نصرة وإنصاف المستضعفين واجب إنساني وشرعي

مصطفى المتوكل الساحلي

أخرج الشيخان عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بَعَثَ مُعَاذًا إِلَى الْيَمَنِ، فَقَالَ: “اتَّقِ دَعْوَةَ الْمَظْلُومِ، فَإِنَّهَا لَيْسَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ اللَّهِ حِجَابٌ“.
عن أبي ذر عن النبي صلى الله عليه وسلم فيما روى عن الله تبارك وتعالى أنه قال: (يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا…))

..إن أهم أنواع الرصد والتتبع للمؤشرات والأوضاع ومآلاتها   والذي يدخل في إطار التنمية المستدامة والحلول  الإستباقية وحتى الدراسات الإستراتيجية , يجب أن يهم مطالب وحاجات الناس ومشاكلهم وآلامهم ورغدهم ..ليس لإعداد احصائيات فقط , بل للإجابة والإستجابة الفعلية الملموسة قبل أن تتردى  وتتحول الأوضاع والمشكلات  إلى معضلات ترتفع معها تكلفة الإصلاح بارتفاع حجم الأضرار وفقدان الثقة …
..إن مرجع ومجال وأهداف الدراسات والسياسات يختلف باختلاف درجة القرب والبعد من عامة الشعب من فقراء ومحتاجين وشغيلة وكادحين , والطبقة الصغرى وحليفتهم الوسطى ..وموقع  طبقة  الأغنياء والأثرياء وأصحاب النفوذ والإمتيازات  في علاقة مع مصالحهم بين مركز القرار الإقتصادي والسياسي ..وبين ما يطلق عليه البورجوازية الوطنية التي تربط مصالحها بإنصاف للشعب وتعمل من أجل إزدهاره , والبورجوازية الأنانية  التي لاترى إلا نفسها وتوسع ثرواتها ..
فالثروة تحتاج إلى شغيلة تبنيها وتنميها وتترجمها إلى ثراء وتضاعفها بضع إلى عشرات او مئات وآلاف المرات ..ومداخيل وأجور العامة جزء أساسي محرك لعجلة الإقتصاد ..فلا يعقل أن يكد العامل ويصرف أجرته كاملة دون أن يستجيب لحاجياته وحاجيات أسرته الدنيا بسبب أنه ليس هو من يحدد الأجر ولا التعويض الملائمين  , ولا هو من يرفع الأسعار  ..
لهذا فليس مقبولا  الدفع بعدم العلم بوجود الفقر والفقراء , ولا عدم معرفة أسبابه ولا النتائج المترتبة عليه  ..ولا التساؤل و الإستغراب  كلما  احتج العمال الكادحون أو الفلاحون الصغار أو الذين لم يجدوا فرص شغل  ..وليس مستساغا تعليل  استمرار  وجود من لايستطيع إيجاد  العلاج اللازم لأمراضه بسبب نقص بنية الإستقبال أو قلة التخصصات أو نقص في التجهيزات والإمكانيات  ..ولا الحديث عن إختلال في  الشروط الإنسانية و الأخلاقية …وليس من الحكمة في شيئ استصغار موضوع  تدهور منظومة التربية والتعليم في كل مستوياتها وأسلاكها ..
ومن هنا نتحدث في السياسة عن اليسار واليمين ليس كما يتوهمه البعض ويبني عليه تعسفاته وغزواته السياسية «الدونكيشوطية « المغطاة باساليب  ترهيبية   .. فكما نتحدث في الدين عن حب المستضعفين ونصرتهم  , والأخذ من الأثرياء لصالح الفقراء , وبـتقاسم وتشارك خيرات الوطن وبركاته ونعم الله التي جعلها في الأرض برا وبحرا وجوا .. و بفتح أبواب الولوج   في الإستثمار والإنتاج والأعمال المحققة لدخل يليق بكرامة وحسن عيش الجميع ..إن الناس وخاصة منهم الذين يعدون الدراسات يتحدثون  عن  غناء مثرف وفاحش , في مقابلة مع  الفقر المذقع والمؤلم  ..
وفي هذا السياق قالت  عائشة (رضي) أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ ب : ((اللهم إني أعوذ بك من فتنة النار، ومن عذاب النار، وأعوذ بك من فتنة الغنى، وأعوذ بك من فتنة الفقر))؛ رواه البخاري.
لهذا نحن على يسار الظلم والإستبداد واحتكار الثروات من أجل الحد من تمدده وتسلطه وتطرفه وانحرافه لجعله مؤنسنا ومؤمنا بحق الآخرين في العيش الكريم والتمتع بالحرية ومطبقا فعليا لما يقوم عليه  الإيمان  الديني والقيم الإنسانية النبيلة  …
…وفي نفس الوقت نحن على يمين الحق والعدل لتقوية العدالة الشاملة وإقرار الحرية الحقة  ..لهذا  فهناك مصلحة وضرورة لوجود «محرار « و « مؤشر حي « , كلما تضرر الناس يرفع  سقف المطالب موضوعيا ويتوافق على سقف الإصلاح والتغيير والتنمية المستدامة ,  كما توضع كل الآليات الممكنة لتحقيق المبتغى ..وهذا هو الذي يضمن التكامل ويرعى التوازن ..
إنه لايجوز  ان نبحث عن تبرير لما يحصل لنا وعندنا ,  أو لغيرنا للهروب إلى الأمام أو التراجع إلى الخلف ..أو تجميل   أنفسنا لطمانة الرأي العام  ..بل ان نسعى لفهم  ما حصل ووقع بإعمال العقل والمنطق لإيجاد الحلول والأجوبة المستوعبة من العقل الجماعي والمتكاملة مع احترام وتقدير لقدراته  , وتحقيق حاجاته ومتطلبات عيشه الكريم ..
..إن من أهم ما يجعل قراءاتنا متينة وصامدة على الحق هو  أن يكون الحب والصدق والموضوعية منطلقا في تفكيرنا وبحثنا واقتراحاتنا وأعمالنا وسياساتنا .. واختيار  أقرب الطرق للوصول للحقائق والنتائج المرجوة …
.. إن الفهم السليم لواقع الحال والإيمان بعدالة المطالب والإنصاف والإسراع للعمل هو لب فهم وتطبيق الإيمان ..فإن خالفت الحلول والإجراءات المقترحة مطامح الشعب المتضرر  فذلك يعني  غياب الموضوعية وعدم تقدير مستوى وطبيعة  الأضرار  التي قد تطال مصالح الدولة والناس , وقد يساهم ذلك  في تأزيم الأوضاع والأحوال بتاكتيكات لاتحل مشكلات بقدر ما تخفيها وتلبسها لبوسا انشائيا لتصويرها بأنها الحل المنتظر استراتيسجيا ..؟؟
..إن هذا الفقر  والتفقير الذي يقض المضاجع …وهذا الخصاص الذي يضعف القوى..وهذا الجهل والامية المعرفية التي تعطل الوعي والقدرات ..وهذه السياسات  التي تعلن أنها مرحلية التنفيذ وجزئية المعالجة تسويفية للمطالب والحلول  , والتي تطال كل شيئ  تجعل الأمل يضعف والضمير يتضرر   ليصل البعض من الناس الى قناعة خطيرة « أنا ثم أنا وبعدي الطوفان «…
إن خوصصة مكتسبات الناس وإراداتهم بالمزيد من سد الأبواب والنوافذ وتقنين الدخول وتحرير الخروج ..بما في ذلك  أن تسلب الحرية والإرادة والإستقلالية التي تقوم على المعرفة والعمل  ..فأن يصبح التعليم مكلفا وفوق طاقة العامة ..وأن تلتهم الاسعار الأجر وتقضي على الإدخار ..وأن يصبح الحصول على فرصة عمل مرهقا ومحبطا …وأن يصبح العمل النقابي جزءا يمكن الاستغناء عنه  بالمشهد الحواري والتشاوري  وغير اساسي  كضامن للتوازن في حدوده الدنيا  بين قوى التغيير  وأطراف «الممانعة» التي هي في هذه الحالة « معارضة سلبية» تتخوف وتتشدد في القبول بالاصلاح ..
إن سياسات العشرية الأولى والثانية من القرن الواحد والعشرين ناء بكلكها غالبية الناس حتى أصبح من كان يصنف بورجوازيا صغيرا وحتى متوسطا غارقا في الديون ويدبر شهره يوما بيوم , ليس باستطاعته أن يلبي حتى حاجيات بيته التي كان وأهله متعودين عليها والتي كانت في المتناول ..
إن سياسات التفقير والإضعاف هي أكبر اختلال يتسبب في تفكك المجتمع من جهة وحصول الإحتقان والتذمر , وظهور الإحتجاجات والمطالب الفئوية والترابية من جهة اخرى  .. وهذا أمر يعلمه أهل الحل والعقد نظريا وعمليا..
..إن ميراثنا الإيجابي وتاريخنا المتنور .. لايجب أن يترك تحت الأرجل  التي لاعقل لها  لتدهسه  ثم تواريه الثرى ..او تحرفه  وتشوهه  مستحسنة لما فعلت وتفعل  .. في محاولات  لاقناع الشعب بالأمس بأنهم خير حكومة أخرجت للناس ..و أن كل ما يقومون به وسيقدمون عليه هو الأفضل ولا بديل غيره ..!! , ولن يطمئن البعض منهم حتى  يرجعنا لنكون في مستوى وعي وإدراك الإنسان الأول بالعالم الذي أكتشف بجبل إيغود باسفي ..
إن سلطة العقل والعلم والمعرفة والخير أهم وأفضل من  سلطة الجهل و سلطة النفس والهوى..وأرقى من سلطة المال  والجاه ..وأجمل من سلطة القوي على الضعيف والإنتهازي على المتعفف  ..من هنا فباب التقدم والإتزان والنجاح في كل المجالات هو بجعل سلطة العقل والعلم والحكمة هي الرائدة والسائدة …
عن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه)
وقال علي بن ابي طالب «العامل بالظلم، والمعين عليه، والراضي به : شركاء ثلاثة».

الكاتب : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 05/01/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *