الشكوى ..لله

بديعة الراضي

استمعت بإمعان شديد من شرفة البرلمان هذا الأسبوع إلى الوزير المكلف بالوظيفة العمومية، محمد بنعبد القادر، وهو يجيب عن أسئلة النواب حول بوابة الشكايات الوطنية، التي شكلت حدثا في وزارة تعتبر مفتاحا إصلاحيا حقيقيا في علاقة المواطن مع الإدارة في كافة واجهاتها.
إصلاح تساءلت فيه من موقعي الإعلامي، وأنا أتابع الجلسة العمومية ليوم الاثنين بكثير من التفكير في الشتات القائم بالفعل في منظومة التدبير، والذي نسعى اليوم كمغرب تواق إلى التوجه للمستقبل، في سباق مع الزمن، لمعالجة تراكماته، التي بقدر ما نحصي إيجابياتها، بقدر ما نحن بصدد اختلالاتها الكبرى ، التي لا يمكن إلا التوقف عندها من أجل التفكير جليا: هل من المفيد الاستمرار في الإصلاح في نفس المنظومة، بالترميم أو الهدم التدريجي، أم أن الأمر يتعلق بالحاجة إلى بنية جديدة بعناصر جديدة يشكل فيها القطع مع الماضي عنصرا أساسيا للبناء.
سؤال لا يمكن أن نؤجله، ونحن نفتح ملفات كبيرة بكل جرأة ومسؤولية في بلادنا، والأمر لا يتعلق بهوس السؤال لدى بعض نخبنا السياسية أو الفكرية، أو لدى المطلعين والعارفين من المدونين في مواقع التواصل الاجتماعي، بل إن الأمر يتعلق بخروج أعلى سلطة في بلادنا، بالقول إن التفكير في نموذج تنموي جديد بات مطلبا حقيقيا واستراتيجيا للنهوض ببلدنا.
نموذج تشكل فيه بالفعل العلائق بين المؤسسات العمومية والمواطن، جوهر تمفصلاته، ومن هذه العلائق، علاقة الإدارة بالمواطن، التي ينبغي أن تكون علاقة مبنية على مساطر تحددها وتعيها منظومة الإدارة ويستوعبها المواطن. مشهد دفعني بالفعل إلى التساؤل من جديد عن أهمية بوابة شكايات المواطنين -التي نعترف أنها سترفع بعض الحيف الممارس على المواطن والذي تستعمل فيه التراكمات السيئة في بلادنا في علاقة الادراة بالمواطن- في هذا النموذج الذي نتطلع إلى معالم تخرجنا من الشتات والضبابية، معالم تسطر الأهداف الحقيقية للتنمية، وللديمقراطية، في الاقتصاد والمجتمع وفي السياسة والثقافة، معالم تكشف أولا عن ممرات حولت إلى وجهات لا نعرف مطابخها، لكن نعرف أن أهدافها لا تعني وطنا، بل فئات تريد أن تجعل من الوطن خادمها، ومن المواطن موظفا لدى مصالحها، وهي الممرات التي ينبغي اليوم إلقاء الضوء الساطع على آلياتها المتشعبة والمتشابكة، من الفساد الصغير إلى الفساد الكبير المحمي بممارسات الإدارة نفسها.
ولهذا فبوابة شكاية المواطنين التي أطلقتها الوزارة ، يعي جيدا مبدعوها حجم الأخطبوط الجاثم على صدورنا جميعا، لكنه أخطبوط يمكن إلقاء الضوء عليه ومحاصرته، بالمبدأ الدستوري الذي أشار الوزير بنعبد القادر إلى أهميته، في الشروع بفتح فضاءات الشكاوي، التي ستجعلها البوابة مكسرة لأنماط تقليدانية عشنا تفاصيلها وآلامها التي حولناها كمغاربة إلى مقولات ساخرة من الوضع، قلنا فيها، جملا أضحكت حتى هؤلاء الذين تآكلت أسنانهم من شدة الزمن الرديء. بل ورسمنا بعض حروفها على جدارن أزقتنا، معبرين ب» الشكوى,,لله» و« على من تعاود زابورك أداود» ، و«اللي خوه في الجماعة يتهلى فيه» و«وسير حتى لكوبانية و يشرو ليك سباط» و«وطلع للرباط تشكي» و«ورد بالك عندو نسيبو في الرباط», إلى غير ذلك من الجمل التي وشمت الذاكرة الأليمة كما وشمتها سنوات القهر والظلم، التي كان بإمكان أي رجل إدارة أن يمارسها في حق مواطن مطالب بأوراق الحياة، كما تقول ساكنة الهامش إلى اليوم، لأن مثل تلك الممارسات التي قلنا إننا تجاوزناها مازال تراكمها يلقي بظلاله بالفعل والقوة.
لا أخفيكم قرائي أن ما سمعت في جواب الوزير من بوادر إصلاح هامة واستراتيجية في إدارة الوظيفة العمومية والإصلاح الإداري أثلجت صدري، لكن بقدر ما استحسنت الفكرة، في وزارة كانت تشكل لي بالأمس علبة مقفلة وصامتة إزاء ملفات دقيقة في مهمة الإصلاح ، بقدر ما كبر حجم المشكل في تساؤلاتي ، لأردد: هل نستطيع رفع الحف على المواطن بالبوابات فقط؟ هل بإمكاننا أن نصل إلى ذلك المواطن المحاصر في الهامش الصامت؟ هل هناك وسائط حقيقية ستشاركنا رغبتنا في الإصلاح ؟ وهل هناك شركاء فعليون في المجتمع المدني خاصة سيواكبون الفكرة، للعمل عليها باعتبارها نبراسا في نفق طويل.
تساؤلات أرقتني بالفعل، لكن خففت من ثقلها، لأردد: على الأقل لن نواصل الكتابة على جدران الحي أن «الشكوى.. لله»…

الكاتب : بديعة الراضي - بتاريخ : 18/01/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *