الجريمة المنظمة من خلال مشروع القانون الجنائي 10.16 :محاولة تشريعية غير موفقة

غسان باحو أمرسال

 

تطورت الجريمة في عالم اليوم بشكل مذهل وخطير، هذا التطور الذي ارتبط بمحطة تاريخية أساسية عرفها العالم وهي انهيار جدار برلين وبالتالي تغول الجريمة في أوروبا الشرقية المتعطشة لليبرالية بعد تفكك المعسكر الاشتراكي وتسريح الجنرالات و العلماء ، لتنتشر مع ذلك الجريمة المنظمة في مناطق النزاعات المسلحة الاقليمية التي عرفتها عدة بقاع العالم من خلال تجارة الاسلحة الحربية والمواد النووية والاتجار الدولي في المخدرات و كذا سرقة الأثار و التحف الفنية الثمينة والغش في الدواء وتزوير المنتوجات ليمتد ذلك إلى بيع المنتوجات البترولية بشكل غير مشروع من قبل مجموعات الثوار الذين سيطروا على مناطق إنتاج الذهب الاسود، لتدخل الشركات الانتاجية الكبرى و المؤسسات المالية غمار هذا العالم المظلم الذي سيجد زبنائه في عالم السياسة و الارهاب الذي أخذ يسرح كوباء في شتى أنحاء الارض حيث سيختلط المال بالسياسة والدين تحت لواء الجريمة المنظمة ويغرق الكوكب في أزمة إقتصادية وحمامات دم، مستفيذا من سياسات العولمة الاقتصادية ومن الطفرة الهائلة التي عرفها ميدان المعلوميات والتكنلوجيات الحديثة .
لقد تمظهرت الجريمة المنظمة من خلال أنشطة مجموعة من المنظمات او العصابات الاجرامية العالمية كالمافيا الايطالية بصقلية والتي تتشكل أربع منظمات رئيسية تتركز في جنوب إيطاليا وهي: كوزا نوسترا ” Cosa nostra” وندرانغيتا “Ndrangheta” ولا كامورا “La camorra” ولاساكرا كورونا أونيتا “Sacra corona unita” . كما اشتهرت عدة منظمات اجرامية بالبلقان بعد نهاية الحرب الباردة والتي تنشط في تهريب الهيرويين والاتجار بالبشر والسرقة. والمنظمات الاجرامية لكلومبيا والتي ظهرت في سنوات السبعينات مع ترويج مخدر الماريخوانا . وهناك الدياسبورا الصينية “Diaspora chinoise” والياكوزا اليابانية .
كل هذا يبرز العلائق المتشابكة بين الاختيارات السياسية والاقتصادية والجريمة التي أصبحت تقض مضجع العالم بحيث أصبح من الصعب على الدول السيطرة عليها. وأصبحت اللوبيات الاقتصادية والشركات العالمية تنافس الدول في صناعة القرار السياسي بحيث تدفعه بجميع الوسائل في الاتجاه الذي يخدم أهدافها ، ما جعل المنتظم الدولي من خلال هيئة الامم المتحدة إلى دق ناقوس الخطر من خلال عدة مؤتمرات دولية لخوض المعركة ضد الجريمة المنظمة .
وهكذا فقد عرف إعلان نابولي الجريمة المنظمة من خلال المادة الأولى واعتبرها :
” ما يقوم به ثلاتة أشخاص أو أكثر تربطهم روابط تراتبية أو علاقات شخصية من أنشطة جماعية تتيح لزعمائهم اجتناء الارباح أو السيطرة على الأراضي أو الاسواق الداخلية أو الاجنبية ، بواسطة العنف أو الترهيب أو الفساد ، بهدف تعزيز النشاط الاجرامي و من أجل التغلغل في الاقتصاد الشرعي على حد سواء وبصفة خاصة من خلال :
• الاتجار غير المشروع بالمخدرات و المؤثرات العقلية و الاتجار بالاشخاص
• تزييف العملات
• الاتجار غير المشروع بالممتلكات الثقافية أو سرقتها
• سرقة المواد النووية و إساءة استعمالها أو التهديد بإساءة استعمالها، للإضرار بالجمهور
• الاعمال الارهابية
• الاتجار غير المشروع بالاسلحة و المواد أو الاجهزة المتفجرة أو سرقتها
• الاتجار غير المشروع بالمركبات أو سرقتها
• إفساد الموظفين العامين”
كما تضمنت المادة السابقة أنه لأغراض هذه الاتفاقية ، تشمل الجريمة المنظمة أيضا قيام أحد أعضاء ما بارتكاب فعل ما كجزء من النشاط الاجرامي لهذه المنظمة.
أما الاتفاقية الأساس التي جاءت لمكافحة الجريمة المنظمة والإلحاح على التصدي لها بشكل عملي فكانت هي اتفاقية باليرم PALERM والتي تم اعتمادها في الدورة 55 للأمم المتحدة في 15 نونبر 2000 والتي اعتبرت في المادة الثانية أن العصابة الإجرامية المنظمة هي: “جماعة ذات هيكل تنظيمي، مؤلفة من ثلاثة أشخاص أو أكثر ، موجودة لفترة من الزمن و تعمل بصورة متضافرة بهدف ارتكاب واحدة أو أكثر من الجرائم الخطيرة أو الأفعال المجرمة وفقا لهذه الاتفاقية من أجل الحصول بشكل مباشر أو غير مباشر على منفعة مالية أو منفعة مادية أخرى” .
لم يسبق للمشرع الجنائي المغربي أن تطرق للجريمة المنظمة بهذه التسمية و بالاركان الاساسية التي جاءت في اتفاقية باليرمو لكنه تطرق للعصابات الاجرامية و التعاون مع المجرمين من خلال الفصول 293 إلى 333 من القانون الجنائي . حيث أعتبر الفصل 239 من القانون الجنائي بأن جناية العصابة الاجرامية هي كل عصابة أو اتفاق مهما تكن مدته أو عدد المساهمين فيه، أنشىء أو وجد للقيام بإعداد أو ارتكاب جنايات ضد الاشخاص أو الاموال بمجرد ثبوت التصميم على العدوان باتفاق مشترك وعاقب على ذلك في الفصل 294 منه على ذلك بالسجن من خمس الى عشر سنوات و شدد العقوبة على المسيرين و من يباشر في العصابة قيادة ما برفع العقوبة الى السجن من عشر إلى عشرين سنة . غير أن صاحب مشروع القانون الجنائي غير من تعريف جناية العصابة الإجرامية كما غير الفصل 249 ق.ج بشكل جدري وخصصه لجناية المنظمة الإجرامية جاعلا فروقات بين النوعين من الاجرام من جهة ومحاولا اللحاق بالركب الدولي من خلال الاقرار بالاجرام المنظم.
لقد قسم تعريف الفصل 294 من مشروع القانون الجنائي الجريمة إلى نوعين بحسب طبيعة الجريمة الاصلية المرتكبة إن كانت جناية أم جنحة .
وهكذا فإن خصائص الجناية المنظمة الاجرامية:
ـ أولا: تنظيم محدد البنية، لم يحدد المشرع ما المقصود بعبارة محدد البنية في حين أن اتقاقية باليرم 2000 تحدثت عن جماعة ذات هيكل تنظيمي وقدمت تعريفا لذلك . حيث اعتبرتها جماعة غير مشكلة عشوائيا لغرض الإرتكاب الفوري لجرم ما ، ولا يلزم أن تكون لأعضائها أدوار محددة رسميا، أو أن تستمر عضويتهم فيها أو أن تكون ذات هيكل تنظيمي وهكذا فالاتفاقية توسعت في مفهوم تركيبة العصابات الاجرامية المنظمة. في حين أن تعبير بنية فإنه يحيل إلي وجود تركيبة هرمية و إلى عملية تحديد الادوار.
ـ ثانيا : مؤلف من ثلاثة أشخاص أو أكثر، وهو نفس العدد الذي حددته اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية والذي سارت على نهجه أغلب التشريعات الوطنية كذلك، مما يجعل هذه الجريمة من جرائم الاتفاق الجنائي التي من خصائصها أن تجريم الاتفاق هو ذو طبيعة احتياطية كما أنه جريمة مستمرة تتكون من سلوك ذي مضمون نفسي يتمثل في الافصاح عن ارادة تنصرف الى موضوع غير مشروع جنائيا ، كما أنها تكتسي طابع السرية.
ـ رابعا : موجود لمدة من الزمن نفس ما ذهبت إليه اتفاقية باليرم
ـ خامسا : يعمل أعضاؤه بتنسيق بينهم ويقصد به التضافر على حد تعبير اتفاقية باليرم
ـ سادسا: يهدف لإرتكاب جناية: فبخصوص الجنايات فإن المشرع ترك الامر مفتوحا على كل الجنايات لكن لم يتحدث هنا عن الجريمة العبر وطنية ، و بالتالي في حال الجنايات فإن القاعدة المعمول بها في هذا الصدد هو إقليمية القوانين الجنائية بحيث لا يمتد الوصف إلى الجنايات المرتكبة عبر الحدود الوطنية كما وردت بتعريف الفصل .
ـ سابعا : إذا كانت جنحة من الجنح المحددة حصرا أن تهدف إلى الحصول على منفعة مالية أو مادية أخرى
هنا نسقط في إشكالية الحصر واعتماد أسلوب اللائحة بشكل أو بأخر متى تعلق الامر بجنح ذلك أن الفصل حددهم في عدد جد مقتضب ومحدود قد لا يخدم في جميع الاحوال مفهوم الجريمة المنظمة بالشكل الذي رغبت به اتفاقية باليرم التي تحدثت على الإجرام الخطير والذي عرفته بأنه سلوك يمثل جرما يعاقب عليه بالحرمان التام من الحرية لمدة لا تقل عن أربع سنوات أو بعقوبات.
لقد حدد المشرع لائحة حصرية وهي نفسها الواردة بالفصل 293 من المشروع المتعلق بجناية العصابة الاجرامية وهي:
1. الاتجار غير المشروع في المخدرات و المؤثرات العقلية
2. الاتجار في الاعضاء البشرية
3. تهريب المهاجرين
4. الاستغلال الجنسي للقاصرين
و بالتالي فإن المشرع خالف أهداف الاتفاقية حيث يرى مكتب الامم المتحدة لمكافحة المخدرات و الجريمة في تقريره لسنة 2012 حين اعتبر بصفة عامة : ” أن التحليل يصبح معقدا بسبب أن مجموعة من الانظمة القانونية الوطنية تركز مجموع نظام الاجرام المنظم في مجموعة خاصة من المعايير القانونية مع مجال واحد للتطبيق وخلص الى ان التشريعات عليها تحديد لائحة موسعة ومنح اهتمام خاص للاشكال الجديدة من الاجرام” .
مع كامل الاسف أن المجلس الوطني لحقوق الانسان في رأيه بخصوص مشروع القانون رقم 10.16 بناء على طلب السيد رئيس مجلس النواب بتاريخ 11/07/2016 لم يولي الجريمة المنظمة الاهتمام اللازم وخص الفصل 294 بفقرة جد مقتضبة غير أنه سجل قصور هذا الفصل لا سيما في ما يتعلق بالجنح التي تدخل في نطاق التوصيف القانوني لها الوارد في الفصل 293 من المشروع.
يلاحظ من كل ما سبق بأنه كان تسرع من قبل المشرع أثناء تجريم أعمال الجريمة المنظمة فالنص يبقى غامضا في بعض من النقط مثل المقصود بالبنية من جهة و من جهة ثانية المدة الزمنية للتأليف. كما أن المشرع لم يحقق مقاصد اتفاقية باليرم بعدم تغطيته عدة جرائم أساسية وخطيرة و التي قد تدخل في خانة الجنح مثل الجرائم المعلوماتية والجرائم المتعلقة بالصحة مثل الغش في الدواء والجرائم المرتبطة بالثرات الفكري والثقافي والجرائم البيئية وجرائم الغش و تزييف العملات والرشوة وتبيض الاموال والاتجار في البشر والدعارة مما يستلزم إعادة النظر في هذا الفصل أمام اللجنة البرلمانية ليغطي هذه الجرائم متى اكتست الطابع الاقليمي أو العبر الوطني في إطار الجريمة المنظمة .

ـ حسب الفصل 293 من المشروع 10.16 نجد، كل جريمة ترتكب في إقليم المملكة وفي دولة أخرى أو ترتكب في إقليم المملكة و لكن وقع الاعداد أو التخطيط أو التوجيه أو الاشراف عليها كليا أو جزئيا انطلاقا من دولة أخرى أو ترتكب في اقليم المملكة من قبل منظمة إجرامية تنشط في أكثر من دولة أو ترتكب في إقليم المملكة غير أن أثارها أضرت بمصالح دولة أخرى أو ترتكب في دولة أخرى ولكن وقع الاعداد أو التخطيط أو الاشراف عليها كليا او جزئيا انطلاقا من اقليم المملكة أو أنها ارتكبت في دولة أخرى غير أن أثارها أضرت بمصالح المملكة.

Recueil d’affaire de criminalité organisée, Compilation d’affaires avec commentaires et enseignements tirés, 2012, OFFICE DES NATIONS UNIES CONTRE LA DROGUE ET LE CRIME Vienne page 14

الكاتب : غسان باحو أمرسال - بتاريخ : 19/07/2017

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *