مواثيق الوفاء لنهج الإصلاح

فتح الله رمضاني

 

صادق المجلس الحكومي الأخير، على مشروعي قانونين، يعتبران من المداخل الأساسية في إنجاح ورش الإصلاح الإداري، ويتعلق الأول بمشروع قانون بمثابة ميثاق المرافق العمومية، الذي يتضمن مجموعة من المبادئ من شأنها أن تنظم المرفق العمومي، وتحدد القواعد والأخلاقيات التي ستتعامل على أساسها الإدارة مع المرتفق، أما المشروع الثاني، فهو مشروع قانون متعلق بتبسيط المساطر والإجراءات الإدارية، والذي سينتقل بالإدارة المغربية، من متاهة التعقيد وتغليب المسطرة على المصلحة، إلى مجال إلزامية التبسيط وخدمة المواطن، في إطار من الفعالية والشفافية والمصلحة العامة.
لقد جاءت المصادقة على هذين المشروعين، تنزيلا لمقتضيات دستور 2011، وتفعيلا لالتزامات الحكومة التي تضمنها برنامجها الحكومي، واستجابة للتوجيهات الملكية، التي دعت إلى الإسراع في تأهيل المرفق العمومي، خصوصا مقتضيات الرسالة الملكية السامية الموجهة إلى المشاركين في المنتدى الوطني للوظيفة العمومية العليا بالصخيرات، الذي نظمته وزارة إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، وهي الرسالة التي حث فيها الملك محمد السادس على التسريع بإخراج ميثاق المرافق العمومية، وإعطائه صبغة إلزامية، أي الإسراع في إصداره على صورة قانون، حتى يمكن من تحقيق غاية وجوده، وهي تقديم خدمات عمومية جيدة للمواطنات والمواطنين، في ظروف جيدة، وفي آجال معقولة، تكون كفيلة بتعزيز ثقتهم في الإدارة.
إن مصادقة المجلس الحكومي على هذين المشروعين، في منتصف الولاية الحكومية، لا تعني فقط نجاح الوزير محمد بنعبد القادر، المكلف بإصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، في الوفاء وبشكل كبير بكل ما التزمت به وزارته، ضمن البرنامج الحكومي في شقه المتعلق بالإدارة، بل هي تأكيد قوي وواضح على وفاء الرجل للفكرة التي حكمت نهج الإصلاح التحويلي الذي تبناه منذ توليه هذه المسؤولية، وهي الفكرة التي لم يفته التذكير بها واستحضارها، في كل تصريح أدلاه، وكان مرتبطا بعمله الحكومي، وهي أن الإصلاح المطلوب، يجب أن يكون منطلقه كما منتهاه هو المواطن، ومصلحة المواطن.
فالمتتبع لورش الإصلاح الإداري، يعلم أن الفلسفة التي حكمت الرؤية الإصلاحية، لوزير إصلاح الإدارة والوظيفة العمومية، تأسست على فكرة الخدمة العمومية الجيدة، والتي تحتاج إلى إدارة ناجعة، شفافة ونزيهة، أي إلى نموذج إداري جديد، في خدمة المواطن المغربي والمجهود التنموي الوطني.
المعلوم أن دستور 2011 قد عكس إرادة الأمة في تجويد الحكامة العمومية، وتفعيل مبادئ الحكامة الترابية، وهو ما لا يمكن إدراكه، إلا مع تأهيل أدوار المرافق العمومية، وجعل مبررات وجودها مرتبطة بشكل مباشر بانتظارات المواطنين منها، خصوصا أمام التزايد اللافت لمطالبهم الاقتصادية والاجتماعية، وهي المطالب التيتسائل بقوة الوضع الحالي لأداء المرافق العمومية.
هكذا شكل ميثاق المرافق العمومية الجديد، جوابا مباشرا عن هذه المساءلة، وإطارا قانونيا ملزما، حتى تتمكن هذه المرافق من أداء وظيفتها الاقتصادية والاجتماعية، وبالتالي المساهمة في تعزيز المواطنة وتحقيق التنمية، في ظل العدالة الاجتماعية، والمساواة، وتكافؤ الفرص، والإنصاف المجالي.
فخلال فترة زمنية وجيزة لم تتعد بالكاد السنتين، استطاع الشعب المغربي، أن يلمس الانطلاقة الجدية لورش الإصلاح الإداري الشامل، بما يحقق نقل الاختصاصات التقريرية، للإدارة المركزية إلى المصالح الخارجية، وإرساء مبادئ المرفق العام، وقواعد تنظيم علاقته بالمرتفق، وكذا ضوابط الخدمة الإدارية، المبسطة، التي تجعل مصلحة المواطن هي المبتدأ والمنتهى.
هكذا يكون الوزير الاتحادي محمد بنعبد القادر، قد أعطى للإصلاح الإداري أفقا واضحا، بعد أن رسم مساره، وأرسى مرتكزاته، وحدد مداخله في قوانين من شأنها أن تؤسس لنموذج إداري جديد، مكرسا بذلك ارتباط مشاركة الاتحاد الاشتراكي في تدبير الشأن العام، بالدفع في اتجاه التغيير وبناء دولة حديثة وقوية، تستمد قوتها من القوانين والمواثيق الملزمة لمؤسساتها، وهنا نستحضر ورشا مهما فتحته حكومة التناوب التوافقي، وهو ورش إعداد التراب الوطني، حيث التزمت بإنهاء النقاش حوله، بعد أن تعطل منذ ستينيات القرن الماضي، وهو ما تسنى لها بعد ذلك بإصدار ميثاق إعداد التراب الوطني، الذي كان بمثابة خريطة طريق لتهيئة التراب الوطني، وإطارا قانونيا يحدد معالم السياسات العامة في مختلف المجالات.
من الميثاق الوطني لإعداد التراب، إلى الميثاق الوطني للاتمركز الإداري، إلى ميثاق المرافق العمومية، ثلاثة مواثيق إصلاحية، تؤكد أن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كما قال الأخ الكاتب الأول للحزب وأكد ذلك البيان العام للمجلس الوطني الأخير، يظل وفيا لنهجه الإصلاحي الجاد، ويبقى قوة اقتراحية خلّاقة، وفاعلا أساسيا في أوراش الإصلاح المهيكلة، التواقة إلى بناء مغرب جديد، مغرب الجهات، مغرب الدولة الوطنية القوية، مغرب المجتمع الحداثي المتضامن.

الكاتب : فتح الله رمضاني - بتاريخ : 09/07/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *