بأصوات متعددة : الطاهر حداد وثائقيا

عبدالله المتقي

 

«الطاهر حداد رائد الحداثة» فيلم وثائقي للمخرجة التونسية هاجر بن نصر ، وهو الأخير من ضمن ثلاثية فيلمية تتغيا تسليط الضوء على الذاكرة الثقافية التونسية التي استأنفتها المخرجة بذاكرة ابن خلدون ثم ذاكرة أبي القاسم الشابي.
فمن خلال ثلاثين دقيقة وهي مدة عرض الفيلم الذي تمحور حول شخصية الطاهر الحداد (1899-1935) المفكر والمناضل السياسي والنقابي والحقوقي والشاعر التونسي الذي تعرض إلى حملة عدوانية مشددة وكريهة من المتعصبين الذين لم يستسيغوا حداثة هذا الرجل واستشرافه للمستقبل. لأنه وقف علما شامخا بين المدافعين عن حقوق المرأة في تونس ،والتي انتصر لها ، وقتل نفسه.
وعليه، وبدلا من استخدام المخرجة لراوٍ وحيد للفيلم يقدم كل المعلومات، أجرت مقابلات مع أساتذة جامعيين وباحثين ومؤرخين وكذا بعضا من أقربائه ، ثم دمج شهاداتهم وآراءهم مع لقطات فيلمية جمعتها على نحو دقيق ، كما استخدمت نفس الشكل الفني الذي سبق واستخدمته ببراعة بالغة في فيلمها «أبو القاسم الشابي»، فبدلا من تصوير مشاهد جديدة ، تجمع المخرجة لقطات من أرشيف القنوات التلفزيونية، والبرامج الحوارية، والتقارير الإخبارية، وتسجيلات منزلية فيلمية مصورة التقطت من حياة الطاهر حداد ، وكلها تفضي إلى أن حياة هذا الرجل وفكره ووجه بالفكر المتعصب وانغلاق كارهي التحديث والضوء .
الفيلم شديد الحزن، لأنه يحكي الطاهر حداد الذي كان منبوذا اجتماعيا وثقافيا ، ثم أن الفكر الظلامي تسبب في ضياع موهبة ذات طابع تنويري متفرد ، وذلك عقب كتابه « المرأة امرأتنا في الشريعة والمجتمع « والذي حرم بسببه «الحداد» من الحصول على شهادة الحقوق ، بل طرد من قاعة الامتحان لما احتواه هذا الكتاب من جرأة بخصوص ثوابت الدين
لكن الجانب الأكثر حزنا بحسب الفيلم ، هو نهاية الطاهر حداد التي لا تليق به مفكرا ومصلحا ، فلم تكن الجماهير غفيرة التي لم يغب عنها لحظة ، نقابيا وحقوقيا وسياسيا ،
وختاما، رحم الله الطاهر حداد نورا على نور ، وذاكرة منفتحة ومواقف شامخة احتفظ بها تاريخ تونس كما التاريخ المغاربي والعربي ، لكن ، كل تلك الأسماء المغلقة التي رشقته ، هي الأن في سلة المهلات التاريخية ولا يذكرها أحد . وفي انتظار ذاكرة ثالثة، شكرا للمخرجة التونسية هاجر بن نصر .

الكاتب : عبدالله المتقي - بتاريخ : 06/01/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *