ذكرى الشهيد وذكرى التأسيس.. بين الوفاء والمصالحة

مصطفى المتوكل الساحلي

بين الاحتفالية والاحتفاء مسافات لن يوضحها ويبرهن على ترابطها إلا الوضوح الإيديولوجي المذهبي ، والاعتراف الفعلي بأن كل محطات ونضالات الاتحاد الكبير منذ التأسيس إلى اليوم ، هي منا وبنا ولنا بإيجابياتها وسلبياتها ، بنجاحاتها وإخفاقاتها ، بتوافقاتها وصراعاتها ، وبالوحدة والانفصالات ، بأنواع الوفاء وتمظهرات الخيانات ، بأحسن تجليات الوضوح والصفاء الفكري وبأنواع من المزايدات المستندة على التضليل وقلب الحقائق والمعطيات … ،
الأمر في كل هذا يتعلق بالمبادئ و الأفكار، أو طبيعة أشخاص ، أوخلفية تكثلات مرحلية أومصالحية ، والأهم في تاريخ الحزب هو تضحيات الشهداء والشرفاء وكل المحطات التاريخية المعرفة بتوجهه الهوياتي الفعلي ونضاليته وجماهيرته وصدقيته وعمق وطنيته وإشعاعه التقدمي وطنيا وعالميا …
إن تاريخ حزب وطني كبير، لايمكن اختزاله في أشخاص إلا إذا كانوا مؤسسين ولديهم امتداد تاريخي في العمل الوطني والجهاد ضد الاستعمار لأنهم رموز لايتجاهلهم أو يسعى للإساءة إليهم إلا من يحقد ويكره الفكرة الاتحادية الأصيلة ومن يتعمد إضعاف وتهميش الحزب في المجتمع والمشهد السياسي والعمومي … ، ومن يسعى للقضاء المبرم على النضال من أجل الحرية والكرامة والعدالة الشاملة …
إن كل الذين قدموا تضحيات بالنفس والمال والوقت والجهد لدرجة أن حياتهم كانت بحزبهم من أجل وطنهم وشعبهم … هؤلاء الرجال والنسوة لايمكن التنكر و التبرؤ من أي واحد منهم ومنهن أو التشكيك في نضاليتهم ونضاليتهن ووطنيتهم ووطنيتهن ..، إنهم هم من أسس وبنى واستقطب وأطر ما أصبح قوة جماهيرية تقدمية يسارية لها وزنها الكبير بالوطن وبالعالم الإشتراكي يحسب له ألف حساب بالعالم الرأسمالي ودول التسلط والرجعية والظلامية .. ، إنهم هم الرأسمال المادي واللامادي للوطن والحزب والقوات الشعبية …
إن منهم من يمثل محطات مفصلية في تاريخ المغرب والحزب ، من المهدي بنبركة إلى عبد الرحيم بوعبيد وعبد الرحمن اليوسفي وعمر بنجلون وكل الشهداء والأبطال والزعماء من أجيال العمل الوطني إلى أجيال القادة والمؤطرين طوال العقود المتعاقبة بعد الاستقلال ..
إن الاتحاديين والاتحاديات ومعهم المتعاطفون والمتعاطفات والمتتبعون والمتتبعات، انتظمت عندهم وتواترت تواريخ وكأنها أعياد والتزامات ومواعيد قارة لمدرسة وجامعة الاتحاد تشهد ورشات ودورات وندوات وملتقيات رائدة في التكوين والتنشيط والتربية على المواطنة والنضال والوفاء والصمود باستحضار واستلهام الدروس من حياة وفكر من سبق ..، فمن ذكرى الشهيد بنبركة ودروسها القوية ومعها ذكرى أحداث 1965 ، إلى ذكرى الشهيد عمر بنجلون وملابسات استشهاده وخلفياتها،والوضوح الأيديولوجي ، إلى استشهاد الشاب الاتحادي كرينة محمد في مقتبل عمره والذي أصبح رمزا ، إلى ذكرى تأسيس الحزب، وذكرى مقررات 30 يوليوز 1972، والمحطة التاريخية الفاصلة المؤتمر الاستثنائي واستراتيجية النضال الديموقراطي … إلى أحداث 1981 ، فأحداث 1992 … ، والمقصود بالأحداث مواقف وسياسات الاتحاد ونضالاته التي ووجهت بما عرفت به سنوات الجمر والرصاص وكانت فاعلة ومؤثرة في المسارات السياسية لبلادنا …
إن الاحتفال بذكرى التأسيس، ليس فقط على رأس كل عقد بل سنويا ، يعتبر قيمة مضافة مكتسبة حافظت وغذت الحماس النضالي التنظيمي والجماهيري وتعلم منها واستقطب الآلاف من الشباب وغيرهم منذ 1975 ، إنه لايصح أن يتم اختزال محطاتنا في تاريخ واحد في زمن تسببت سياسات مختلفة المشارب في التجهيل والتضبيع المعرفي والسياسي كما قال الراحد محمد كسوس ، كماسجلت تراجعات طالت كل قيم التضامن والتآخي والتآزر الذي كان سائدا ، وانتشرت الشعبوية المفسدة التي أساءت وأصابت المشهد السياسي ببؤس مهول استهدف كل قيم المواطنة والجدية والمصداقية ، وكانت الأحزاب والقوى الوطنية والتقدمية السياسية والنقابية والمدنية هي المستهدف والضحية ، فعم التراجع و الفشل والضياع والتشرذم والإحباط الغالبية العظمى بنسب متفاوتة الخطورة ، كما أقبرت وهمشت وأبعدت الكفاءات ليعم وينشر الجهل السياسي والثقافي ويقدم على أنه علم ..
إنه يجب أن ننتبه لخطورة أن تكون أجيال جديدة من الاتحاديين يجهلون تاريخهم وهويتهم ومبادئهم وتاريخ الصراع والتناقض والاختلاف بالوطن ، فيصبح الحزب هيئة لاطعم لها ولا لون ولا مبادئ تقطع مع النضال من أجل الإصلاح البناء ،والتغيير المفترض تحققه لصالح الوطن والشعب ، ويتحول إلى كيان سياسوي لايهتم إلا بالانتخابات ،وولوج مراكز القرار دون قيد ولا شرط ، بدون برامج تنسجم مع قناعاته ومبادئه ومذهبه …
ومن هنا نقول بأهمية أن تكون أي احتفالية بأهداف تغذي التعبئة الشعبية من جهة ، وتشكل محطة للتأطير وتجديد قراءتنا لتاريخ الحزب وتعميق دراساته التقييمية لتفاصيل حياته ، ومحطة للتكوين في شقه التاريخي والمعرفي والإيديولوجي والمجتمعي والاقتصادي والتكوين السياسي لكل الأسرة الاتحادية في انفتاح على الشباب والمجتمع والنخب البناءة .. بحمولة قوية بالوفاء الصادق لكل رموز وتضحيات الأسرة الاتحادية طوال الستين سنة الماضية ..في علاقة بمشروعية طرحنا للسؤال الأزلي المتجدد :
من نحن ؟ وماذا نريد ؟ وهل نحن استمرار لحركة التحرير الشعبية ؟ أم أننا شيئ آخر مخالف لتاريخنا الذي نعتز ونفتخر به ولا نقبل بديلا عنه ؟ وهل أوضاعنا وأحوالنا ترضينا وترضي المجتمع الذي كان يعقد كل آماله علينا للخلاص من معاناته وآلامه ،والتحرر والعدالة الاقتصادية والاجتماعية ، وبناء وإرساء دولة الحق والقانون والمؤسسات ، وإقرار السياسات التي ترضي الشعب وتحقق طموحاته وتطمئنه على مستقبل وطنه وأبنائه ..؟؟
إن الاحتفاء بذكرى الشهيد المهدي بنبركة والذكرى 60 لتأسيس الاتحاد الكبير تتطلب موضوعيا وذاتيا على المستوى الفردي والجماعي الربط الجدلي بين الوفاء والمصالحة والإصلاح والتوافق بين كل الأسرة الاتحادية التي هي اليوم كما بالأمس وغدا أمام مسؤوليات كبرى ترتبط بأن يتجند الجميع ليسترجع حزب القوات الشعبية وهجه وتألقه وقيادته للسياسة بأخلاق عالية وتأطيره ودفاعه وارتباطه بالجماهير الشعبية وقضاياها ..والتشبع بآلية النقد والنقد الذاتي الذي يعني الجميع ولا يستثنى منه أحد ،لأن الاعتراف بأخطائنا فضيلة ومدخل إلى وعينا الإيجابي الذي سيشكل قيمة مضافة لتقوية مصداقيتنا …

تارودانت : الأحد 20 أكتوبر 2019.

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 24/10/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *