بالصدى : قوافل ضمن مدار انتخابي

وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com

 
تعتبر القوافل الطبية خطوة إنسانية نبيلة، لايمكن إلا الإشادة والتنويه بها، لكونها تسعى لأن تجيب على خصاص صحي كبير تعانيه ساكنة العديد من مناطق المغرب، خاصة منها المنسية، التي تعيش فقرا في بنياتها الصحية، على مستوى المؤسسات والموارد على حدّ سواء، مما يرفع من معدلات الطلب على العلاج الآني بها، شأنه في ذلك شأن لوائح انتظار المواطنين الذين يتعيّن خضوعهم لتدخلات جراحية في علّة من العلل التي قد يطول أمد انتظارها.
قوافل، لاترتبط بفصل من الفصول لوحده، إذ تتم برمجتها على مدار السنة من طرف فاعلين مدنيين، وأطباء يحرصون على وضع لمستهم الطبية الإنسانية، للتخفيف من معاناة المواطنين مع المرض هنا وهناك، فيزرعون في حينه الابتسامة في محيّا الكبار والصغار على حدّ سواء، ويتركون أمر المتابعة البعدية التي تتسم باليسر للمرافق الصحية العمومية ومهنييها بعد تكفل تلك القوافل بالقسط الأكبر من المهام الطبية.
مبادرات يستحق القائمون عليها التقدير، شأنها في ذلك شأن القوافل الرسمية التي تسطرها مصالح وزارة الصحة، خاصة خلال موسم البرد، حيث تنخفض معدلات الحرارة إلى أدني درجاتها، وترتفع معاناة المواطنين، مع الطقس وتبعاته المتعددة، ومنها الأمراض، التي يكون عرضة لها الصغار والمسنون والحوامل، والذين يعانون من أمراض مزمنة، وغيرهم من الفئات الهشّة، الذين تزيد وعورة المسالك وتقلّب المناخ في الرفع من معاناتهم. وضعيات يكون خلالها المواطن المغلوب على أمره في حاجة ماسة إلى تدخل طبي، وإلى من يعالج سقمه، لهذا يتم تجنيد الأطقم الطبية والمعدات التقنية، ويتم شدّ الرحال إلى المناطق التي تدخل ضمن المجال الجغرافي الصحي لهذه المندوبية أو تلك، لتقريب الخدمات الصحية لمن هم بعيدون عنها. وإذا كانت هذه التعبئة الرسمية مقبولة بل ومطلوبة، فإن بعض القوافل التي تتخذ لها هذا البعد الإنساني غطاء هي تطرح أكثر من علامة استفهام، سيّما حين يتم إفراغ مستشفيات من أطرها الطبية والتمريضية، ويتم التوجه إلى أماكن بعينها، بعد استيفاء المساطر الإدارية التي تجعل من المشاركين في هذه القوافل في مهمة إدارية، تستوجب التعويض عنها، برفع شعار التضامن مع المواطنين ضد قساوة البرد وأمراضه؟
نوع مغاير من القوافل، هو بمثابة الشائبة التي تخدش تلك الصورة المثالية التي تخضر في المخيّلة كلما ورد حديث عن قافلة طبية، وكلما تمت معاينة صور لمواطنين يستفيدون من خدماتها، وتعبئة عدد كبير من المتدخلين، في الصحة والسلطة وغيرهما. خدش مردّه من جهة إفراغ مستشفى معيّن، لمدة ثلاث أو أربعة أيام، مع مايعني ذلك من رفع للضغط على الموارد البشرية المتبقية، واكتظاظ، ومواعيد مؤجلة، وعلاجات غير مقدّمة لمن هم في حاجة لها، في المدن التي يتم «الاستنجاد» بعدد كبير من المهنيين بها، ومن جهة أخرى بسبب التوجه صوب مداشر وجبال بعيدة بعينها، غير تابعة للنفوذ الترابي للمندوبية المعنية، بدعوى تقديم المساعدة الطبية لمواطنيها، والحال أن اختيارها الذي جاء على المقاس، أملته نزعات انتخابية وولاءات شخصية، لها مابعدها؟
إنها حقيقة بعض القوافل، التي ترفع شعار الأنسنة، لكن الذين سطّروا تفاصيلها يخدمون أجندة معيّنة بعناية تامة، وباستخدام وتسخير كل وسائل الدولة، البشرية واللوجستيكية. قوافل طبية تبرمج في دائرة هذا المسؤول/البرلماني/القيادي السياسي، وبجانبها مواطنون يعانون الأمرّين، ولايجدون من يلتفت إليهم، فقط لأنهم خارج المدار الانتخابي لذلك المسؤول، والأنكى من ذلك أن بعض المناطق هي تشهد أرقاما قياسية لعدد الحملات الطبية على مدار السنة، حتى أن بعضها أضحى طقسا وتقليدا وموعدا معروفا للترف والترفيه، الذي تسخّر فيه الإمكانيات، وتدعمه بالأدوية المختبرات، وتتجنّد لإنجاحه السلطات، لكن الهدف المنشود من خلالها هو بعيد عن ذلك المعلن، الذي تتم الاستعانة لتحقيقه بالوزارة وبقطاعاتها، عبر حملات تبتدئ بالإعذار وتنتهي بإزالة المياه البيضاء، واللوزتين، وقياس وتصحيح البصر وغيرها من التدخلات الطبية، التي يتم الترويج على أن الفضل في تنظيمها يعود لفلان، فتضرب في الصميم مجهودات قطاع بأكمله، يسعى لأن في ظل ميزانيته الضعيفة، والخصاص الذي تعانيه بنياته، وفقر موارده البشرية واللوجستيكية، إلى تقريب تلك الخدمات جهد الإمكان للمواطن، فيأتي في نهاية المطاف من ينسب «الفضل» كل «الفضل» إلى شخصه!

الكاتب : وحيد مبارك Wahid.abouamine@gmail.com - بتاريخ : 18/01/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *