حكاية  أول  أغنية فنانون  مغاربة يسترجعون  البدايات 28 : عتيقة عمار: «ناري على الغريب «أول أغنية لي   مع عبد العاطي أمنا، وهناك أغنية قديمة مع عبد الوهاب الدكالي سأخرجها  للوجود

للبدايات سحرها  الخاص ،تبقى  دائما عالقة  في الذاكرة والوجدان،  مثل ظلنا  القرين،لصيق بنا في الحل والترحال،  مهما  كانت الإخفاقات أو  النجاحات فلن  يستطيع  الزمن  طيها.
البدايات كانت  دائما  صرخة  اكتشف  معها  المرء  لغز  الحياة،
وككل  بداية  أو أول خطوة تحضر  الدهشة  بكل  ثقلها، نعيش  تفاصيلها  بإحساس  مغاير  تماما  ،وهو  الإحساس الذي  يكتب له الخلود  ،نسترجعه  بكل  تفاصيله  وجزيئاته، كلما ضاقت  بنا  السبل  أو ابتسم لنا الحظ وأهدانا  لحظة فرح  عابرة.
البدايات  في كل شيء،  دائما  هناك  سحر  غامض  يشكل برزخا  بين  الواقع  وماتتمناه  النفس  الأمارة  بالحياة والمستقبل الأفضل.
في هذه  الزاوية  نسترجع  بدايات  فنانين  مغاربة عاشوا  الدهشة في أول عمل  فني  لهم،  واستطاعوا  تخطي  كل  الصعوبات كل  حسب  ظروفه  المحيطة  به، ليبدع لنا  عملا  فنيا  ويهدينا أغنية تشكل  اليوم  له مرجعا  أساسيا في مسيرته  الفنية   ،وتشكل لنا  لحظة  بوح  من خلال  استرجاع  عقارب  الزمن  إلى  نقطة  البدء،  وتسليط  الضوء على ماجرى.

 

كانت تربط والدي مع الفنانين علاقات صداقة، كما كان مولعا بالموسيقى كمستمع، وفي مراكش  حينما كنت صغيرة، تقول الفنانة عتيقة عمار، كان  دائما يستضيف فنانين في بيتنا، من بينهم حميد  الزاهير، عبدالله عصامي، عبد اللطيف الرميت  وأسماء أخرى، إلى درجة أنني كنت أنادي كل  واحد منهم بـ «خالي»، في هذه اللقاءات كانوا  يؤدون أغان مختلفة، وكان والدي، تقول الفنانة  عتيقة عمار، يشجعني كثيرا، ووعدني بأن  يساعدني إن أنا استكملت دراستي، في هذه الفترة  العمرية تربى لدي حب الفن والغناء، كما أنني  أصبحت مطلوبة للغناء في الحفلات المدرسية، سواء في المرحلة الابتدائية أو الثانوية أو في الجامعة، بعد حصولي على البكالوريا التحقت  بكلية الآداب، وولجت التعليم بالموازاة مع الفن.
أول أغنية في مشواري الفني، تقول الفنانة عتيقة  عمار، كان اسمها  «ناري على  لغريب «، من كلمات علي الحداني وألحان عبد العاطي أمنا، هذا الأخيرالذي تبناني في بدايتي الفنية، كانت أغنية  جميلة جدا، تتحدث عن الغربة، وقد سجلتها مع  الجوق الملكي، حيث نالت إعحابا كبيرا من طرف الجمهور، كما كانت تستخدم كجنيريك في العديد  من البرامج، وقد عرفت بها كأول أغنية في مساري الفني، بعد ذلك جاءت أغنية «حتى ولفناك  «، من كلمات علي الحداني «وأغنية  «شوف فيا  مرة مرة «، من كلمات فتح الله لمغاري، «وأغنية  «فرحة العمر «من كلمات حسين أبوريكة، وتشرح  الفناتة عتيقة عمار، لم تكن هناك أي صعوبات في البداية، كنت محظوظة جدا في خطواتي الأولى  لأنني تعاملت مع عمالقة الفن، فأول أغنية  أسندت إلي من طرف الأستاذ عبد العاطي أمنا تمرنت عليها في منزله، حيث رحبت بي عائلته  بشكل  كبير، وأوجه لها التحية والتقدير، خصوصا  زوجته وأبناءه، حيث كانوا جميعا يتعاملون معي كواحدة من العائلة، لن أنسى ذلك أبدا.
رد فعل الجمهور، تضيف الفنانة عتيقة عمار، كان  إيجابيا جدا، إذ كان يردد هذه الأغنية، وكانت  تذاع في الإذاعة الوطنية بشكل دائم، خاصة في  البرامج التي تتحدث عن الغربة والهجرة بشكل  عام، كانت بداية موفقة وجميلة.
طبعا كانت الإذاعة الوطنية هي التي تتكلف  بالتسجيل، لم يكن الأمر كما هو عليه اليوم  ،التسجيل طبعا كان مجانا، كما أن سي عبد العاطي أمنا لم يتسلم مني ولو سنتيما واحدا، لذا  فأنا لن أنسى ما قدمه لي من مساعدة، بالعكس  ساندني وتمرنت في منزله، بعد تسجيل الأغنية  تقاضيت مبلغا عنها من الإذاعة الوطنية.
وبخصوص العائلة، كان رد فعلها إيجابيا ومشجعا، حيث كان الجميع يردد هذه الأغنية  ،خاصة  والدتي رحمها  الله، التي كان لديها صوت جميل، وكذلك إخوتي وبالضبط أخي رشدي عمار الذي  كان  يغني معي في المناسبات.
هذه الأغنية، تقول عمار، من الأغاني التي نفتقدها  اليوم، سواء على مستوى الكلمات الجميلة والهادفة أو اللحن، وهي من بين الأغاني التي أريد  إعادة تسجيلها، خاصة أن صوتي كان  «صغيرا  «بحكم  سني  آنذاك الذي لم يتجاوز 16سنة، وأكيد  قيمتها ستزداد، وتشكل لي بطاقة مرور إلى عالم  الفن والاحتراف، بعدما كنت أغني لأسماء فنية  أخرى مثل أم  كلثوم ، اسمهان، وردة ونعيمة  سميح التي أحفظ  كل أغانيها، والأغنية الثالثة التي  كانت مع الأستاذ عبدالعاطي أمنا  «شوف فيا مرة مرة «من كلمات فتح الله لمغاري، كانت هي المقترح لي كأول أغنية، لكن لم يتم  تسجيلها كأول  عمل فني لي، وعوضها كانت  «ناري على لغريب «، وهي تعتبر «الجوكير ديالي «.
بعد أول أغنية، سجلت مع الأستاذ عبدالعاطي أمنا  ثلاث قطع غنائية أخرى،»حتى ولفناك « من القطع  الجميلة التي سأعيد تسجيلها، والتي كانت محببة  إلى قلب فنانتنا القديرة نعيمة سميح، التي أحبها  كثيرا أطال الله عمرها وبارك في صحتها، كما  كانت محببة إلى قلب أستاذنا الكبير سي أحمد  البيضاوي، وهي من كلمات الأستاذ علي الحداني  رحمه  الله وألحان الأستاذ عبد العاطي أمنا، وثالث  قطعة هي «شوف  فيا مرة مرة «من كلمات الأستاذ  فتح الله لمغاري، بعدها جاءت أغنية  «فرحة العمر  «التي يعرفها كل المغاربة.
من بعد هذه الأغاني، تقول الفنانة القديرة عتيقة  عمار، انفتحت لي أبواب التعامل مع مبدعين  آخرين، الذين حرصوا على أن أغني من إبداعاتهم،  من بينهم الأستاذ سي أحمد البيضاوي، الذي  سجلت معه أول أغنية في مساره الفني بالدارجة المغربية، وهو الذي كان معروفا بأداء القصائد، ولم يسبق له أن لحن أغنية عاطفية بالدارجة المغربية، وهي بعنوان «حلمت وصحيت « وتبقى الأغنية  الوحيدة التي أنجزها  في هذا الباب، من كلمات جمال الدين بنشقرون ، بعد ذلك تعاملت مع الأستاذ عبدالرحيم السقاط في أغنية «مبقيتش نتيق « من كلمات الأستاذ حسن المفتي، ثم مع الأستاذ إبراهيم العلمي من خلال أغنية  «قالو لي عليك « والعديد من الأغاني الوطنية،  كما تعاملت  مع محمد بلخياط كأغنية  «متودعنيش «وهي أغنية عاطفية جميلة جدا، وأغان وطنية أيضا، وكذلك تعاملت مع الأستاذ صلاح الشرقي في أغنية  «دعاء «من كلمات الأستاذ عبد اللطيف أحمد  خالص، ومع عبد الرفيع الشنقيطي في أغنية  «القلب الشاكي  «، من كلمات علي الحداني، وأيضا  مع حميد بوجندار في أغنية «وخا تغضب «، ومع الأستاذ المصري توفيق حلمي، الذي كان مقيما  في المغرب، من خلال أربع قطع غنائية منها أغنية «لا ياعالم «، التي شاركت بها في مهرجان الأغنية  في مصر، وهي السنة التي فاز فيها الأستاذ عبد الوهاب الدكالي بالجائزة الأولى، حيث تم  التنويه بأغنيتي ومنحي شهادة  تقديرية، وقيل لي آنذاك لو لم يكن الأستاذ عبد الوهاب الدكالي  مشاركا لآلت الجائزة لي، كان التنوية كبيرا من طرف الأستاذ الموسيقار حلمي بكر وغيره، كما  أديت أربع قطع غنائية من كلمات  لوافي  فؤاد  وسلوى  بنعزوز المولعة جدا بالأغنية المغربية والتي تكتب الزجل وتكتب في المسرح والسينما  والمسلسلات، وقد تكلفت بإنتاج الأغنية بشكل  كامل. كما غنيت للأستاذ عبدالله عصامي أغنية  «الدمعة «، وهي أغنية معروفة نالت مكانة جيدة في صفوف الأغنية المغربية من كلمات الأستاذ أحمد  بولان المخرج السينمائي حاليا، كما غنيت من ألحان بدر الدين الوهابي أغنية «ولد الناس اش هذا» وأغاني أخرى مثل «ياك أ قلبي «من كلمات حميد البوعجيلي وأغنية «الله يهديك «التي هي قطعة جديدة وظف فيها بدر الدين الوهابي الفلكلور، وتم  توظيف أيضا كلمات أمازيغية وأتمنى أن تنال  إعجاب الجمهور، والأستاذ الوهابي، تضيف عتيقة عمار، من المولعين بالأغنية المغرببة وهو باحث في التراث المغربي وحاصل  على شهادة  الدكتوراه  في هذا  المجال، كما لا أنسى الأستاذ  محمد الزيات الذي احتضنتني عائلته وقد تعاملت  معه في أربع قطع غنائية، وأيضا محمد بلخياط  تعاملت معه في أغنية موضوعها حول كرة القدم  كانت من  لحنه، وكذلك عبد اللطيف السحنوني.  هذا المسار الفني، ولله الحمد، جعل الناس يقدرونني  ويحترمونني، ومهما حصل الآن، كما  نرى، فأنا  مؤمنة بأنه لايصح إلا الصحيح ، وبالرغم من أنه يتم فرض الرداءة على الناس عن طريق أصوات وألحان وكلمات تحتل التلفزيون، لكن  الإبداع سيظل إبداعا، ويكفي أن يمر الفنان الحقيقي في الإعلام حتى يترك بصمته، وأنا بطبعي متفائلة، وقد لاحظنا في السنوات الأخيرة بدء  صحوة لمقاومة الرداءة، لكن هذا لاينفي، تقول عمار، أن هناك أصواتا شابة تشتغل وتجتهد ولها  منا كل الحب والتقدير، وهناك من اعتبر نفسه عارفا بالأغنية المغرببة، مستعملا، مع الأسف، كلمات هابطة وألحانا غربية، وأنا أنصحهم في هذا الصدد باستعمال وتوظيف كلمات نظيفة حتى  تستطيع العائلات  سماعها في ما بينها، وأتمنى أن تعود الأغنية المغربية إلى أوجها كما كانت عليه سابقا.
وتكشف الفنانة عتيقة عمار قائلة: «لدي أغنية من ألحان الأستاذ عبد الوهاب الدكالي لم تسجل بعد  للأسف «راه  ف بالو « من كلمات علي الحداني، كما كانت لي فرصة للغناء من ألحان الأستاذ عبد السلام عامر، غير أنه لم يتم تسجيلها وأيضا عمل  آخر مع الأستاذ المعطي البيضاوي ، لكن هو  الآخر لم يسجل لظروف صحية، هذه الأسماء  لم تسمح الظروف لكي يرتبط اسمي بها، لكني  سأسجل أغنية ملحنة من طرف الأستاذ عبدالوهاب الدكالي، كما غنيت للحبيب الإدريسي والطاهر  جيمي والأستاذ برادة والأستاذ أحمد الكورتي  رحمه الله وغيرهم، وقمت بجولات فنية في جل  دول العالم، سواء في أوروبا  أو دول الخليج  ودول المغرب العربي، وكان دائما هناك تفاعل  إيجابي مع الجمهور  .


الكاتب : جلال كندالي 

  

بتاريخ : 11/06/2019