عبد الله إبراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب : تراجع الوضعية الاقتصادية فتح شهية الخارج 24

دخل المعترك السياسي من جهة اليسار، وخرج منه من الجهة نفسها؛ عبد الله ابراهيم، رئيس أول حكومة يسارية في المغرب، المسؤول السياسي النظيف الذي أخلص لمواقفه، والمثقف الذي جالس كبار مثقفي العالم، وساهم من موقعه كأحد رجال الحركة الوطنية في تدبير الشأن العام.
قليل من المغاربة اليوم، من يعرف هذا الرجل السياسي المحنك، الذي رحل عنا في شتنبر 2005، وقليلون يعرفون أنه كان يقود أول تجربة للأمل، وأول حكومة كانت منشغلة، حقا وصدقا، بدسترة ودمقرطة وتحديث الدولة المغربية، لكن إسقاط الحكومة على ذلك النحو المخطط له من قبل «الطابور الخامس» أجهض أمل المغاربة.
وقد ظل عبد الله ابراهيم أيقونة قيادية ذات سلطة أخلاقية وضمير سياسي واضح، غير منغمس في المساومات والدسائس
وترتيبات الظل.
وقد جنحت زكية داوود، عبر مؤلفها الحديث « عبد الله إبراهيم: تاريخ الفرص الضائعة»، نحو استعراض السيرة الذاتية لواحد من إيقونات النضال السياسي بالمغرب، شخصية اجتمعت فيها صفات الثقافة الذكاء والحنكة السياسية، عبر تجميع مجموعة من أبرز الصور والبورتريهات، فضلا عن شهادات لأشخاص عاصروا عبد الله ابراهيم وتاريخه السياسي.

 

يسترجع عبد الله ابراهيم، بلا كلل ذكريات السنوات الأولى للاستقلال، للتفرقة و السياسة المضادة للشعب، متسائلا «عن مدى الفائدة من السياسة المناهضة للشعب، المدعومة من خلال أخطاء فادحة في التفكير، متعمقا في النظرية التطورية الأصلية، النابعة من عمق الجسد المغربي، الرافضة للانتقال نحو الخارج، مستغلة تفريغ الوعي من الأفكار و الآراء غير موضوعية، وتحريره من الأخطاء الإيديولوجية، ومن الشعارات الزائفة». اعترف عبد الله ابراهيم، بأن قوة و ضعف الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، تكمن في أسسه الشعبية من عمال و فقراء و ضحايا الظلم و الجور.
سعى عبد الله ضمن نفس الإطار، لتقديم توجهه بالنسبة للهيكل التنظيمي الجديد، في تقرير ضمن المجلس الوطني للأطر الاتحادية، تحت عنوان «طريق المغرب نحو الاجتماعية، وجب علينا لوحدنا تحديده»، محللا وضعية المغرب بعد الانقلابين الشهيرين، وغياب المؤسسات الديمقراطية، وانقطاع التواصل ما بين الحكومة و الطلبة، الهجمات العنيفة ضد المجال الصحفي والتراجع المقلق في الوضعية الاقتصادية، عبر التوجهات الخاطئة منها فتح شهية السلطات الخارجي على المغرب.
انتقد عبد الله كذلك، القرار الحكومي ضد مجموعة الرباط، والحملة الإعلامية الشرسة للإعلام الفرنسي، ضد الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، مذكرا بعمليات القمع ضد حزب الاستقلال و الانتقال، الذي عرفه الاتحاد الوطني للقوات الشعبية في 1959، والاستقلال التام لنفس الحزب (فرع الدار البيضاء)، ومصرا على التساؤل حول قضايا التنظيم، خلال الفترة الاولية الحساسة للحزب، ذاكرا أحداث التفرقة الداخلية في 31 من يوليوز 1972. دخل حزب الاتحاد الوطني للقوات الشعبية، مرحلة الشجاعة و الذكورية متناولة العمل على الخط التنظيمي الضيق، مذكرا خلال المؤتمر الثالث للاتحاد الوطني للقوات الشعبية، بضرورة رد الشخصيات المنفية عن الحزب، منذ 31 من يوليوز 1972 إلى أحضان العائلة الحزبية، عبر مشاركتهم بآرائهم وتصويتهم.
بالنسبة لعبد الله ابراهيم، فإن المؤتمر الثالث للحزب، لا يعمل على تحريض الأغلبية ضد الاقلية، ولا لتحريض الأوفياء ضد المنقسمين، بل وجب الجمع ما بين كل الآراء الايجابية، ضمن نطاق الحوار المسؤول و المنفتح، بشرط ان يخضع الجميع لقرارات المؤتمر. طالب عبد الرحيم بوعبيد، بالديمقراطية و الملكية الدستورية، أمام ما يقرب من 157 من المتهمين، المحاكمين فيما يعرف ب»قضية التنظيم»، في حين أن 72 شخصا تم توقيفهم من جديد، في حين تم إعدام 16 مسجونا متهمين في قضايا سابقة.
متحدثا حول هذه المحاكمات، وتلك التي لحقتها في سنة 1972، المرتبطة بالموظفين العسكريين بمدينة مراكش، كتب عبد الله بهذا الخصوص «أن هذه المتابعات القضائية الكثيرة، تصف الحالات السياسية الحالية، لحالاتنا المعيشية الوطنية..إن المؤسسة الوطنية المغربية، تعبر عن أزماتها عبر الانتفاض و الانتهاز و الفساد، عبر الابتعاد و اللامبالاة و اندثار الثقافة، والمعطيات المغايرة و المقلقة… نحن جميعا معنيون بهذه التغيرات، لكننا لا نلاحظ أي حلول لمشاكلنا الوطنية.. أما في داخل قاعات المحاكم، فإن الضوء الأحمر قد صدر بغية تصحيح الأخطاء السياسية المرتكبة، ولتحرير الطاقات المبدعة…
لقد ذكر قبلا، بأن الممارسة النضالية التطورية، لا وجود لها دون النظرية التطورية، مسترجعا العلاقات ما بين الحزب و النقابات، ومضيفا «نحن نساند المساعي النقابية، في مواجهة السيطرة الشاملة للاقتصاد، إلا أننا لا نتفق مع اي شخص يعتبر أن المواجهة الاقتصادية، في حد ذاتها تمثل نضال الكتلة، من اجل تبيين الشأن المجتمعي المغربي، مستعينة بإضرابات بسيطة، لا يمكن نسبها للنهضة الاجتماعية، إلا ان النضال السياسي داخل الاتحاد الوطني ليس ذاأهمية كبرى، لأن معظم الأوجه المدافعة عن هذه الفرضية قدرهاأن تكون معزولة، غير واعية و لا تمثل صفة الاتزان داخل النقابات، فالنضال السياسي يعتبر الحل الوحيد للتغيير.. ان كلمات عبد الله ابراهيم، ما هي إلا جمل منتقدة للوضعية الحالية للاتحاد المغربي للشغل، لن تظهر نتائجها إلا بعد مرور عدة سنوات…
خلال شهر يناير 1973، سيعمل عبد الله ابراهيم بجهد، ليدرس وضعية المثقفين بالمغرب، متسائلا «عن تحول المثقف لشخص تنموي في وسط مجتمع تطوري»، جاعلا منه نقطة ربط ما بين الكتلة الشعبية والتفكير الاجتماعي. إن الاعتراف بهذه النظرة بحسب عبد الله ابراهيم، ذو طبيعة تمزق الروابط بين الكتل و المثقفين، وتضعهم في مرمى التيه و البحث الدائم. يستحضر عبد الله ابراهيم، موضوع 12 من يوليوز، من خلال عنوان «رسالة للمثقف المتتبع لمجهودنا عن قرب»، كاتبا في الموضوع «ان حرية التفكير لا تعني التحرر من الالتزام، ان الالتزام هو ما يبرهن على الحرية، غير ذلك فهي بمثابة قوة مجانية و عقيمة..ان من يلتزم للاشيء ويمثل دور ضحية المجتمع، يحرمها من وسيلة التفكير الحر ومن الالتزام كحقوق لها.. إن المثقف ليس سوى قدوة و مرآة للمجتمع، وهو الدور التاريخي الموكل إليه منذ بداية التاريخ، لأجل مساعدة الكتل الاجتماعية على رؤية الواقع بوضوح، وبناء هرم مجتمعي قوي البنية.

(يتبع)


الكاتب : ترجمة : المهدي المقدمي

  

بتاريخ : 03/06/2019

أخبار مرتبطة

يقدم كتاب “ حرب المئة عام على فلسطين “ لرشيد الخالدي، فَهما ممكنا لتاريخ فلسطين الحديث، بشَـن حـرب استعمارية ضد

يؤكد الفيلسوف ميشيل فوكو أن عصر الأنوار «لم يجعل منا راشدين»، ظلك أن التهافت الأخلاقي للغرب ظل يعيش، إلى الآن،

نعود مجددا إلى «حياكة الزمن السياسي في المغرب، خيال الدولة في العصر النيوليبرالي»، هذا الكتاب السياسي الرفيع، الذي ألفه الباحث

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *