بالصدى : طب خارج الحدود

وحيد مبارك

 

أكدت عدد من التقارير المهنية أن فرنسا تعاني خصاصا كبيرا على مستوى الأطباء، علما أنه بالديار الفرنسية هناك طبيب لكل 500 مواطن، خلافا للوضع هنا في المغرب، حيث يقدّر العدد بطبيب واحد لكل 1800 مواطن، ومع ذلك فقد سعت الجارة الفرنسية لتجاوز هذا الإشكال في عدد المهنيين، حيث قررت أن تستقطب «يدا عاملة» من بلدان متعددة، سواء في أوروبا الشرقية أو في شمال إفريقيا كما هو الحال بالنسبة للمغرب، الجزائر وتونس، وذلك دون شرط المعادلة، إذ تم التشديد على أنها تفتح ذراعيها لاستقبال كل طبيب، مقدّمة عددا من التسهيلات وبأجور مغرية لتحفيز الراغبين في الهجرة صوبها للإقدام على هذه الخطوة.
مبادرة فرنسية، من شأنها أن تؤدي إلى هجرة عدد ليس بالهيّن من الأطباء المغاربة، الذين منهم من فضّل قبل سنوات الاستقرار ببلاد موليير، إذ أكّدت دراسات وإحصائيات سابقة، سواء إعلامية أو تلك التي تم نشرها من قبل المجلس الوطني لهيئة الأطباء بفرنسا، أن عدد الأطباء المغاربة الممارسين لمهنة الطب بفرنسا يشكل نسبة 10.70 في المئة من مجموع الأطباء المتواجدين بهذا البلد، 20 % بالطب العام، 15.5 % متخصصون في الجراحة العامة، 11 % في التخدير والإنعاش، 8 % في مجال الصحة النفسية والعقلية، 7 % أطباء متخصصون في أمراض النساء والولادة وغيرهم، علما أن الأرقام تشير إلى أن 18.9 في المئة من مجموع الأطباء المغاربة بفرنسا هم حاصلون على شواهدهم في الطب من المغرب.
أرقام تنضاف إلى أخرى، تؤكد أن هناك خصاصا في المغرب يقدّر بحوالي 9 آلاف طبيب، أخذا بعين الاعتبار أن الوضع يستفحل يوما عن يوم، نتيجة لمسلسل التقاعد على مستوى المؤسسات الصحية العمومية، وبفعل التوزيع غير العادل للموارد البشرية المتوفرة، التي تتمركز بقلّتها في محوري الدارالبيضاء والرباط بنسبة 54 في المئة من مجموع الأطباء، والثقل الضريبي، وغيرها من العوامل المختلفة، التي بات الأطباء ينظرون إليها بعين من سواد، خاصة في ظل انتشار ما تمت تسميته بحملة هوجاء ضد أصحاب الوزرة البيضاء، ووضع الصالح منهم مع الطالح في نفس الكفّة الواحدة، هذه الحملة التي رافقتها تصريحات لمسؤولين من مختلف المواقع، وجد عدد من الأطباء أنها تشكّل دافعا ومبررا لهجرة صوب ديار أخرى كما هو الحال بالنسبة للديار الفرنسية؟
مبرر بعضه ظاهر، وبعضه حتى وإن لم يتم التصريح به، فهو مستشفّ تلميحا يُقرأ مابين السطور، فيما يكتب وليس فقط فيما ينطق، كما هو الحال بالنسبة للمراسلة التي وجّهها التجمع النقابي الوطني للأطباء الاخصائيين بالقطاع الحر، إلى المسؤولين عن «الهاكا» للاحتجاج ضد ملف صحفي بإحدى المجلات الفرنكفونية، الذي خلّف تذمرا واستياء عريضا في صفوف لأطباء، هذه المراسلة التي من بين ماجاء فيها، التذكير بالخصاص محلّيا، وبالخطوة الفرنسية التي فتحت الباب في وجوه الأطباء الأجانب، وبالتالي ربط ما اعتبر إساءة في حقّ الأطباء بواقع حال معتل، وبهجرة أطباء نحو الخارج، تظل مفتوحة وقابلة للتحقيق، وبالتالي فنحن أمام رسالة هي الأخرى غير صحّية، وتزيد من تأزيم قطاع عناوينه باتت كلها تنهل من نفس أزماتي شروخه تتجذر يوما عن يوم.
إن الصحة باعتبارها حقا دستوريا، وانطلاقا من تعريف منظمة الصحة العالمية لهذا الحق، في بعده الشمولي البعيد عن كل تقزيم، يتطلب تعاطيا مسؤولا، جدّيا، حكيما، وجهدا كبيرا لتغليب المصلحة العامة، من كل الأطراف والمتدخلين، حكومة ومهنيين، وفاعلين ومهتمين بالشأن الصحي، وكذلك الأمر بالنسبة للمواطنين، لإنقاذ مايمكن إنقاذه، بشريا ولوجستيكيا، بالنظر إلى أن إفلاس المنظومة الصحية بات جليّا، ولم تتمكن القوانين التي تم التبشير بها في وقت من الأوقات التي خلت من إنعاشها، مادامت تتواجد في العناية المركزة وآلامها الصحّية هي تحتاج لعلاج جذري لا إلى مجرد مهدئات.

الكاتب : وحيد مبارك - بتاريخ : 15/02/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *