ازدواجـيـة الـوظـائـف، وحـدة المـواقـف..

 جواد شفيق

 

أثارت وقائع الجلسة الافتتاحية لمؤتمر شبيبة المصباح، وما زالت تثير، الكثير من النقع والسجال والأفعال والأقوال، بالنظر لفاعليها، ولما جاء فيها، و لظرفيتها .
لم ينتبه كثيرون إلى أن الجلسة هاته ، لم يكن فيها بنكيران معزولا ، بقدر ما كان الجزء الظاهر من بنية عامة (ينخرط فيها حتى الصامتون: بصمتهم). لقد تناسقت الشعارات مع خطبة الإمام /المرشد العام  مع كلام الأمين العام مع مخرجات الختام (القيادة الجديدة للشبيبة) .. لتعطينا الصورة الحقيقية لما هو عليه الحزب الجماعة.
لذا كان طبيعيا وواجبا أن ترفع سبابة النقطة نظام عاليا. وكان من غير الممكن والمعقول والمنطق والمقبول أن تمر تلك «اللحظة الاستعراضية» المتقنة الإخراج، وأقله تقديرا المثخنة بالتواطؤ، مرورا عرضيا، تحت أي مسميات: الانسجام، الأغلبية، المؤسسات، الاستقرار، الهشاشة …
وقائع ما وقع، و ما استتبع ما قيل وما وقع، هو موضوع ملاحظاتنا اللاحقة:
عند تناول الأستاذ العثماني الكلمة، وعند إنصاته لكلمة الأستاذ بنكيران، لم يأت على لسانه و لا على محياه ما يفيد بأنه غير موافق أو حتى غير راض عن بنكيران الذي صوب نحو كل ما يتحرك il a tiré sur tout ce qui bouge .
لم يستثن الرجل الذي يتحول تدريجيا  إلى إمام مرشد عام أحدا، ممن لا يوافقون هواه(أشخاص،أحزاب،مؤسسات، سلط) ،  حتى بلغت البذاءة مدى يشك معه المرء في التوازن النفسي للرجل ، و في صدق «إسلاميته» التي تنهى عن التنابز بالألقاب.
وفي كل الأحوال، فالحقيقة لا تخرج إلا من أفواه الأطفال و الحمقى، والأحمق ليس عند ميشيل فوكو سوى ذاك «الذي فقد كل شيء إلا عقله» Celui qui a tout perdu sauf sa raison.
ركز كثيرون، مغرضون و محايدون، على طلقات بنكيران تُجاه أحزاب و زعماء أحزاب بعينها، و أغفلوا  مدخل الخطبة إياها، الذي غرق في المرجعية العقدية (الإطار العام لكل تحرك)، فكان الكثير من الإيحالات الحابلة بالسم في الدسم، من قبيل واقعة أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، وواجب النصح لولي الأمر و موقع العلماء ؟؟  و كانت تلك لحظة الارتفاع إلى مقام الإمامة (ستظل عقدة ما يسمى بالعلماء أبدية في بحثهم عن السطو على السلطان منذ عمر بن عبد العزيز إلى يوسف بن تاشفين إلى الحسن الثاني فمحمد السادس.و قد انكشف ذلك جليا في رسالتي المرحوم عبد السلام ياسين «الإسلام أو الطوفان» و «إلى من يهمه الأمر»، وفي الفتوى الشهيرة لأحمد الريسوني…)..
اعتبر السيد حامي الدين، الذي  تحدى وأهان  بنكيران لأجله السلطة القضائية ،أن خطاب كفيله هو «خطاب نصيحة للملك» و«تحذير لأخنوش» و«توبيخ لادريس لشكر» و«تنبيه للعثماني» و«دعوة للجميع للانتباه إلى المخاطر البنيوية التي تتهدد استقرار الدولة»، فيما قدر الأستاذ مصطفى السحيمي أن «الازدواج الوظيفي بين بنكيران و العثماني مفيد للتصدي للخصوم». وأما العثماني، فقد دشن كلامه بعد البسملة و الصلاة على الرسول و آله و صحبه و من والاه ، بتحية «الأخ عبد الإله»، و بعده جاء الباقي (أمانة عامة، ضيوف،  مؤتمرون…)، هل يبقى للموقع التنظيمي معنى بعد كل هذا ؟؟، و بعدها كان العثماني مسهبا في الحديث عن «إفشال مهمة تشكيل حكومة الأخ عبد الإله ، و«محاولة إفشال ترميم حكومة العثماني نفسه»، ومحاولة إجهاض «التحالف السياسي بين البيجيدي والتقدم والاشتراكية»، و«الحرب التي تشن على المصباح منذ مجيئه»، «و النزاهة كشرط للنجاح والانتصار في 2021»، (في إحالة خبيثة على أن باقي  المنافسين الطامحين هم أيضا لتحقيق هذا المبتغى، تعوزهم هذه القيمة الأخلاقية)، ولم ينبس الأمين العام الرسمي للبيجيدي بما يفيد أو حتى يوحي بأنه مختلف مع أو حتى متحفظ من كلام الإمام المرشد العام. (ذكرتني هذه الواقعة بحجم الدمار الذي شهده الاتحاد، وكاتبه الأول آنذاك سي عبد الرحمان يحارب على كل الجبهات من أجل وحدة اتحادية شاملة في الموقع والموقف).
لايمكن بأي حال من الأحوال، عزل ما وقع عما سبقه من تحرشات بيجيدية ببعض مكونات الأغلبية (نواب ووزراء)، في البرلمان والإعلام. ولهذا كان لزاما من باب حفظ العهود، وتجديد العقود، ومن باب أن النصح، والإنذار و التوبيخ والتنبيه (كلشي كيعرف إيديرو) أن يرد الصاع، وأن تعاد الرصاصة إلى صدر مطلقها.
وفي هذا الإطار، نضع السلوك الاحتجاجي المسؤول الصادر عمن مسهم الضرر وهيئاتهم المتمثل في مقاطعة أشغال المجلس الحكومي الأخير،وقبله مقاطعة جلستي البرلمان ليومي الإثنين والثلاثاء 5 و6 فبراير 2018 (وهو ما لم ينتبه له كثيرون) .
إن مؤسسات البلاد و ثوابتها محمية بقوة الدستور و نصه، والبلاد واستقرار الدولة ليسا بوهن خيوط عنكبوت ، حتى يركن الجميع إلى الصمت أو الخوف.
عندما انبرى بنكيران للحديث عن مخاطر زواج المال و السياسة بعد أن تساءل بخبث عن الشوافة، وعطفا عليه قال العثماني لحشود المريدين «ما تخافوش من هاذوك اللي كيقولوا  غيربحوا  الانتخابات ف 2021»، فلعله العقل السياسي الباطن الذي يستشعر بداية الأفول أو التراجع في أدنى الحالات.و لهذا كان هذا الإصرار على إطلاق استراتيجية تتفيه و تسفيه وتشويه أي منافس محتمل ، ولو كان «شريكا» ما زال الطريق معه نحو 2021 طويلا (اللهم إلا إذا كانت استراتيجية التأزيم قد حلت محل استراتيجية المظلومية)…
قد نشاطر السيد بنكيران الرأي بخصوص مخاطر التداخل غير المشروع بين الثروة والسلطة ، عندما تصبح السلطة وسيلة للإثراء، كما عندما تصبح الثروة أداة لاختراق السلطة وتوظيفها من أجل مزيد من الإثراء.
لقد قدم دستور 2011 بعضا من معالجات لهذه القضية عندما تحدث عن تضارب المصالح، وشفافية المنافسة، وقد انخرطت بلادنا في كثير إجراءات لتنظيم مجال ومناخ المال والأعمال، وهناك مؤسسات حكامة ورقابة خاصة بهذا المجال (مجلس المنافسة، الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة، اللجنة الوطنية للاستثمار ويترأسها رئيس الحكومة..)، ومعنى ذلك أن هناك كثيرمقومات مؤسساتية، تشريعية وقانونية لمنع الاحتكار وضمان المنافسة؛ وكل خارج عن إطار القانون وجب على القانون أن يلاحقه.
لقد كنا كاتحاد اشتراكي للقوات الشعبية دائما من دعاة و حملة الآية القرآنية الكريمة من سورة النساء «و من كان غنيا فليستعفف، ومن كان فقيرا فليأكل بالمعروف»، كما حملنا دائما في جيناتنا المعنى السامي لـ «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته»، لأن الآية والحديث معا، يعنيان من ضمن ما يعنيانه ،التضامن الاجتماعي والمسؤولية المشتركة في تحمل أعباء الوطن و كلفة الانتماء إليه، والحفاظ عليه موحدا مستقرا و متجها دائما نحو المستقبل.
من هنا إذن واجب وأد كل النزعات والنزوعات الفاشية.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، فماذا عن عجن الدين بالسياسة، وهي حرفة الأخ عبد الإله  ومن والاه؟ أين الدولة المدنية التي ألف وقال بصددها الكثير السيد سعد الدين؟، وإذا كنتم تعيبون زواج المال بالسياسة (وهو مال وطني على أي حال ما لم تبلغوا درجة تخوينه هو الآخر)، فماذا عن ذاك المال الوهابي، الخليجي، «الإخواني» الذي سارت بذكره الركبان، وعجنتموه بالدعوة والعقيدة والدين، حتى كاد الولاء للوطن والمذهب يزدوج عندكم Double allégeance، ولعله ازدوج غير ما مرة؟؟
لعل التوصيف الأنسب لواقعة الجلسة الافتتاحية لمؤتمر شبيبة المصباح هو رب ضارة نافعة، إذ مكنتنا اللحظة إياها بكل توابلها و توابعها، من أن نزيح بعضا من الغشاوة التي كادت تحجب عنا حقيقة «الإخوان ديالنا»  وازدواجية الوظائف ووحدة المواقف عندهم .. وهو دأبهم الدائم.

فاس في 10 فبراير 2018

الكاتب :  جواد شفيق - بتاريخ : 13/02/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *