ميزانية إعادة الاعتبار للمواطن المغربي

بديعة الراضي

 

ستتوجه الأنظار العالمة اليوم، إلى البرلمان المغربي، حيث يعرض مشروع قانون المالية 2019، وستذهب هذه الأنظار إلى معطياته العامة للتوازن المالي، في أبوابه ومواده، كما في رسومه وضرائبه، وستبحث الفرق البرلمانية في تفاصيل مشروع الوثيقة متوقفة عند هذه المواد، كي يكون للقانون معنى، يجسد ما ترافع عنه ممثلو الأمة، دفاعا عن وجود حلول ممكنة في كافة القطاعات.
حلول لم يستوعبها قانون المالية السابق، وظلت كل الخانات المالية، التي بإمكانها تشكيل الأرضية الصلبة لبلورتها، غامضة، بل وضبابية حتى أمام القطاعات الوزارية الشريكة التي استعصى عليها الوفاء بالتزاماتها في البرامج الحكومية القطاعية، وذلك هو الأمر الذي يرجح فيه سوء تدبير، كانت له تداعياته، تلك التي تابعها الرأي العام، بكثير من التفسيرات لا مجال لسردها.
وهي أنظار مقرونة بخطاب ملكي، ألقاه جلالته، أمام أعضاء مجلسي البرلمان، بمناسبة افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الثالثة من الولاية التشريعية العاشرة، اعتبرنا في حينه، إشاراته الهامة، دعوة إلى الإعمال بسياسة عمومية ناجعة قادرة على النهوض بالأوضاع الاجتماعية والاقتصادية ببلادنا، نحو نموذج تنموي جديد متوجه إلى المستقبل لرفع كافة التحديات التي يوجهها المغرب.
كما هي أنظار مقرونة بالسيل المتواصل للتقارير الدولية، والتي وإن كنا نرتاح لبعض الإشارات التي تنصفنا، إلا أن معطيات أخرى يرد فيها وبالأرقام ، وضعنا في المكانة التي لا يستحقها المغرب، كبلد متميز في محيطه الجهوي والإقليمي.
كما هي أنظار مقرونة بملف اجتماعي ثقيل، يؤكد الخلل الذي أصاب منظومة بكاملها بين مغرب يفتح أوراشه الاقتصادية الكبرى، في اتجاه أن يدخل المنافسة الدولية على حبل التوازنات الاقتصادية والتنموية العابرة للحدود، ومغرب مكبل بملفاته في الصحة والتشغيل والسكن، ناهيك عن من يتوفرون على الحد الأدنى لمعيشهم اليومي، والذين أصبحوا عرضة لخط، يجرهم إلى الأسفل، كي يكونوا صفا إلى جانب من اعتقدنا ونحن نؤسس للمغرب الجديد بعد دستور متقدم جدا، أننا قادرون على النهوض بأوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية .
وهو الأمر الذي نبهنا إليه في حينه في الولاية الحكومية السابقة، بأن سوء التدبير العمومي الذي دشنته حكومة بنكيران، سيلقي بظلاله على ولايات حكومية لاحقة، نظرا للضرر الكبير الذي لحق المغرب، و نظرا للإجراءات والقرارات الخاطئة التي اتخذت، والتي مست العمود الفقري في السياسة العمومية المنعكسة في التفاوتات الكبرى، وفي إرجاع الاقتصاد المغربي إلى الوراء، بسبب غياب الرؤية عند وضع البرامج، التي بدت غير منسجمة مع المشروع الحداثي الديمقراطي، الذي خضنا معاركه، عاقدين العزم على بلورة تمفصلاته الكبرى بعد دستور 2011، الشيء الذي فوت علينا فرصا كبيرة في الاقتصاد والاستثمار، وضيع علينا الزمن السياسي، وفي قلبه الزمن التشريعي الذي يشكل رافعة أساسية للنهوض بكافة التدابير المأمولة، ووعاء مسطريا وقانونيا لتقويم كافة الأوراش كي تنعكس على عوامل النهوض بالمجتمع وفي قلبه الإنسان.

 

لهذا، ونحن نتوجه مع الأنظار المشار إليها إلى مشروع قانون المالية 2019، نأمل أن تبنى الوثيقة المالية الجديدة على أساس سياسات عمومية هادفة ومدروسة، بدقة تأخذ بعين الاعتبار مصلحة المواطن المغربي، قبل البحث عن التوازنات المالية كهدف وحيد.
كما نأمل أن تبنى الميزانية الجديدة على إعادة الاعتبار لدور الدولة بكل مكوناتها بما فيها القطاع الخاص الوطني، الذي ليلعب دوره كقاطرة للتنمية المستدامة والمندمجة. ونأمل أن تتجاوز الوثيقة المالية الجديدة، الرؤية الضيقة التي تلجأ إلى جيب المواطن المغربي لسد العجز، والتوجه إلى حلول مبتكرة للإشكالات العميقة التي تعيشها الأسر المغربية التواقة إلى حقوقها الأساسية في التعليم والصحة والتشغيل والعيش الكريم.ونأمل أن لا تطغى التوازنات الماكرواقتصادية على الشأن الاجتماعي، الذي يمس المواطن مباشرة ، والابتعاد عن كل ما من شأنه إثقال كاهل المواطن، الذي أصبح يدور في دوامة استعصاء العيش، حد تمظهر ذلك في أبسط متطلباته. ونأمل في ترجمة تطلعات العالم القروي، وفق منظور تنموي يضمن استمرارية ونجاعة السياسة العمومية، ويعطي معنى لدور الدولة المواطنة.ونأمل أن تقوم الميزانية الجديدة بمراجعة للسياسات التنموية التي أبانت عن محدوديتها، وتضع الأسس المالية لنموذج تنموي جديد يضع المواطن في قلب اهتماماته. ونأمل بحلم كبير، في أن تتم إعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر، وفق منظور جديد ينبني على تقييم جدي لمدى استفادة المغرب من هذه الاتفاقيات، ويطرح بدائل وفق مبدأ المغرب أولا ثم المغرب أولا، وذلك هو مربط الفرس.
نأمل بثقة كبيرة في مغرب المؤسسات ، أننا قادرون.

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 22/10/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *