاغية الشاسعة، التي لا تحد أعراف ولا حدود ولا موضوعات، كما أنت كنت
دقيقا في المحبة
ورفيقا في المو
دات كلها
والمسرات..
رافقتني دوما كما لو كنت الملاك الذي يحرسني مما لا أراه، وأحيانا كثيرة تحرسني مني..
تراوحنا يا أخي بين المطرقة والسندان، كما يتراوح طفل بين فراشة ونهر..
وتراوحنا بين نثرية مدن تأكلنا ليل نهار
ومرافئ لا تصل السفن إليها إلا محملة بالصور..
أقمنا سويا في منازل أخرى بالمحمدية، ولكن ظل الظل يرافق الظل
وظلت الرفقة رفقة عالية..
لم أسمع منك قط كلمة جارحة، لكن سمعت منك كل الكلام الصريح
ولم أسمع منك أبدا كلمة ناقصة
لكن علمتني كل الجوارح في وضوح المرآة التي تحملها لكل أصدقائك..
وعندما تغضب تردد: إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ
وعندما تكون في صفاء السريرة تردد أيضا نفس الآية..
ميزانك الوحيد قلبك
ولسانك الوحيد نبضاته
ولباقة الحزن فيك مقيمة بعيدا في السيرة الخاصة به..
يا أخي، يا خويا، يا صديقي الرومانطيقي كما تحب
لم ننضج الحزن كله بعد لكي نودعك
كنا ننتظر أن تشيخ، وأن نمازحك في شيخوختك
وأن نذكرك بتفاصيل كل شتاء قطعناه بمساعدة القصائد والدخان والأصدقاء
وكل صيف كنا نعرفه بأقمصة خفيفة، وبعض الكتب
وقهقهات خبزناها من رغيف الروح ..
لا أذكر في أي سنة زرعنا حديقة الروح باخوتنا أيضا،
لأننا بعيدون في الجغرافيا
وفي المناخ
وفي الصمت الباطني، ذلك الذي يشتعل كلما هربنا إلى منتصف الروح وتحدثنا عن الليالي المقمرة في حصون المحبة..
كنا نحتمي بك يا حميد عندما تتهددنا الصفاقة والاستسهال..
وعندما تحوم حولنا طيورالأشباح الرهيبة، تلك التي سكنتنا في زمن الجلجلة..
كم استرقنا السمع إلى ضجيج روحك، فقط لكي نريح أرواحنا ونداوي الأفئدة بما ينبع منها من رقراق الكلام، ومن شذرات ومن فلسفة كنت تريدها دوما فسلفة لهيكلنا العظمي..التي كنت تروضها لكي تلتقط ما هو عميق في العابر، وما هو عابر في العميق:هنا فاصل بين الطبيعة والإنسان سببه الأحذية، وهناك مفاهيم تعضك ولا تعضك مسمياتها،
قليل الكلام عميق المعنى
واسع العفوان
سريع العفو
في صداقتك الكثير من الصوفية، لهذا كنت فيها كالنهر
وكان الصوفيون حولك كالفراشات ، تدربهم على مادية الحياة ويسعفونك في شفافية المادة، لهذا تبدو واضحا وعصيا في الوقت ذاته..
مع الكل نعرف أن كلُ نفسٍ ذائقةٌ الموت
ومعك نعرف لكن ليست كل نفسٍ ذائقةٌ الحياة..
يا حميد، هذه رسالة بأنا قادمون
انتظرني
في حديقة الله
حيث لا أحد يعرف الخرائط سوى القلب السليم
،أنت دليلك حنو الله عليك..
وحدك كنت تجد القاسم المشترك بين نيتشه وجلال الدين الرومي
وتجد المشترك بين الدعابة والصرامة الأخلاقية
وبين تدقيق المعنى واقتضاب العبارة..
صافيا يا حميد، كما لو كنت تقتبس روحك من زهرة النرجس
وزهر اللوز على سفوح تازة الساهرة..
في قلبك سنبقى أوفياء إلى أن نلقاك
وقلبك ضيفنا
هنا في الزمن الجاف
به نقيس السلامة العاطفة والعالم أيها الأخ الذي ينتظرني الآن..
بالقرب من مرجانة قلبه…
لم يضاهك أحد في لغة القلب
ولغة الرقة
ولغة الصفاء..
رحمك الله يا حميد بنداوود..

الكاتب : عبد الحميد جماهري hamidjmahri@yahoo.fr - بتاريخ : 01/06/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *