نبض المجتمع : « المأموريات السلطاتية» و «حلم» التنفيذ السلس

حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com

 

“الدور المحوري الذي يلعبه رجل السلطة ضمن المنظومة المؤسساتية، أصبح اليوم أكثر تعقيدا، بالنظر إلى التطورات المتسارعة التي تعرفها بنيات المجتمع والحاجيات والانتظارات الآنية والملحة للمواطن في كل المجالات المرتبطة بحياته اليومية”، و ” الحضور الفعلي لرجل السلطة في دائرة نفوذه أمر لا محيد عنه، ولا يمكن لأي كان الحلول محله، بل إن غيابه عن الميدان وتقصيره في أداء مهامه يعتبر خطأ جسيما يعرضه للمساءلة”.
هي فقرات دالة من كلمة توجيهية لوزير الداخلية، خلال لقاء عقد في نهاية شهر ماي 2017 بمقر المعهد الملكي للإدارة الترابية بالقنيطرة، تمحور موضوعه حول “سبل تعزيز عمل رجل السلطة، وجعله أكثر فعالية في خدمة المواطنات والمواطنين”، مناسبة استحضارها هنا ، ما تتلبد به “سماء العلاقة” بين ممثلي السلطة المحلية وبعض المواطنين ، بهذه المدينة أو تلك، بهذا الإقليم أو ذاك، من ” سواد” ، بين الفينة والأخرى ، على خلفية الحملات التي تتغيا تحرير الملك العام من الاحتلال بكافة تمظهراته، أو تنفيذ “مأموريات سلطاتية” أخرى ك “هدم أبنية عشوائية ،إفراغ مسكن أو مستودع…” ، حيث تسجل ، أحيانا ، “ردود فعل” تتجاوز الحد المسموح به وتبلغ درجة “الاعتداء ” ، كما حدث ، مؤخرا ، بمنطقة بني مكادة بطنجة، حين استحال “احتجاج” ممارسين للتجارة بالتجوال إلى إلحاق الأذى بجسدي ممثلين للسلطة ما استدعى نقلهما للمستشفى طلبا للعلاج؟
حادث يجعل المتتبع يستعيد – بغير قليل من القلق – أجواء “نقاش” سبق أن وصلت أصداؤه إلى قبة البرلمان من خلال أسئلة شفوية طرحت بمجلس النواب، يوم 3 ماي 2016 ، جعلت وزارة الداخلية أنذاك تجيب مقدمة معطيات رقمية لافتة عنوانها الأبرز: ” تنامي ظاهرة الاعتداء على رجال وأعوان السلطة خلال الأربع سنوات الأخيرة ، حيث بلغ العدد الإجمالي للحالات المرصودة ما يناهز 2610 حالات شكلت موضوع مساطر لدى الجهات القضائية المختصة ” . الجواب نفسه أوضح بأنه ” تم إصدار 50 عقوبة تأديبية في حق رجال سلطة ، منها 10 حالات للعزل النهائي من سلك السلطة ، وتسع حالات للعزل من المهام ، وأخرى تتعلق بالحذف من لائحة الترقي، والتوبيخ والإنذار… عقوبات تم اتخاذها بعد عقد 18 مجلسا تأديبيا عرضت خلالها ملفات 70 رجل سلطة “.
إفادة رقمية تؤشر على أن “الجدل” المثار ، من حين لآخر ، على صفحات الجرائد الورقية أو على مواقع إلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي ، بخصوص تصرفات / سلوكات ممثل للسلطة – بتراتبيتها المختلفة – بهذه الجهة أو تلك من جغرافية الوطن ، لا يدخل جميعه في خانة الإثارة أو التهويل ، وإنما تحرّك بعضه دوافع موضوعية غايتها التنبيه، في أفق التدارك والتقويم . كما هو المراد من نشر شكايات ، ترد على الجريدة بشكل متواصل ، يلتمس أصحابها “الإنصاف والعدل” تبعا لمقومات “مجتمع القانون” المتعارف عليها دوليا.
شكايات تتباين موضوعات أحرف جملها ، لكنها تتوحد في “الإحساس بالظلم من قبل بعض من أسندت لهم مسؤولية الحيلولة دون اتساع دائرة الجور والاعتداء على حقوق الغير” .
فهذا مواطن يرى أن تصرف قائد منطقته “لم يتسم بالحياد المطلوب في موضوع النزاع القائم بين أسرته وأخرى يستظل ربّها بمظلة الجاه والنفوذ “، وآخر تنطق شكايته شعورا ب” الحكرة من قبل بعض ممثلي السلطة في بلدته، والذين تعاملوا مع قضية أرضه المترامى عليها بتكبّر وعدم اكتراث “، وثالث اعتبر” أن عملية هدم الأبنية العشوائية داخل الدوار الذي يسكنه، شابتها الانتقائية والمزاجية، وعندما حاول الاعتراض قوبل بالتهديد والوعيد “…
“حكايات” متعددة المضامين تقود قراءتها الدقيقة والمتفحصة إلى خلاصة مفادها أن “العلاقة “بين ممثلي السلطة والمواطنين “اللاجئين” إلى مقراتها ، بحكم المسؤولية والاختصاص، لا تتسم دائما بالسلاسة المرجوة ، التي تجعلها في مأمن من الزيغ عن سكة الاحترام والتوقير اللازمين ، وأن “العلاقة” بين المواطن و”الإدارة” لا تطبعها ، على الدوام، الثقة المتوخاة – بعيدا عن أي تعميم طبعا – لجعل جسر” تنفيذ المأموريات” سالكا وخاليا من أية عراقيل، العادية منها أو المفتعلة ، في عدد من المدن والبلدات ، وذلك بفعل تأثير عوامل ذات مرجعيات متباينة ، بالرغم من الأشواط الكبيرة التي تم قطعها في درب إرساء “أسس مجتمع الحق والقانون”، كما استعرضت تفاصيلها الوثيقة الدستورية لفاتح يوليوز 2011. وهو وضع لابد وأن يشكل مدعاة للانشغال والقلق خشية اتساع دائرة ” اللاّثقة ” في القادم من الشهور والأعوام ، بما يحمله في طياته من “رسائل” ومؤشرات لا تدعو إلى التفاؤل ، بالنظر للعواقب الوخيمة، التي أتت على الأخضر واليابس تحت سماوات بلدان أخرى، غاب عن “مسؤوليها ” التقدير الحكيم لجسامة المعضلة.
صحيح أن السبيل الموصل إلى محطة “التنفيذ ” السلس ل” المهام السلطاتية”، بمختلف تجسيداتها اليومية، لن يكون عبارة عن “طريق سيار” خال من “المشاق” أو”التضاريس” المتفاوتة الوعورة – استحضارا للتركة الثقيلة لعقود من “سلوكات اللاقانون” -، ولكن هذا لا يعني الاكتفاء بموقف التفرج و”الانتظارية”، بقدرما تستدعي وضعية “اللاثقة ” هذه التسلح باليقظة، والحرص على عدم ترك المجال فارغا أمام الحالمين بعودة ” الماضي الأسود”. فهذا الأخير قد يطل برأسه “القبيح” ، تحت أكثر من عباءة، خصوصا في ظل الرياح “غير الصحية” القادمة من “خارج الحدود”، والتي لا تكاد تهمد حدتها ، في هذه المنطقة أو تلك، حتى تهب مرتدية لبوس “العاصفة الهوجاء” ، التي غالبا ما تخلف وراءها حصيلة ذات فواتير باهظة!
رجاء ، لا تجعلوا العبور من “زمن” إلى آخر، ذا ظلال قاتمة تحت مبرر ضريبة “المراحل الانتقالية “، والتي يحاول البعض تمديد عمرها إلى ما لا نهاية ، ضدا على ما تقتضيه معادلة الحق والواجب، التي يشكل ترسيخها و تجذيرها داخل “تربة المجتمع” صمام الأمان في كل الحقب والأزمان.

الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 16/01/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *