الإقصاء المذل !

اسماعيل الحلوتي

سيظل المغاربة عامة والجماهير الرياضية خاصة، يذكرون بحسرة عميقة وامتعاض شديد سقطة المنتخب الوطني المدوية عشية يوم الجمعة 05 يونيو 2019 في ملعب السلام بالقاهرة، والمتمثلة في الإقصاء المذل من دور الثمن على يد منافسه المنتخب البنيني بالضربات الترجيحية، بعد نهاية الوقت الأصلي والأشواط الإضافية بالتعادل الإيجابي: 1/1، في بطولة الكأس الإفريقية للأمم المقامة في دولة مصر ما بين 21 يونيو و19 يوليوز 2019.
وهي خيبة أخرى تنضاف إلى سجل الهزائم التي لم يفتأ منتخبنا يراكمها، في ظل ما تعانيه المنظومة الرياضية من اختلالات وانعدام الحكامة وربط المسؤولية بالمحاسبة، حيث أن الهزيمة النكراء خلفت غصة كبيرة في حلق الشعب المغربي، الذي ظل يتطلع باشتياق إلى معانقة الكأس الثانية في تاريخه الكروي، بعد تلك الأولى التي أحزها جيل المقاتلين الحقيقيين في اثيوبيا عام 1976. إذ لا أحد منا استطاع استساغة هذا الخسران الكارثي الذي لم يكن حتى أشد المتشائمين يتوقع حدوثه، بعد أن أوهمونا بوسائلهم الإعلامية المخدومة ومحلليهم غير الرياضيين، بأن نتيجة الفوز على منتخب البنين محسومة، بل منهم من زعم أن «أسود الأطلس» لن تعود إلى أرض الوطن، إلا وهي متوجة باللقب الإفريقي الذي طال انتظاره على مدى أزيد من أربعة عقود.
فقد كان من الممكن أن تتقبل الجماهير الرياضية المغربية الخروج المبكر لمنتخب بلادها بصدر رحب وروح رياضية عالية، كما حدث في كأس العالم بروسيا، لو أن اللاعبين أثبتوا حضورهم الذهني وأبانوا عن علو كعبهم وفعاليتهم عبر خطة محكمة من قبل المدرب هيرفي رونارد، وأمام أحد المنتخبات القوية المرشحة للتنافس على الفوز باللقب. بيد أن ما لم يهضموه هو أن تأتيهم الضربة القاضية من خصم متواضع وبدون رصيد كروي إفريقي، ولاعبين يمارسون في بطولة بلادهم. بينما المنتخب المغربي له من الإمكانات المالية الضخمة ما يمكن أن يضاهي أكبر المنتخبات العالمية، من حيث توفره على لاعبين محترفين بالبطولات العالمية ومدرب ذي شهرة إفريقية، وجمهور رياضي عريض لا يبخل عليه بالتشجيعات أينما حل وارتحل.
إذن من حق المغاربة في الداخل والخارج أن يغتاظوا مرة أخرى، وهم الذين لم يظفر منتخبهم بالكأس الإفريقية سوى مرة واحدة عام 1976، ولم يصل نصف النهائي في ذات البطولة إلا مرتين: 1980 و1986 ولم يلعب مقابلة النهاية عدا مرة واحدة ضد المنتخب التونسي عام 2004 في تونس. لاسيما أن آمالهم تضاعفت إثر تصدر المنتخب مجموعته الرابعة التي أطلق عليها الكثيرون مجموعة الموت مباشرة بعد إجراء القرعة، بالعلامة الكاملة في الدور الأول، والمتمثلة في قطفه تسع نقط من ثلاثة انتصارت على كل من ناميبيا وساحل العاج وجنوب إفريقيا بنفس النتيجة 1/0، إلا أن تلك الآمال سرعان ما تحطمت على صخرة فريق «باهت»، لم يكن ليتأهل لولا النظام الجديد للبطولة الذي اعتمد 24 فريقا بدل 16 سابقا، حيث حل ثالثا في مجموعته السادسة بثلاث نقط من ثلاثة تعادلات.
ترى كيف جاء هذا الإقصاء الخائب الذي أشعل مواقع التواصل الاجتماعي بعديد الانتقادات اللاذعة، وجعل الجماهير الرياضية تصب جام غضبها على الجامعة واللاعبين المحترفين والمدرب، الذي بنت عليه كل أحلامها في فك عقدة الكأس العصية، لاشتهاره بلقب «الثعلب» ودهائه في الإطاحة بأعتى المنتخبات في نهائيات كأس أمم إفريقيا، منذ أن قاد كل من المنتخبين الزامبي والإيفواري إلى الفوز بلقبها سنتي 2012 و2015. والذي حقق إنجازا تاريخيا مع المنتخب المغربي في التأهل لمونديال روسيا 2018 بعد غياب دام عقدين من الزمن، وغيره من الإنجازات الأخرى؟
فالكثير من المهتمين بالشأن الرياضي، مقتنعون بإخفاق «هيرفي رونار» في هذه «المغامرة» كما سماها هو نفسه وأقر بمسؤوليته في ذلك، إذ ارتكب من الأخطاء القاتلة ما يمكن إجماله في: سوء اختياراته واعتماده على لاعبين جاهزين رغم تقدمهم في السن، بدل البحث عن عناصر شابة في البطولة الوطنية وخارجها، وافتقاده إلى صانع الألعاب والتنويع في اللعب، وفشله وطاقمه في خلق أجواء من التفاهم والانسجام بين أعضاء المنتخب، ولنا عدة أمثلة على ذلك ومنها مغادرة حمد الله المهاجم المقتدر «المعسكر» تاركا خلفه غيوما كثيفة من الألغاز. وهناك من قال بأن الصدمة كانت ستحدث في دور المجموعات، إلا أن الألطاف الربانية أجلتها رأفة بنا. ويكفي استرجاع أشرطة المقابلات الثلاث للتأكد من ذلك. ثم ما جدوى إجراء مقابلات ودية إن لم يكن الهدف منها الوقوف على مكامن الضعف والخلل، واستخلاص الدروس لتدارك النقائص وترميم الصفوف؟ وما فائدة الاستحواذ على الكرة بدون فعالية وترجمة فرص التسجيل إلى أهداف حقيقية؟ وهل غاب عن ذهن المدرب أن «زياش» سبق له هدر ضربة جزاء ضد منتخب مالي، ولا يستطيع اللعب بارتياح وتركيز في أجواء حارة؟ فلم تكليفه بتنفيذ ضربة جزاء حاسمة في الوقت بدل الضائع؟
إنه لمن المحبط أن يواصل منتخبنا إخلاف الموعد مع التظاهرات الكبرى، ويظل المغاربة يلهثون خلف السراب بحثا عن لحظات فرح، تخرجهم من دوامة الهزائم والأوهام التي باتت تلازمهم حتى في منامهم. ألا يشعر أصحاب القرار بالخزي والعار، وهم يستنزفون أموال الشعب في المباريات الإعدادية والترشح لتنظيم البطولات الدولية، دون القدرة على بناء منتخب قوي ومتجانس في مستوى تطلعات الجماهير الشعبية والفوز بالألقاب القارية؟ عديدة هي التساؤلات المحرقة التي تتجدد مع كل هزيمة، من غير أن نجد لها أجوبة شافية !

الكاتب : اسماعيل الحلوتي - بتاريخ : 10/07/2019

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *