نبض المجتمع : في أفق تعميم «الاعتراف المدني»

حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com

 
في سياق التفاعل مع الأخبار والمستجدات ذات العلاقة المباشرة مع الحياة اليومية للمواطنين، يجد المرء نفسه، أحيانا، في موقف العاجز عن إدراج “ردة فعله” تجاه “خبر معين ” ضمن خانة محددة، تعلق الأمر بـ ” الإيجاب ” أو ” السلب ” أو ما يحيل على تقاطع “منزلتي” الترحيب والخشية.
الداعي لهذا الاستهلال هو ما تبادر إلى الذهن، مؤخرا، من تساؤلات، عقب سماع “نبأ” إطلاق “حملة وطنية لتسجيل الأطفال غير المسجلين في الحالة المدنية “.
تساؤلات لا تتغيا التنقيص من أهمية هذه الخطوة أو التشكيك في جدوائيتها ، بقدرما تحيل على حقيقة “مرة “، كثيرا ما تقفز عليها – عمدا أو سهوا – خطب و “مخططات ” بعض الجهات التي تصر على حصر معنى” الحداثة والرقي” في “الإعلاء من شأن البنيان” حتى ولو كان ذلك على حساب “تبخيس أمر الإنسان “!
من ضمن هذه التساؤلات نجد : هل من المستساغ ، والقرن الواحد والعشرون أضحى قاب قوسين أو أدنى من طي سنوات عقده الثاني، أن تبقى أعداد كبيرة من الأطفال – رجال ونساء الغد – خارج “الاعتراف المدني ” الرسمي، بما تؤشر عليه هذه الوضعية من تداعيات مستقبلية ” ثقيلة “، لا تقتصر شظاياها على الفرد المعني وحده، وإنما تطال المجتمع برمته ؟
لنتأمل مضمون الخبر : ” أطلقت الحكومة ابتداء من 15 يناير2018 ، حملة وطنية لتسجيل الأطفال غير المسجلين في الحالة المدنية تحت شعار “التسجيل في الحالة المدنية حق دستوري : أنا مسجل إذن أنا موجود”. و”الحملة – حسب بلاغ لوزارة الدولة المكلفة بحقوق الانسان – تأتي تنفيذا لمنشور رئيس الحكومة رقم 2017/12 الصادر بتاريخ 4 شتنبر 2017، وتستهدف تسجيل كافة الأطفال غير المسجلين في سجلات الحالة المدنية، ولاسيما الأطفال غير المسجلين بسبب العلاقات الأسرية المتدهورة التي تؤثر على التسجيل في الأجل المحدد قانونا، والأطفال المنحدرين من أسر في وضعية هشاشة، أو بسبب بعد المسافة عن مراكز التسجيل، والأطفال الذين يوجدون في وضعية صعبة بسبب عدم وجود الأبوين أو أحدهما”.
هي سطور تحيل على “جروح ” عميقة لايزال “الجسم المجتمعي ” يعاني من آثارها ، والمتمثلة “أعراضها ” في عدد من العوائق الحائلة دون نيل صفة الطفل “المعترف به مدنيا “، من قبيل ” عدم متانة الرباط الأسري، الانتماء لوسط اجتماعي يطوقه الفقر المدقع ، عدم القدرة على تدبر مصاريف التنقل إلى المقرات المحتضنة لمكاتب التسجيل . وضعية تنطبق بالأساس على قاطني مئات الدواوير المتناثرة على امتداد جغرافية التجمعات السكنية “العالقة ” في المناطق الجبلية القصية، والتي تئن تحت وطأة العزلة، نتيجة غياب المسالك الطرقية الميسرة لتنقلات السيارات والشاحنات وغيرها . دون إغفال حالات الأطفال المتخلى عنهم ، والتي تشكل عنوانا لانكسارات عميقة من غير الهين “جبرها ” على المدى القصير ، مهما صدقت النوايا. كيف لا وقد أكدت أبحاث ودراسات علمية ، أجريت في دول تتباين تراتبيتها داخل سلم “الازدهار الاقتصادي”، أن ” الأطفال مجهولي النسب ، تزداد بينهم الاضطرابات الانفعالية والسلوكية، مثل السلوك العدواني والسرقة ، كما يواجهون صعوبات في التعلم “.
“جروح ” ذات ” تكاليف” باهظة تتشابك في إدامتها عوامل وأسباب مختلفة المرجعيات – سياسية ، ثقافية / عرفية… – تسائل مجالات حياتية شتى، ما يفسر باعث تشكيل لجنة وزارية مشتركة تضم ممثلين عن قطاعات حيوية : ” الداخلية ، العدل ، الأسرة والتضامن، الشباب والرياضة ، الصحة ، التربية والتكوين ، …” ، تتأسس تحركاتها على آليات التنسيق ” الجهوي ، الإقليمي ثم المركزي ” ، وذلك في أفق تفادي المزيد من “الهدر الزمني” الذي طبع عقودا سالفة، أو كما يستشف من جواب لوزير العدل عن سؤال شفوي بمجلس المستشارين ، بتاريخ 16 يناير 2018 : ” الوزارة وجهت في هذا الإطار دورية إلى المسؤولين القضائيين تحثهم على الانخراط لإنجاح هذه الحملة، وذلك من خلال تعبئة كل الموارد البشرية والتقنية واللوجستيكية بمختلف المحاكم ، من أجل تسهيل وتيسير الإجراءات وتبسيطها، والحرص على اختصار الزمن القضائي في القضايا المتعلقة بتسجيل الأطفال بسجلات الحالة المدنية”. بل إن وزارة الأوقاف ، دخلت ، بدورها ، على خط هذه “القضية” ، حيث تطرقت خطبة الجمعة، قبل أسبوعين ، إلى ” أهمية التعاون وتضافر جهود الجميع ، كل طرف من موقعه ، من أجل تمتيع الأطفال المستهدفين بحق التسجيل في “الحالة المدنية ” .
إنه “تحرك جماعي ” يقرأ فيه المنشغل ب “الأحوال العامة “، إشارات توحي بأن التعاطي مع وضعية “الأطفال بدون هوية ” ، آخذ في كسب الوعي اللازم باستعجالية تطويقها والحيلولة دون اتساع حجمها في القادم من السنين، بالنظر لما تحمله في طياتها من مؤثرات سلبية تفرمل مختلف الجهود المبذولة من أجل تحقيق “التنمية” الكمينة بالارتقاء بالمواطن – بكافة فئاته العمرية – ماديا ومعنويا.
بعيدا ، إذن ، عن “جدل” الأرقام الواردة في تقارير جمعوية سبق الكشف عنها في سنوات ماضية ، والأخرى المتضمنة في تصريحات جهات مسؤولة ، يبقى الأمل ألا يتم “توريث ” معضلة “الأطفال غير المعترف بهم مدنيا ” للأجيال المقبلة ، وذلك لما لها من تبعات تجعل التطلع إلى المستقبل تحدق به الأخطار من كل جانب . فالأمر “جلل ” لن تكفي، في معالجته، “حملة ” محددة في الزمان ، بقدرما يستدعي نهجا “مسؤولا”، قارا وثابتا ، يعيد لكل محروم من “الهوية المدنية ” معنى الإحساس ب”وجوده الإنساني” الذي طالما عانى من فقدانه داخل ” محيط مجتمعي ” لايرحم .

الكاتب : حميد بنواحمان benouahman.presse@gmail.com - بتاريخ : 20/02/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *