..«الجمعة» جامعة توحد ولا تفرق…؟

بقلم : مصطفى المتوكل الساحلي

 

قال أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ض): (من نصب نفسه للناس إماماً، فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلّم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم).
إن بيوت لله التي أذن لله أن يذكر و يرفع  فيها اسمه  هي التي يجد فيها المتعبدون السكينة والطمأنينة ويحل فيها الخشوع،  يناجى فيها الرب بالغدو والآصال، ويتعلم فيها ما تيسر من علوم الدين، ويستمع إلى المواعظ والخطب التي يجب أن تحبب الإيمان وتقويه في النفوس، وتهذب السلوك واللسان والأفعال، وتجعل المحبة للناس كافة، ليحمل الجميع رسالة السلام التي تبشر ولا تنفر، تصلح ولاتفسد..
إنه لامجال للمزاجية وتمرير الرسائل والقناعات الشخصية والطائفية والمذهبية والتعرض لخصوصيات الناس وتبخيس أعرافهم التي لاتتعارض مع العلم ولاتتناقض مع الدين، كما لايعقل أن يدفع  الوهم والغرور بالبعض، وهم على منابر الرسول التي هي للعلم والتعليم والتنوير والتجميع والتوحيد، فيعمد إلى توسيع الضيق أي مجال المحرم والمكروه، ويجعل كل جديد في أمور الدنيا بدعة، ويصدر بلاغات التفسيق والتكفير والإخراج من الملة وكأنه شق العقول واطَّلع على ما في النفوس و اطلع على ما أخفاه لله حتى على  الأنبياء، وأحيانا يصل به التحريف إلى أن يدخل لجهنم من يرى هو أو مذهبه أنه يستحقها، ويؤلب عليهم الإمعات، ويشعل بالبيوت والدول فتنا، ويفتح الجنة  لمن أراد وكأنه يملك امتياز توزيع صكوك الغفران ورخص الموافقة لدخول الجنان حسب الدرجات، وإصدار أحكام لا ترد لدخول جهنم بدركاتها المتعددة..؟؟ وتراهم يقدمون أنفسهم وكأنهم معصومون يجب الاقتداء بهم..
إن العديد من منابر الجمعة بالعالم الإسلامي منذ القدم تخضع لتوجهات مذهبية وميولات سياسية وسياسوية وطائفية مشبعة بكراهية الآخرين، تلمح وتعلن عن تقيتها وتحينها الفرص والاستعداد للقضاء على كل من ليس على «ملتهم ومنهجهم» ويروجون لعدم القبول به ولاحتى التواصل معه، ولاحرج عند البعض في أن يشهر دعوات لاجتثاث من على وجه الأرض من الملل الأخرى، ويلاحظ أن منهم من يميل حيث تميل رياح سياسات بلدانهم وحكامهم وحتى من يقف خلفهم ممن يهابونهم وممن لايبخلون عليهم بالعطايا والمنح والهبات والهدايا من وراء الحدود..!!
إن بعض المنابر السنية والشيعية وغيرهما، بمختلف توجهاتهم، يستغلون ويستغفلون اجتماع الناس بالمساجد لأداء الصلاة فينشرون الاتهامات المتبادلة بينهم، ويشعلون بالصدور نيران الصراع على هشيم الجهل والتخلف، وما يترتب عن ذلك أحيانا من اقتتال الجموع، فتخرب البلدان وييتم الأطفال، وينسحق كل ما هو جميل وحضاري، كل هذا بزعامة من بعض الذين يتحدثون باسم الدين، حيث تتحول المنابر وبيوت لله إلى مراكز تتخصص في الفتن والحروب والاضطرابات، وفي هذا مخالفة عظمى تناقض جوهر الرسالات السماوية وسنن الأنبياء..

لهذا وجب الفصل بين وظيفة إمام المذهب وإمام خطيب الجمعة والناس،  الذي لايجب أن يكون إماما للبعض من الحاضرين وعدوا وكارهاللباقين، في نفس الآن،  لأن بالمساجد مأمومين من كل «المذاهب »، ومنهم مَن دينه الكتاب والسنن الصحيحة ويستأنس بكل المذاهب، ومن هنا يمكن القول إن إمام الجمعة وخطيبها لايجب أن يكون منتميا لحزب ولا لجناح دعوي إن لم يستطع أن يعقل ويكبح لسانه وأقواله، وأن لايكون متحيزا لأهوائه، لأنه يفترض فيه أن يكون صمام أمان، ومرشدا ومربيا ومؤطرا للناس، ومساهما في التوعية وحل النزاعات والتأليف بين القلوب..

إن دوره هو أن يجسد حقيقة الإسلام الذي هو دين البشرية منذ آدم، وهو اسم لكل الديانات السماوية، قولا وعملا وسلوكا وعلاقات، وأن يكون صادقا وعادلا وإنسانيا وسمحا مع  الناس كافة، من آمن أو من لم  يؤمن، مع ما يقتضيه ذلك من حسن التواصل والتبليغ، والموعظة الحسنة، والمجادلة بالحكمة  ..
إن من أسباب الصراعات والفتن والحروب بين المسلمين الاستغلال السياسي المذهبي للدين في أمور الحكم والإمامة والخلافة .. فيسعون خلف »الحاكمية« ليؤسسوا  لديكتاتورية وتسلط يعرف الجميع حقيقته منذ بداية الدولة الأموية إلى اليوم، ليعللوا كل جرائمهم وإرهابهم واعتداءاتهم وقمعهم بأنهم يمثلون ويجسدون إرادة الله في الأرض؟؟.. لهذا كلما هدأت الفتن وتحقق الاستقرار كلما تطورت المجتمعات، وكلما استمرت الفتن وتنوعت وأقحمت فيها العامة يتحول السكان إلى حطب رخيص يموتون بأعداد هائلة وبكل أنواع البشاعات إلى أن تهزم فئة منهم الأخرى، أو إلى أن ينهزما معا فيأتي طرف آخر من الداخل أو الخارج فيتحكم في الجميع ، ويجعلهم أشباه عبيد لايعرفون أي  اتجاه سيستقبلون أمكة أم إيران؟  أأمريكا أم روسيا؟؟ .. أأوربا أم آسيا؟
إن العلماء المتنورين على حق عندما قالوا  بضرورة عدم  إضفاء الشرعية باعتماد الصبغة الدينية على سياسات ومواقف وسلوكات من يحكم، لكي لايتهم كل مخالف ومنتقد لسياساتهم بأنه متعارض مع الدين، وحتى لاتنسب للسماء، كابتلاء واختبار، كل كارثة وأزمة وقعت بسبب قراراتهم وظلمهم وجهالاتهم التي تنتج الفقر والبؤس الاجتماعي والتشرد وكل الأمراض الاقتصادية والاجتماعية والنفسية … !؟
جاء في الحديث أنه إذا قلت لصاحبك أنصت والإمام يخطب يوم الجمعة فقد لغوت، ومن لغا فلا جمعة له …
وقال تعالى : «فِي بُيُوتٍ أَذِنَ للَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ» سورة  النور، والمقصود بالبيوت عند البعض من أهل العلم  المساجد وقيل بأنها كل البيوت. وفسر ابن كثير «أن ترفع»، أي: تطهر من الدنس واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليق أن تحصل فيها.
لهذا ألا يعتبر من اللغو خروج بعض أئمة وخطباء الجمعة عن دورهم التربوي السامي، وهمزهم ولمزهم  وتهجمهم أحيانا على من بالمسجد ومن بخارجه فيتسببون  في زرع كراهية بعض المصلين لهم  من بين المأمومين ..؟ فحكم من صلى بالناس وهم له كارهون معروف عند العلماء .. وهذا الأمر تعرفه مساجد بالشرق والغرب، ولاتسلم أحيانا حتى المساجد التي يحج إليها الناس من كل بقاع العالم بمختلف مذاهبهم وطوائفهم وقناعاتهم ..
وتحضرني هنا واقعة أخبرني بها صديق ورفيق دراسة كان ضمن البعثة التعليمية المغربية إلى إحدى دول الخليج كأستاذ للتربية الإسلامية، وكان أول اجتماع معهم بعد وصولهم إلى تلك الدولة يتمحور حول إعطائهم تعليمات وتوجيهات واضحة ومحددة بأن لايتحدثوا، ولا يشرحوا، ولايذكروا أفكارهم، ولا الخلافات المذهبية للتلاميذ، بل عليهم التقيد بالمقرر حرفيا لتجنب زعزعة عقيدة ومذهب المؤمن عندهم  ..لأن الأستاذ بالقسم هو في منزلة الإمام والمبلغ والمرشد الذي يهتدي الطلبة بدروسه، ويتأثرون بمواقفه التي قد يمررها في حواراته!!

الكاتب : بقلم : مصطفى المتوكل الساحلي - بتاريخ : 14/09/2018

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *