المتأسلمون في ثوب التدين المتطرف

 عبد السلام المساوي

1 – همجية المتأسلمين

ما لم أفهمه هو محاولتنا تأكيد عنصر الذاتية في تشكيل الهوية باسم الدين.
من أين نأتي بهذه المفاهيم التي تعكس صراع التناقض بداخلنا ؟
نحن كغيرنا من الأمم، نؤمن بفاعلية العقل، لكننا لا نستخدمه بالمطلق … نحن متورطون أكثر في قيم العادات والتقاليد التي ورثناها عن أجيال سابقة، من دون أن نحدد لها إطارا معينا.
يستطيع الإنسان الثوري مثلا استغلال عقله في الدفاع عن شرعية ثورته، لا بالدين، فالدين والتدين حلقة تحتاج إلى تنمية منهجها بنفسها، لأنها مقرونة بكتاب مقدس ولا علاقة لها بالسياسة.
وأنا هنا لا أنتقد الدين كشكل أو كمضمون، لكنني أدعو إلى محبة ديانة الآخر في تسيير شؤون البلاد، دعوني أركز هنا على همجية المتأسلمين في إدارة ثورتهم ضد الكفار الذين هم من الشعب الواحد، ومن البلاد الواحدة ويخضعون لأساسيات واحدة غير متغيرة …
إن انتقاد الآخر من غير رؤية واضحة يعني الدخول في صراع مع الذات وتجاهلها وهنا ننصب لأنفسنا فخ الفوضى بدل الثورة على فساد معين .
المتأسلمون يخرجون من كل صوب بثوب التدين المتطرف، ويحاولون إغلاق شرعية على أنفسهم وحينها فقط تبدأ المعركة ضد مجهول .
إنهم يلغون العقل في محاصرتهم له ولا قدرة لهم على تقديم أي نموذج نظري كتجربة معرفية وعلمية لتفعيل الانفتاح في العالم، إنهم يدخلون جنة ظلامية فارغة من أي أسس منطقية، والأدهى أنهم يتعاطون مع تكنولوجية الكفار بإيمان خالص، غير مدركين أن القوة في تنمية العقل وتنوير مداركه وليس في المتاجرة بالدين.
أعتقد أن الأصل في الثورة ليس القتل والذبح باسم الله …
الله ليس بحاجة إلينا في شيء لننصره بوحشية وغموض وجنون.
ماذا بقي ل» الثورة العربية « بعد هذا التكالب المتطرف، والعودة الظلامية بدل إنتاج فكر بديل ونظريات غير متداولة سابقا للخروج إلى ضوء الله الحقيقي .
إن موقف التدين المتطرف انقلاب في حد ذاته، لا ينظر للحياة كمنهج يحتاج إلى استمرارية في الخلق والإبداع…إن التدين العنيف وليد الاستبداد، وهو مجرد كتلة من التناقضات .
لذلك لا يجب العبث به، ولا يجب السماح له بتلويث العقل …نحن نحتاج إلى سلسلة من الانفعالات الذاتية لتطوير الواقع وليس إلى تجميده … هؤلاء هم دعاة من يريدون حكم البلاد بسلطة قبحهم …
ما يستوقفني هنا ليس عجز التدين المتطرف عن الاحتفاظ بجزء مضيء في رأسه، هناك الأخطر، حين لا نؤمن بما نكتب ونكذب على قارئ بسيط يبحث عن حريته بين سطورنا، سنشبه التاريخ الذي لا يسعه المكان ولا الوقت لترسيخ ندبه، حينها سنصاب جميعا بالبلادة.

2 – الدين والسياسة، تعارض في المبدأ

الإسلاميون لن ينجحوا لسبب بسيط جدا، وهو أن هناك تعارضا في المبدأ بين الدين والسياسة، وهذا ما بينه المفكرون السياسيون، قدماء ومحدثون، منذ أقدم العهود، فالسياسة تقوم على تدبير الممكن في العلاقات الإنسانية بين البشر بحسب ما هو متاح في هذا العالم، في حين أن الدين هو مجال تدبير المطلق في العلاقات بين الإنسان وآلهته في ما يتجاوز هذا العالم.
السياسة تهدف إلى تدبير شؤون الحياة، في حين أن الدين يسعى للجواب عن أسئلة الموت.
مجال السياسة هو المصلحة التي تقاس كميا واستراتيجيا و « فيزيقيا « ، في حين أن مجال الدين هو الأخلاق والروحانيات التي تدرك « ميتافيزيقا «.
السياسة مجال تدبير الملموس والمجسد، في حين أن الدين مجال تدبير الغيبي والمجرد …
لهذا فصل الفلاسفة بين الأمرين معتبرين أن الدين يدخل في إطار الاختيارات الشخصية للأفراد، فلكل إنسان الحق في أن يعتقد في ما يشاء بحسب ما يرتضيه تفكيره ووجدانه، أما السياسة فتدخل في إطار العلاقات المشتركة في المجال العام والتي تنظم علاقاتنا في السوق والشارع والإدارة …وكل خلط بين المجالين يؤدي إلى كوارث وحروب ومصائب، بل إن إدخال الدين في السياسة يضر بالسياسة وبالدين معا …
الإسلاميون إذن ليس فقط لم ينجحوا بل لن ينجحوا، وأضرب لكم موعدا بعد ألف سنة لنتأكد. طبعا هذه قناعتي أنا، وطبعا هناك أناس، وهم الأغلبية، لن يقتنعوا بهذا الكلام وسيرغبون في إعادة « اختراع العجلة « … سيبدو هذا لمن هو مثلي مضيعة للوقت وإخلافا لموعد تاريخي حاسم، بل سيبدو هنا تراجيديا ومحزنا ومؤسفا، لكن التاريخ حزين ومؤسف بطبيعته، وإن كان هذا هو الثمن الواجب دفعه، عقود كثيرة ضائعة وضحايا بمئات الآلاف ربما، فلسنا نملك شيئا، فالعالم والتاريخ لا يمشيان وفق إرادتنا نحن.

 

الكاتب :  عبد السلام المساوي - بتاريخ : 03/04/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *