بمدينة سيدي بنور : ساكنة تحت «رحمة» التلوث وفلاحون تخنقهم المديونية

 

تعاني مدينة سيدي بنور من التلوث البيئي الذي تسبب، ولايزال، في العديد من الأمراض، كأمراض العيون والجلد والحساسية… وتشكل أدخنة معمل السكر أحد أبرز العوامل المؤدية إلى ذلك نتيجة ما يحدثه من إفرازات لمواد كيماوية ورمي لبقايا بعض المواد العضوية وإتلاف مواد أخرى بأماكن عشوائية، فحتى داخل المعمل وضعت بأكوام كثيرة على طول جانب المسارات الطرقية على جميع الجهات ، بالإضافة إلى عملية التخلص من المياه العفنة والحاملة لمواد مختلفة تفوح منها روائح كريهة…

من الأخضر إلى البني

المعمل المتواجد بمخرج المدينة على الجهة اليمنى من الطريق الرئيسية في اتجاه الجديدة، هناك بعين المكان أثارت انتباهنا حالة أوراق بعض الأشجار المغروسة التي تحول لونها من الأخضر إلى البني وأخرى يابسة انعدمت الحياة فيها ، وغير بعيد عنها وضعت أكوام كثيرة من مادة متربة لونها يميل إلى البياض والاصفرار الباهت تنبعث منها روائح كريهة، بجانب آخر أكوام من الفحم الحجري تلعب بها الرياح لتحمل غبارها الاسود في كل الاتجاهات. الجهة اليسرى كانت مليئة ببقايا مادة الشمندر ورواسب سائلة تكاثرت بها فقاعات ( تشبه زبد البحر) تتجاذب نتيجة اختمار المواد المختلطة وتفاعل مكوناتها الأمر الذي يهدد الفضاء البيئي والفرشة المائية بالتلوث.
لاحظنا أكواما من الاتربة قال مرافقي إنها تتوزع على بعض الفلاحين على اساس استعمالها كسماد يصلح للفلاحة عند تقليب الارض دون اعطاء توضيحات علمية مدققة عن ذلك، الامر الذي يساهم في نقلها الى الدواوير، بدل التخلص منها ورميها بعيدا عن السكان ، حفاظا على سلامة الطرقات، وكذا سلامة المواطنين والحفاظ على جمالية المنطقة ، ناهيك عن سوء تدبير مسألة المياه المتعفنة المتخلص منها بعد استغلالها في عملية الغسل والتنقية… والتي تنشر روائحها الكريهة على مدى عشرات الكيلومترات وقد ساهمت بشكل كبير في تناسل العديد من أنواع الحشرات الضارة من ضمنها « الناموس».

غضب الساكنة

صرح أحد أبناء المنطقة قائلا: «إن الكل يشكو من هذه النفايات المقذوفة وما ينبعث منها من روائح كريهة، إلا أن المسؤولين لا يعطون اهتماماً كافياً لهذا الوضع وما يمكن أن يسببه من أمراض وانتشار للأوبئة». و أضافت سيدة: «إن المدن تعرف بتاريخها و ثقافتها و ما تتميز به من مواقع تاريخية وجغرافية… غير أن مدينتنا أصبحت معروفة بروائحها الكريهة»، مضيفة: «انتظرنا لفترة لعل الأمر يتغير و ترتاح ساكنة المدينة خصوصا في فصل الصيف، غير أن الرائحة في ازدياد و لا من يحرك ساكنا».
وحسب تصريح السيد عبد الرحيم فإن الوضع «أصبح مصدر إزعاج للأسر ، ونفس الشيء بالنسبة لزبناء المقاهي، وإذا استمر الحال على ما هو عليه فإننا سنكون مضطرين إلى اقتناء أقنعة واقية حتى نتمكن من الجلوس مع الأهل و الأحباب سواء داخل المنازل أو المقاهي وغيرهما»، لافتا إلى إمكانية الإصابة بالأمراض التنفسية المختلفة.

أسئلة بلا جواب

أثناء زيارتنا صباح يوم الخميس لمعمل السكر، لم نجد أي مسؤول لنحاوره رغم إخبار المدير المسؤول الجديد الذي كان بمكتبه بطلبنا مقابلت ، فكان أن عاودنا الزيارة في اليوم الموالي لكن دون تفاعل ، فظلت أسئلتنا بدون إجابة ، غير أنه بعد تفقدنا لمحيط المعمل شاهدنا النفايات المتراكمة بالأطنان، منها من لازالت أدخنة لهيب النار تتصاعد منها بينما رميت أخرى بجانب الطريق الرئيسية دون مراعاة لأية ضوابط . وعن أسباب الرائحة صرح أحد العاملين بأنها ناتجة عن رمي النفايات في الهواء الطلق مما أدى إلى اختمارها.
وحسب جمعويين بالمنطقة فإن الدخان المتصاعد بات يسبب اختناقات للمواطنين، ومن شأنه أن يعمق إصابتهم بأمراض متنوعة، على رأسها الربو؛ ناهيك عن كون روائحه تنتشر على مدى مساحة شاسعة. وتساءل هؤلاء عن سبب عدم تدخل السلطات لإلزام الشركة باحترام المعايير البيئية؟ مشيرين إلى قرار مراسلة مؤسسة محمد السادس لحماية البيئة «في حالة ما لم تتدخل السلطات المحلية لوقف هذا التلوث الخطير».
هموم الفلاحين

حسب بعض الفلاحين، فان هؤلاء يعانون من ثقل الاقتطاعات المباشرة من عائدات منتوجهم ، ولفائدة جهات متعددة، يقول أحدهم: «اذا كنا لا نستفيد حتى من ( نجارة الشمندر ) التفل التي يعاد بيعها لنا وبأثمان باهظة، فماذا بعد ذلك ؟ فمنذ عملية الزرع ونحن نؤدي من جيوبنا ثمن البذور والأدوية وأجرة العاملين … حتى وصوله إلى المعمل الذي لم يفكر المسؤولون عن إدارته يوما في الجلوس معنا للحوار والأخذ بيدنا ومناقشتنا حول أوضاعنا المزرية».
فلاح آخر أكد «أن هذا الموسم يعد من أسوأ المواسم، وذلك نتيجة عدة عوامل يتحمل فيها المعمل القسط الأوفر بسبب عدم احترامه للبرنامج المتفق عليه، الأمر الذي جعل عملية قلع الشمندر تعرف تعثرا يتضح من خلال التأخر المسجل في وتيرة التسليم». وهو ماجعل الفلاح يعيش أوضاعا مأزومة (قلة التساقطات المطرية – غلاء ماء السقي – الاجواء المناخية بالمنطقة الحارة خلال فترة القلع…) أمور أدت الى خسارة في المنتوج…أو النقص في مادة الحلاوة» .
«في الوقت الذي كنا ننتظر من إدارة المعمل تشجيعنا والدفاع عن مصالحنا، تفاجأنا باقتطاعات، ما جعلنا نئن تحت وطأة المديونية والإفلاس».
التلوث وإفقار الفلاح

الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية ممثلا في عبد اللطيف بلبير عضو المجلس الإقليمي لسيدي بنور، حمل مسؤولي معمل السكر ما آلت اليه أوضاع فلاحي المنطقة و الوضع البيئي خلال الدورة العادية لشهر يونيو الجاري المنعقدة بمقر العمالة بحضور عامل الاقليم وممثلين عن معمل السكر من بينهم المدير الجديد أثناء مناقشة مشاكل منتجي الشمندر، متسائلا عن» الإضافة التي قدمها معمل السكر لساكنة بلدية سيدي بنور ودعمه لمختلف القطاعات بالمدينة «اللهم التلوث وضجيج الشاحنات والجرارات و ما ينجم عنها من حوادث سير خطيرة لعدم التزام بعض الشركات المتعاقدة مع معمل السكر بدفتر التحملات» وكذا عن» الآفاق المستقبلية التي ينوي معمل السكر إنجازها بالمنطقة بما فيها مآل معمل الزمامرة، و ما يتم تداوله بشأن إعادة فتحه من جديد»، كما طالب ممثل الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية مدير معمل السكر «بالاستجابة لمطالب الفلاحين المعتصمين أمام باب العمالة المطالبين بعدم قلع منتوجهم بالآلات والعودة من جديد للقلع التقليدي بواسطة الجرارات وذلك تفاديا لضياع أوراق الشمندر التي يستعملونها كعلف لماشيتهم .»
إذا كان هذا كله بالإضافة إلى فترة قلع الشمندر، والذي يصادف فصل الصيف حيث تكون الحرارة مرتفعة ، فإن عملية القلع تترتب عنها خسائر فادحة ، بسبب تعرض المنتوج لأشعة الشمس لفترة طويلة وبالأخص إذا حصل هناك عطب بالمعمل أو حدوث طارئ كإضراب سائقي الشاحنات مما يعرض المنتوج للضياع وبالتالي يتكبد الفلاح تلك الخسائر لوحده بعدما كافح واجتهد طيلة السنة في مراقبته ورعايته ، أضف إلى ذلك ما تعرفه أسعار البذور والمبيدات والأسمدة والغازوال وماء السقي… من ارتفاع في الاثمنة ، تلك كلها عوامل تحالفت وأزمت وضع منتجي الشمندر في غياب جمعية حقيقية ترعى مصالحهم وتدافع عنهم وتطرح مشاكلهم على الجهات المعنية عوض أن تهتم بالاقتطاعات غير المبررة .

بين حماية البيئة وحقوق الفلاح

لقد ضاقت الساكنة ذرعا مع الروائح الكريهة التي تنتشر يوميا لتغطي مساحة شاسعة بالمنطقة، وأصبح من الضروري تدخل الجهات المسؤولة المعنية بأوضاع البيئة وحمايتها لضمان بيئة سليمة خالية من المؤثرات السلبية سواء على صحتهم أو سلوكهم باعتبار أن الإنسان ابن بيئته يتأثر بتأثرها، وعلى الجمعيات المدنية المهتمة بمجال البيئة محليا وإقليميا، التدخل لحماية البيئة باستخدام كل الوسائل القانونية والضرورية لضمان تفعيل الاهتمام بالقضايا البيئية ووقف كل ضرر بصحة الساكنة ضمانا لحقها الثابت في العيش وسط بيئة سليمة من كل أنواع التلوث، وإلا فإن الساكنة و في ظل ما هو كائن اليوم ستكون مضطرة لاقتناء أقنعة واقية تحسبا لكل رائحة كريهة!؟.
وبخصوص أوضاع الفلاح فقد بات على اللجان التي تكونت سابقا وكذا الجمعيات التي تعنى بشؤون الفلاحين، البحث عن أسلوب لأجل معالجة الخسارة والأضرار التي يتكبدها الفلاح، والعمل على الدفاع عن مطالبه العادلة و المشروعة حماية لمصدر عيشه وتفاديا لأية انعكاسات اجتماعية وخيمة.


الكاتب : أحمد مسيلي

  

بتاريخ : 19/06/2019