هذا البلد سيعبر إلى الأمان 

عبد السلام المساوي

 1_منذ قديم القديم نقولها: هذا البلد سيعبر إلى الأمان في كل الميادين بالصادقين من محبيه وأبنائه الأصليين والأصيلين، لا بمن يغيرون كتف البندقية في اليوم الواحد آلاف المرات، والذين يكون المغرب جميلا حين يستفيدون ويصبح قبيحا حين لا ينالهم من الفتات شيء…

اللقطاء هؤلاء، وهم قلة قليلة، وهذه هي تسميتهم، لن يقدموا لنا إلا النبوءات الكاذبة وعلامات عدم قدرتهم على رؤيتنا أحياء مغاربة مواصلين بالأمس، واليوم وغدا بكل تأكيد وإلى آخر كل الأيام.
المغاربة سعداء ببلدهم وبتدبير بلدهم لهاته الأزمة الخانقة والخطيرة. هذا هو أهم ما في الموضوع كله. والمغاربة أسعد وسط هاته الأزمة الخطيرة بروح التضامن التي اكتشفوا أنها لاتزال تسكن المسام منهم، وبروح الخير التي آمنوا أنها كانت فقط معلوة ببعض الغبار، يكفي أن تمسحه بعناية ورفق لكي تعود المعادن الأصيلة إلى لمعانها العريق.
هذا هو درسنا الأهم اليوم. البقية بما فيها هاته الأزمة نفسها، وعلى خطورتها تظل أمورا من تلك التي يجب عليك أن تواجهها في لحظة من اللحظات. لا خيار لك إلا المواجهة. لن تهرب بالتهليل أو بالخروج في الشوارع أو بنفي وجود المرض أو باختلاق المبررات كل مرة لكي تحول أنظار الناس عن الموضوع الأساس: موضوع مواجهة هذا الوباء.
لذلك ليطمئن أصدقاؤنا من الذين يحملون عوضا عنا هم حماية حقوقنا نحن الذين لا نحمي حقوقنا: لن يصفع أحد أحدا في المستقبل في هذا البلد، نعدكم بذلك.
بالمقابل لا نستطيع أن نعدكم بأن المغرب سيتوقف عن تقديم الدروس المجانية وعن إطلاق الصفعات الحضارية نحو أولئك الذين يتخيلون كل مرة واهمين أنهم أكبر من هذا البلد الأمين ومن هذا الشعب الأمين…
لتطمئن الحملان الصامتة، سيزداد صمتها مع تطور الأحداث كلها، وسيرتفع صوت البلد وناسه فقط في كل الأرجاء بالدعاء بالسلامة لهذا البلد وأهله، فذلك ما يشغل البال (بال الكل قمة وقاعدة) في نهاية المطاف.
2_ مع وجوه الخير، ووجوه التفاؤل، ووجوه الرغبة في المقاومة الذين امتلأ بهم البلد هاته الأيام، والعالم يواجه وباء كورونا، اكتشفنا وجود قلة قليلة، محترفي الكآبة الذين كنا نعرف قبل هذا الوقت بكثير لا يحلمون لنا إلا بالجنازة سيشبعون فيها لطما، وها نحن نتأكد من الأمر مجددا.
أولئك الذين لا يرون حالات الشفاء بل يعدون لنا أرقام الموتى ويتمنون المزيد لا قدر لله.
أولئك الذين يجدون الوقت الكافي في أيام المحنة هاته لكي يلوموا الجميع ولكي ينسوا أنفسهم من عملية اللوم هاته.
أولئك الذين يريدون تحويل أنظارنا عن المعركة الأهم، المعركة من أجل الحياة، ويقترحون علينا يوميا من قلب احترافهم للكآبة معارك هامشية تهمهم لوحدهم لكي يسمعونا صوتهم بعد أن تأكدوا أن المغربيات والمغاربة قد أشاحوا عنهم النظر.
أولئك الذين يستلون لنا من العدم أقوالا سابقة لهم على سبيل النبوءة السوداوية ويقولون لنا «ياك قلناها ليكم» لكأنهم لا ينتمون لهذا البلد، أو لكأنهم نزلوا من الفضاء، أو لكأنهم يتمنون لنا جميعا أسوأ المآل والمصير.
أولئك الذين يغتاظون حين يسمعون كلمة طيبة تقال عن المغرب في قناة أجنبية، والذين يغضبون حين يقول لهم البعيد قبل القريب أن بلدكم يسير أموره بطريقة حكيمة تستحق الاحترام والتقدير.
أولئك الذين كانوا يقدمون لنا أنفسهم في الوقت السابق باعتبارهم من سينقذوننا قبل أن نكتشف في أيام المحنة هاته أنهم غير قادرين حتى على إنقاذ أنفسهم.
باختصار أولئك الذين يمثلون الضد والنقيض والعكس للروح المغربية الأصيلة، لتمغربيت التي تملأ المكان، والتي تنبع من التربة، ومن الارتباط الأول والأصلي بالتربة «لدى ولاد البلاد».
ولاد لبلاد ليسوا بالضرورة المستفيدين منها، وليسوا بالضرورة أغنياء الأزمة، وليسوا بالضرورة نافذين ولا منتفعين ولا أي شيء من هذا الهراء الذي يقوله الكئيبون دوما وأبدا.
ولاد البلاد قد يكونون فقراء ومهمشين وعاطلين وغير مستفيدين من شيء لكنهم يظلون على الأمل الكبير والحلم الأكبر أن وطنهم سيتحسن بهم هم لوجه وطنهم، وأن أي سوء يصيبه يصيبهم هم أولا، وأن أي خير يمسه يفرحون به وإن لم ير القاصرون والكئيبون فيه الاستفادة اللحظية المباشرة.
 3_ لم أكن يوما مع المنع والرقابة، لكنني أحسست في الأيام الماضية بظلم يطال أطقمنا الطبية والأمنية والإعلامية، تلك الكفاءات الجادة، وكل أولئك الأشخاص الذين لا يتباهون بمناصبهم ويشتغلون بما أوتوا من إمكانات وبكل الحب لهذا الوطن الجميل الذي يجمعنا.
أحسست بوخزات متتالية، حين يلجأ جاهل أو جاهلة ليصور نفسه على الانستغرام وفايسبوك وغيرهما، موجها اللوم لطبيب يحاول أن يقدم أفضل ما لديه لبني جلدته. شعرت بألم فظيع حين تابعت كثيرا ممن أسموهم مؤثرين لعنة لله عليهم إلى يوم الدين، وهم ينتقدون تصرفات رجال أمن يحاولون أن يقنعوا الناس بالبقاء في بيوتهم. حقد دفين تجاه فئة تشتغل من أجل الوطن والمواطن وصحة المواطن.
لم أكن يوما مع المنع والرقابة، لكني كنت دائما أتوقع السيء والقبيح والخبيث من فئة سلطت علينا، وعبرت لتنشر الإشاعة والجهل والرداءة، معتوهون ومعتوهات منحوا فرصة الظهور، وصاروا الآن يشكلون خطرا علينا جميعا، صاروا الآن يتباهون بعدد متابعيهم ولو كانت المرحلة حرجة، ويوجهون الناس بطرق خاطئة لكيفية التعامل مع الفيروس اللعين، نواجه حاليا أيها السادة فيروس كورونا، ونتحمل أيضا أخطاء فيروسات بثت وتبث الإشاعة والجهل.
أنحني احتراما للطبيب الشريف، ولرجل الأمن والسلطة، وأرفع قبعتي لعامل النظافة، ولرجل الوقاية وللمعلم الذي يتواصل مع أبناء وطنه، وللمشتغل في القطاع البنكي ولرجل الاتصالات. أوجه تحيتي للتاجر البسيط الذي لم يغلق بقالته في وقت الشدة ويحترم شروط السلامة، والفلاح الذي صار يشتغل بشكل انفرادي تفاديا لانتشار الفيروس. احترمتهم دوما وزاد احترامي لهم، أما فئة المؤثرين والمؤثرات من أهل التفاهة وناشري الإشاعة… هؤلاء احذروا من خبثهم وإشاعاتهم، مجرد كائنات خلقها الجهل، وتبث الجهل. لعنة لله عليك أيها الجهل.
4_ نريد أن نفرح في الأخير لما نهزم الفيروس اللعين.
نرغب في أن نصفق البلد ولطاقاته ولكل أفراده ونحن نعلن الدرجة صفر من الوباء.
نطمح إلى أن نخرج إلى شوارعنا لنحيي عاليا طواقمنا الطبية والصحية وهي تزيل الكمامات عن وجوهها وترينا ابتسامتها، ابتسامة النصر.
نريد أن يتمكن عناصر الأمن والدرك والجيش والسلطات من معانقة أسرهم والتمتع معهم بحكايات النصر وقصص البطولات ومستملحات زمن الوباء اللعين…

الكاتب : عبد السلام المساوي - بتاريخ : 07/04/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *